هو شيعيُّ المذهب، لبنانيُّ الأصل، بيروتيُّ المولد، سعوديُّ النشأة، أميركيُّ الجنسية، فلسطينيُّ الهوى، وإسرائيليُّ المهمّة حالياً، إذ أوفده رئيس الولايات المتحدة الأميركية جو بايدن إلى تل أبيب، ليطفىء الحرب الإسرائيلية على غزّة، بصفته الجديدة: نائب مساعد وزير الخارجية الأميركيّ للشؤون الإسرائيلية والفلسطينية في مكتب الشرق الأدنى.
هو إذاً رسول بايدن إلى الملفّ الفلسطيني الإسرائيلي. وإسرائيل تكرهه، وتتوجّس منه، وتعتبره أقرب إلى “العدوّ”، منه إلى الوسيط، وبالطبع لا تراه “حليفاً”، كما كانت أحوال الموفدين الأميركيين إلى هذا الملفّ منذ عقود.
“ألهمتني الانتفاضة الفلسطينيّة الأولى”، يقول هادي عمرو، ابن المعيصرة في كسروان الفتوح. ابن عائلة عمرو الشيعية، الذين كانوا منذ القرن الثامن عشر “أسياد أرضهم”. وظلّت “المعيصرة” ضائعة بين طرابلس وبين جبل لبنان، إلى أن جاء “لبنان الكبير” وألغى الحدود.
ألهمته الانتفاضة، كتب في 2002. وكان في حينها ناشطاً في صفوف الحزب الديموقراطي. وهذه ليست جملة عابرة في مسيرته السياسية. فهواه الفلسطينيّ ظهر أكثر وأكثر بعد قرار الرّئيس السابق دونالد ترامب نقل السّفارة الإسرائيليّة إلى القدس المُحتلّة، والاعتراف بها عاصمةً أبديّةً لإسرائيل، وإعلان ما عُرِفَ بـ”صفقة القرن”. كتَب في كانون الثاني 2020 مقالتين في مجلّة Foreign Policy بعنوانيْ: “نعرِفُ خطط السّلام… هذه ليسَت واحدة منها“، و”على ترامب أن يُمزّق خطّته للسّلام“.
كانت تلك الآراء مُنطلقاً لإعلان التّوجّس الإسرائيليّ من اختيار بايدن لعمرو في منصبه الجديد (كانون الثّاني 2021). إذ وَصَفه الكاتب في “نقابة الأخبار اليهوديّة” (JNS) دانيال غرينفيلد، في مقالةٍ له عنوانها “المُشكلة مع هادي عمرو“، بأنّه “خبيرٌ سياسيٌّ آخر له تاريخ من العداء لإسرائيل”.
هو إذاً رسول بايدن إلى الملفّ الفلسطيني الإسرائيلي. وإسرائيل تكرهه، وتتوجّس منه، وتعتبره أقرب إلى “العدوّ”، منه إلى الوسيط، وبالطبع لا تراه “حليفاً”، كما كانت أحوال الموفدين الأميركيين إلى هذا الملفّ منذ عقود
ذلك الشاب اللبنانيّ الأصل، الفلسطينيّ الهوى، حطّ يوم الجمعة الفائت (14 أيّار) في مطار بن غوريون، على متن طائرة تابعة للبحريّة الأميركيّة، موفداً من الرئيس بايدن، في محاولة للوصول إلى تهدئة طويلة الأمد بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
لكن من هو هادي عمرو؟ وما هي مُهمّته؟
أبصرَ هادي أليكس عمرو النّور قبلَ شهرين من نكسَة سنة 1967 في العاصمة اللُبنانيّة بيروت لوالدين مُتخصّصَيْن في حقل التّربية والتعليم والعمل الاجتماعي. رقم سجلّه 14. أي أنّ عائلته أساسية بين عائلات كسروان الشيعية. والدته اسمها ثيا راشل برودسكي. وقد سمّته هادي أليكس، وليس هادي فقط. كان ذلك في 8 نيسان.
بعد ولادته بفترة قصيرة، خرجَ من لبنان برفقة والديه إلى المملكة العربيّة السّعوديّة، حيث افتتحت والدته، التي يصفها ابنها بأنّها “مُسلمة مُتديّنة”، أوّل روضةٍ للأطفال مُتعدّدة اللغات، بتمويلٍ من الحكومة السعودية، شرقيَّ المملكة، فيما أدارَ والده شركة استشارات وضعت الدّراسات التي أفضت إلى تأسيس “وكالة حماية البيئة” في السّعوديّة.
من السّعوديّة التي نشأ فيها على عَمل والديه في خدمة المُجتمع وتحسينه، انتَقل في سبعينيات القرن الماضي مع عائلته إلى العاصمة الأميركيّة. هناك افتتح والداه في واشنطن أوّل مدرسة لتعليم اللغة العربيّة، خلال عطلة نهاية الأسبوع. ساعدهما تبرّع قدّمته جامعة جورج تاون. وهناك أيضاً، نشأ هادي أليكس مُتأثّراً بخطابات المُناضل الأميركي ضدّ التمييز العنصري مارتن لوثر كينغ، الذي يصفه بـ”مثَلي الأعلى”.
مثل والدته، يصِفُ عمرو نفسه بأنّه “مُسلم مُلتزم”، يصوم شهرَ رمضان ويزور مكّة المُكرّمة. ويؤكّد أيضاً أنّ خلفيّته الدّينيّة لها تأثير مباشر على عمله. يحمِل شهادة الماجستير في الاقتصاد والشؤون الدولية من كلية الشؤون العامة والدولية في جامعة برينستون الأميركيّة، ودرجة البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة تافتس.
بعد ولادته بفترة قصيرة، خرجَ من لبنان برفقة والديه إلى المملكة العربيّة السّعوديّة، حيث افتتحت والدته، التي يصفها ابنها بأنّها “مُسلمة مُتديّنة”، أوّل روضةٍ للأطفال مُتعدّدة اللغات، بتمويلٍ من الحكومة السعودية
دخل الحقل السّياسي في الولايات المتحدة من أبواب الحزب الدّيموقراطي الواسعة، وذلك يوم اختاره المُرشّح الدّيموقراطي لرئاسة الولايات المُتحدة آل غور ليكون “مدير التّواصل العرقي” في حملته الانتخابيّة، قبلَ سنةٍ من أحداث 11 أيلول 2001. مهمّة تشبه هادي وخلفيته المتنوّعة والمتداخلة، وأصوله “المُتواصلة”.
هذه السيرة العائلية والشخصيّة تركَت آثارها الدائمة على شخصيّة هذا الرجل، المُهتمّ بمدّ جسور التّواصل، كما لو أنّه يمدّها من داخل هويّاته الكثيرة. إذ صارَ يُفضّل التحدّث بصوت مُسلمي أميركا بعد تنامي ظاهرة “الإسلاموفوبيا” في البلاد.
في تلك المرحلة، قرّر أن يجمع في نفسه أفكار مارتن لوثر كينغ ضدّ التمييز العنصري، والنّهضة الإسلاميّة لجمال الدّين الأفغاني، التي انعكسَت بشكلٍ واضح في دعمه لِما عُرِفَ بـ”الرّبيع العربي”، يوم كانَ نائباً لمساعد مدير الشرق الأوسط في “الوكالة الأميركيّة للتنمية الدولية –USAID”، بين 2010 و2013، في عهد الرّئيس الأسبق باراك أوباما.
عملَ على تنسيق العديد من برامج المساعدة في جميع أنحاء المنطقة خلال الانتفاضات العربية. وكان يرَى في ولاية أوباما فرصةً لتعزيز التّواصل الأميركي مع العالم الإسلامي، بحسبِ ما كتب في دراسةٍ أعدّها لمعهد Brookings عام 2009.
لم يكن قرار نقله من منصبه في “الوكالة الأميركيّة للتنمية الدّوليّة” في 2013 سوى أوّل الطريق أمام هادي عمرو، الذي انضمّ إلى فريق وزير الخارجيّة جون كيري للمفاوضات الفلسطينيّة – الإسرائيليّة.
مع رحيل إدارة أوباما ومجيء الإدارة الجمهوريّة برئاسة دونالد ترامب، عمل هادي عمرو باحثاً في كلٍّ من “معهد بروكينغز” و”مركز الأمن الأميركي الجديد”، حيث ركّز على السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وعلى التنمية البشرية في المنطقة.
وبعد رحيل ترامب عاد إلى الواجهة، وأقلق إسرائيلَ تعيينُه نائب مساعد وزير الخارجية للشؤون الإسرائيلية والفلسطينية.
فورَ تولّيه منصبه سعى إلى إعادة جسور التّواصل بين الإدارة الأميركيّة والسّلطة الفلسطينيّة بعد انقطاعها بسبب قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وبعد إعادة التّواصل، عَملَ على إعادة فتح القنصليّة الأميركيّة في القدس الشّرقيّة في شهر شباط الماضي، بعدما كان ترامب قد دمجها بالسّفارة. وكان له دورٌ فاعلٌ أيضاً في إعادة افتتاح المكتب التّمثيلي لمُنظّمة التحرير الفلسطينيّة في واشنطن.
لا يتوقف سجلّ عمل عمرو عند هذا الحدّ. إذ ساهم مع وزير الخارجيّة أنتوني بلينكن في إعادة دفع المُساهمة الأميركيّة في “وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين – الأنروا”، بمبلغ 235 مليون دولار أميركي سنوياً. وهذا أيضاً بعد انقطاع التّمويل الأميركي في عهد دونالد ترامب.
ومع اندلاع الحرب الإسرائيلية الأخيرة على فلسطين، والمواجهة بين الجيش الإسرائيلي وحركتيْ حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزّة، صارَ الإسرائيليّون على تماس مباشر مع هادي عمرو، الذي بعثه بايدن إلى تل أبيب ورام الله الأسبوع الفائت للعمل على “تهدئة طويلة الأمد”.
هذه السيرة العائلية والشخصية تركَت آثارها الدائمة على شخصية هذا الرجل، المُهتمّ بمدّ جسور التّواصل، كما لو أنّه يمدّها من داخل هويّاته الكثيرة. إذ صارَ يُفضّل التحدّث بصوت مُسلمي أميركا بعد تنامي ظاهرة “الإسلاموفوبيا” في البلاد
قبل وصوله إلى تل أبيب، كانت إدارة بايدن تؤكّد “حقّ إسرائيل في الدّفاع عن نفسها ضدّ صواريخ حركة حماس الإرهابيّة”. ومن هذا الأساس ستنطلق اتصالات عمرو مع الإسرائيليين والمسؤولين الفلسطينيين في رامَ الله. لكن اختيار هادي ليس تفصيلاً بسيطاً. فعلى الرغم من الموقف الأميركي الرسمي، إلا أنّ “الموفد” سيكون أثره مختلفاً عن “السياسة العامة”.
وبحسب معلوماتٍ حصل عليها “أساس” من مصدرٍ دبلوماسي أميركيّ، سيؤكّد عمرو أمام الإسرائيليين رفضَ إدارة بايدن أيّ خطوة من شأنها تهجير الفلسطينيين من حيّ الشّيخ جرّاح في القدس المُحتلّة. هذا على الرغم من رواية “الخلاف العقاري” وليس السياسي أو الاحتلالي. وسيؤكّد عمرو في الوقت عينه أنّ لإسرائيل حقّ الرّد والدّفاع عن النّفس في إطار القانون الدّوليّ، لكن من دون أن ينسى إدانة استهداف المدنيين من “الجانبين”، على حدّ وصف المصدر. وهو أكّد أنّ الإدارة الأميركية تسعى إلى ربط العلاقة مع تل أبيب بسقف القانون الدّولي. وليس خفيّاً هنا أنّ إدارة بايدن تشهد تنامياً غير مسبوق للتّيار اليساري داخلها وداخل الحزب الدّيموقراطي، بل وداخل الأوساط اليهوديّة المؤيّدة لهذا الحزب.
إقرأ أيضاً: فلسطين: الاختطاف الكبير
وأشارَ المصدر الأميركي إلى أنّ التّواصل مع حركتيْ حماس والجهاد لن يكون بشكلٍ مباشر لأنّ واشنطن تُصنّفهما حركتين إرهابيّتين، وأنّ الاتصالات والمساعي، التي تقوم بها مصر مع الفصائل في غزّة، ليست بعيدة عن جهود هادي عمرو في تلّ أبيب ورامَ الله، على اعتبار أنّ القاهرة حليفٌ رئيس للولايات المُتحدة التي تسعى إلى تهدئة طويلة الأمد بين الإسرائيليين والفلسطينيين تمهيداً لمحاولة إطلاق عمليّة السّلام بينهما في وقتٍ لاحق.
هادي عمرو إذاّ هو اللبناني الشيعي، المنحاز أخلاقياً إلى القضية الفلسطينية، والذي أرسله بايدن إلى إسرائيل، لفضّ النزاع العسكري الأخير.
هذه سابقة تأسيسية. وهذا ليس تفصيلاً.