رفع الدعم: الجوع والحرب… بين عون وبرّي

مدة القراءة 7 د

رُفِع الدعم من دون أن يُرفَع الدعم. حصيلة بديهيّة لكباش سياسي خفيّ حول الأزمة لم يخرج إلى العلن بكامل “غسيله” بعد. لكن على أرض الواقع تُرجمت الكارثة بكلّ تفاصيلها مع دخول الأمن الغذائي والدوائي والاجتماعي دائرة الخطر الشديد، من خلال طوابير الذلّ والأسعار التي تكوي الجيوب الفارغة أصلاً…

يوم الثلاثاء الماضي لم يلتئم اجتماع اللجنة المكلّفة بتنظيم عملية رفع الدعم. اجتماع كان مخصّصاً لمواصلة البحث في البطاقة التمويلية المفترض أن يترافق صدورها مع الرفع الجزئي للدعم.

وفق المعلومات، فإنّ الاجتماع الأول للّجنة، الذي عُقد الأسبوع الفائت، كرّس وجود تشقّقات سياسية حالت دون استكمال النقاش يوم الثلاثاء، حين علا الصراخ بين الحاضرين وتبادلوا الاتّهامات، وصولاً إلى “المسّ بالشخصيّ”، وهو ما رسّخ واقع غياب الإدارة “الواعية والمسؤولة” لأخطر أزمة مصيريّة في تاريخ لبنان الحديث.

وقد سبق ذلك صدور بيان المكتب السياسي لـ”حركة أمل” يوم الاثنين، الذي حرق تقريباً كلّ الجسور مع رئيس الجمهورية وجبران باسيل عبر الإشارة إلى “الحسابات المصلحية الضيقة والشعارات الشعبوية والتعطيل السياسي الذي تجاوز حدود المعقول وضَرب صورة العهد والسلطة نحو طرح أسئلة أكثر تعقيدًا حول النظام والقدرة على الاستمرار”.

الخلاف المتفاقم على خطّ بعبدا – عين التينة لم يعد سرّاً، لكنّه بالتأكيد يأخذ أبعاداً أكثر حساسيّةً وخطورةً حين يحضر ملفّ الأمن الغذائي والدوائي للّبنانيين على الطاولة.

الاجتماع الأول للّجنة، الذي عُقد الأسبوع الفائت، كرّس وجود تشقّقات سياسية حالت دون استكمال النقاش يوم الثلاثاء، حين علا الصراخ بين الحاضرين وتبادلوا الاتّهامات، وصولاً إلى “المسّ بالشخصيّ”، وهو ما رسّخ واقع غياب الإدارة “الواعية والمسؤولة” لأخطر أزمة

هنا يمكن قول الأمور كما هي: يُحمّل فريق العهد، وفق أوساطه، الرئيس نبيه بري مباشرة مسؤولية الإطاحة بعهده. ومسار تنسيقه بالشاردة والواردة مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة هو أحد أوجه التآمر ضدّه. وآخِر المحاولات إقفال الحاكم “حنفيّة” الدعم والسحب من الاحتياط، وإطلاق منصّة غير فعّالة مع تعاميم “احتياليّة” توهم الناس بإعادة دولاراتها. كلّ ذلك بغطاء من برّي، وهو ما قد يهدّد بحصول انفجار اجتماعيّ وشيك.

أمّا الرئيس برّي فلائحة الاتّهامات لديه أطول بكثير، وتبدأ من “هدّ البلد على رؤوس اللبنانيين لتعبيد الطريق أمام مستقبل جبران باسيل”، ولا تنتهي بكيل الاتّهامات بالفساد من الطاقة والبواخر وغيرهما. هذا الواقع دَفَع أقرب المقرّبين من بري إلى القول إنّ “ميشال عون خصمٌ لا تحتاج معه إلى وسيلة هجوم. هو يتكفّل بإنهاء عهده بيده”.

قبل إقرار المسوّدة شبه النهائية لترشيد الدعم في 3 أيار الماضي، وبعد مسار طويل من التردّد الحكومي والخوف من حمل كرة النار، زار حسان دياب بعبدا وعين التينة وبيت الوسط مفترضاً أنّه أخذ الغطاء السياسي لمهمّته “الانتحارية”.

لكنّ الاجتماعين اللذين أعقبا إقرار المسوّدة، وتخلّلهما حصول مشادّات حادّة بين أعضاء لجنة رفع الدعم، دفعا دياب إلى الاعتراف أمام زائري السراي: “كنت مفكّر أخذت الغطاء السياسي، لكن يبدو أنهم يريدون تحويلي إلى كيس ملاكمة لتصفية حساباتهم السياسية”.

 في النتيجة، طار اجتماع الثلاثاء الماضي، ودخلت الحكومة، كما الطبقة السياسية برمّتها، مدار عيد الفطر الذي وَصَلَ “وقفة العيد” الأربعاء بيوم الأحد. المسؤولون “معيّْدين”، وأربعة ملايين لبناني بأمعاء خاوية يحترقون بنار الأزمة.

وفق العارفين لا تزال تعترض خطّة ترشيد الدعم والبطاقة التمويلية عدّة عقبات لا تبشّر بحلٍّ في المدى المنظور:

1 – خلافٌ سياسي على من يتسلّم ويدير ملفّ البطاقة التمويلية. فهناك معركة بين برّي وعون من أجل “الإمرة” على البطاقة: هل تكون لوزارة الشؤون الاجتماعية أم لوزارة الدفاع؟

2 – خلاف سياسي على عدد المشمولين بالبطاقة الذي لم يُحدَّد بعد (مبدئياً 750 ألف مستفيد). وينقسم المستفيدون من الدعم إلى شرائح تُضَخّ في بطاقتها 137 دولاراً من الحكومة، وشريحة أخرى تحصل على 137 دولاراً، لكنّها تستفيد كذلك من قرض البنك الدولي ليصل مجموع ما تحصل عليه إلى 193 دولاراً.

3 – خلاف سياسي على تمويل البطاقة. وهنا يظهر محور برّي – سلامة، الرافض كليّاً المسّ بالاحتياط الإلزامي، فيما يقدّر عون – دياب أنّ البطاقة ستوفّر أكثر من مليارين و500 مليون دولار سنويّاً.

قبل إقرار المسوّدة شبه النهائية لترشيد الدعم في 3 أيار الماضي، وبعد مسار طويل من التردّد الحكومي والخوف من حمل كرة النار، زار حسان دياب بعبدا وعين التينة وبيت الوسط مفترضاً أنّه أخذ الغطاء السياسي لمهمّته “الانتحارية”

يبدو مصير اللبنانيين بين أيدي هذين الطرفين ضحية أفظع ارتكابات، منها أنّ بطاقة الـ137 دولاراً تبخّرت قيمتها قبل إقرارها، وستتحوّل إلى “ورقة نعوة” قريباً مع رفع الدعم والارتفاع المتوقّع في سعر صرف الدولار.

وفيما طلب الرئيس برّي صراحة من دياب، بموافقة من حزب الله، التخلّي عن فكرة “تشريج البطاقة باللبناني” وتمويلها بالدولار، مع علمه بصعوبة إيجاد “المموِّل”، أكّد المعنيّون أنّه “يجري الإعداد لأكبر عملية زبائنية للإمساك بملفّ تكوين الداتا للمشمولين ببطاقة الدعم. وعلى الأرجح، لن تُقرّ قبل التأكّد من موعد الانتخابات النيابية، كما حصل تماماً مع سلسلة الرتب والرواتب التي “جَرجَرت” من 2009 إلى2017، وتحوّلت إلى رشوة انتخابية مفضوحة”.

هكذا يرفض الجميع تحمّل أيّ مسؤولية في اتّخاذ قرار ترشيد أو رفع الدعم. إذ يطلب رئيس الجمهورية “موافقة كل القوى السياسية” شرطاً لتوقيعه مرسوم الموافقة الاستثنائية (يوقّعه رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الأعمال والوزير المعنيّ)، وإقرار البطاقة قبل ترشيد الدعم. أثار طلبُ عون التئامَ مجلس الوزراء لاتّخاذ القرار غضبَ دياب في إحدى الجلسات، فقال: “أنا ما عمّ ألعب. قمتُ بجولة على السياسيين، ويفترض أنّ الكثير من النقاط قد اتفق عليها”.

يطرح موقف الثنائي الشيعي من الملفّ عدّة علامات استفهام. فحزب الله قاطَعَ الاجتماع الأول في السراي المخصّص للنقاش في المسوّدة. وفي الاجتماع الثاني حضر وزير الصناعة عماد حب الله لبضع دقائق ثمّ غادر. وقد حذّر لاحقاً، في تصريح له، من أنّ “مشكلة كبيرة ستقع في حال رفع الدعم عن المواد الأساسية المرتبطة بالصناعة، بما فيها الفيول والمازوت”.

أمّا وزير المال غازي وزني فعكست المشادّة بينه وبين وزير الشؤون الاجتماعية رمزي مشرفية على “كوتا المحتاجين”، في إحدى الجلسات، حالة التخبّط والضغوط التي يتعرّض لها وزير المال، فيما “السياسة المالية العليا” تُرسم بين الرئيس بري وحاكم مصرف لبنان، وما على “الوزير” سوى التنفيذ.

يبدو مصير اللبنانيين بين أيدي هذين الطرفين ضحية أفظع ارتكابات، منها أنّ بطاقة الـ137 دولاراً تبخّرت قيمتها قبل إقرارها، وستتحوّل إلى “ورقة نعوة” قريباً مع رفع الدعم والارتفاع المتوقّع في سعر صرف الدولار

وقد سُمِع الوزير المقرّب من “حركة أمل” عباس مرتضى يقول عن البطاقة التمويلية وترشيد الدعم إنّهما “طبخة بحص. لن يصلوا إلى مكان”. ثمّ قال، في مداخلة قصيرة خلال اجتماع الخميس الفائت: “ما حدن يفكّر يدقّ بالاحتياط الإلزامي”، أي الاحتياط الذي يتّكل عليه عون ودياب للإبقاء على دعم المواد الأساسية وتمويل البطاقة.

وقال مواكبون لخطّة ترشيد الدعم إنّه “على الرغم من مفاخرة حزب الله ببطاقة “سجّاد”، والإيحاء بحماية “جماعته”، إلا أنّه مأزوم، ورفع الدعم سيؤذيه مباشرة. وفي الوقت نفسه يحاول ردّ كرة الانفجار الاجتماعي كيلا تصل إلى عتبة قصر بعبدا. عمليّاً ليس من أحد سوى حزب الله يقف إلى جانب عون وباسيل”.

إقرأ أيضاً: رفع الدعم: الدولار فوق 20 ألفاً خلال أسابيع.. أو أيّام

ربّما الفضيحة الكبرى في ملفّ رفع الدعم هي دفن الجميع رؤوسهم في الرمال. إذ تقول مصادر مطّلعة إنّه “في الأصل ليس من قرار حكومي بالدعم كي يوجد قرار حكومي مضادّ برفعه أو ترشيده. إنّه اتفاق بين مصرف لبنان والحكومة ممثلةً بوزير المال. وللمناسبة، وزارة المال هي من أشدّ المطالبين، نيابةً عن عين التينة، بعدم المسّ بعد الآن بالاحتياط. وحلّوها”.

لذلك يتقاذف الجميع كرة النار، مع طلب صريح من القصر الجمهوري “برفع الدعم تدريجيّاً”. أمّا مصادر السراي فتردّ: “لا شيء اسمه رفع تدريجيّ للدعم، لأنّ ذلك سيقود اللبنانيين إلى تخزين المازوت والبنزين واللحم تحت أسرّتهم، وسيؤدي إلى حالة فوضى كبيرة”.

مواضيع ذات صلة

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…

الميدان يَنسِف المفاوضات؟

لا شيء في الميدان على المقلبين الإسرائيلي واللبناني يوحي بأنّ اتّفاق وقف إطلاق النار يسلك طريقه إلى التنفيذ. اليوم ومن خارج “دوام عمل” العدوّ الإسرائيلي…