العيون مفتوحة على الانتخابات النيابية المقبلة. في الداخل بدأت الأحزاب الاستعداد لإحصاء أرقامها الانتخابية بعد الخسارات الشعبية التي من الواضح أنّها مُنيت بها، تحديداً بعد 17 تشرين 2019. ومن الخارج بدأ العمل للضغط على المسوؤلين اللبنانيين لئلا يكون تأجيل إجراء الانتخابات النيابية في موعدها خياراً. من هنا كان خطاب وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أمام مجموعات مدنية، ودعوته ليس فقط إلى الالتزام بموعد الانتخابات، بل إلى البدء بالاستعداد لها.
هذا الكلام ليس تفصيلاً. ففرنسا، التي تفتتح فصلاً جديداً من مبادرتها بعد الوصول إلى حائط مسدود مع السياسيين، عينها على انتخابات الساحة المسيحية تحديداً. وهي بدأت تعمل على توحيد جهود المجموعات المعارضة لتشكيل لوائح مشتركة ضد لوائح أهل السلطة. لهذا اختار لودريان، بالإضافة إلى مجموعات مدنية، أن يلتقي شخصيات مسيحية، من بينها نعمت افرام وميشال رينيه معوّض وسامي أمين الجميل وغيرهم. فالساحة المسيحية، تحديداً، ستكون من أكثر الساحات تأثّراً بعد الخسارة التي مُنيت بها الأحزاب التقليدية، ولا سيّما حليف حزب الله، التيار الوطني الحر الذي خسر من شعبيّته.
يقودنا هذا الكلام إلى إحصاء أخير قام به حزب الله على الساحة المسيحية. وفي هذا الإحصاء تقدّمت القوات اللبنانية على التيار الوطني الحرّ بحوالي ثلاث نقاط، ليس لأنّ القوات اللبنانية استطاعت أن تربح ما خسره التيّار، بل لأنّ التيار تراجع تراجعاً كبيراً. أمّا الحصّة الكبرى من التمثيل فهي ستكون لشخصيات مسيحية مستقلّة لها حيثيّاتها في مناطقها يمكن أن تنضوي لاحقاً في لوائحَ للمجتمع المدني أو المستقلّين.
يدرك حزب الله جيّداً معنى هذا الواقع المستجدّ. ففي وقت تعمل القوات جدّيّاً لتكبير كتلتها النيابية، وتقوم حاليّاً بإحصاء انتخابي في كل المناطق المسيحية، تكشف المعلومات أنّ حزب الله بدأ ينكبّ على البحث في خياراته المتاحة على الساحة المسيحية.
فرنسا، التي تفتتح فصلاً جديداً من مبادرتها بعد الوصول إلى حائط مسدود مع السياسيين، عينها على انتخابات الساحة المسيحية تحديداً. وهي بدأت تعمل على توحيد جهود المجموعات المعارضة لتشكيل لوائح مشتركة ضد لوائح أهل السلطة
وفي قراءة تقويمية لتعامله مع هذه الساحة في السنوات الماضية، وجد حزب الله نفسه وقد حصر تحالفه مع فريق واحد، لا بل اختصر كلّ علاقاته مع القوى والشخصيات السياسية المسيحية الأخرى كرمى لعيون حليفه. لا سيّما أنّه احتلّ المرتبة الأولى شعبيّاً لدى المسيحيّين لعشر سنوات تقريباً. من ميشال عون إلى جبران باسيل انتقلت رئاسة التيار الوطني الحر، بكل ما رافق ذلك من تصدّعات في جسم التيار نتيجة الخلافات الداخلية على كيفيّة الانتقال. إلا أنّ ذلك لم يؤثّر تأثيراً كبيراً على شعبيّة التيار. فبقي صاحبَ “الشرعية” حتّى أتت واقعة انتفاضة تشرين ليتدحرج بعدها تمثيل الحليف المسيحي بسرعة قياسية. بغضّ النظر عن أسباب هذا التراجع ومدى ارتباطه بالظروف السياسية للبلاد، أو بمدى ارتباطه بتحالف عون وباسيل مع حزب الله نفسه. فقد جاءت النتيجة بأنّ وظيفة حليف حزب الله المسيحي، والحالة التي خدمته طوال خمسة عشر عاماً، قد شارفت على الانتهاء، خاصّة بعد انفجار المرفأ وآثاره الاقتصادية المدمّرة للجسم المسيحي.
هكذا بات الحزب أمام واقع صعب لا بدّ من معالجته. لكنّه يدرك أن لا سبيل أمامه إلا المحافظة على هذه العلاقة المحكومة بالاستمرار، لأسباب مصلحية برغماتية واستراتيجية للفريقين على حدّ سواء.
حزب الله يبحث في خياراته المسيحية
لا مقاربة واضحة بعد للمعالجة الممكنة من وجهة نظر الحزب. لكنّه ينظّم جلسات عمل للبحث عن خيارات متاحة.
وبينما يعتبر أيَّ تقارب بين حليفيه، جبران باسيل وسليمان فرنجية، مستحيلاً حتى الساعة لِما بينهما من مواقف عدائية، يبحث حزب الله في أوّل خياراته حول إمكانَية مساعدة التيار الوطني الحرّ في أن يستنهض من جديد ولو جزءاً من حالته.
يرتبط هذا البحث بواقع مستقبل التيار ربطاً بأدائه السياسي، وبالثغرات التي يعانيها والمرتبطة بطبيعة تركيبته الحزبية بين رئيسه الروحي ميشال عون ورئيسه الفعلي جبران باسيل وقاعدته الشعبية الصامدة والمتآكلة.
بات الحزب أمام واقع صعب لا بدّ من معالجته. لكنّه يدرك أن لا سبيل أمامه إلا المحافظة على هذه العلاقة المحكومة بالاستمرار، لأسباب مصلحية برغماتية واستراتيجية للفريقين على حدّ سواء
لا ثقة لدى حزب الله بأنّ التيار بتركيبته الحالية يستطيع استنهاض شعبيّته. وعليه كان الدرس، الذي تعلّمه الحزب من هذا التحالف، أن لا يحصر علاقته مع أيِّ مكوّن طائفي بفريق سياسي واحد. وبالتالي سيقوم الحزب بإعادة وصل ما انقطع وبناء الجسور مع شخصيات مسيحية مستقلّة في مختلف الأقضية اللبنانية كان امتنع عن التواصل معهم مراعاةً للتيّار. وإن كانت العلاقة أو إمكان التقاطع مع القوات اللبنانية والكتائب مستحيليْن فإنّ الحزب يعيد وصْل ما انقطع مع الصرح الماروني في بكركي، وإن على مستوى اللجان المشتركة. فهو أدرك مع الحركة السياسية التي يشهدها الصرح، أنّ هناك ساحة مسيحية أخرى مختلفة عن ساحة بعبدا.
إقرأ أيضاً: الحزب يخسر غطاءه: التيّار 15% من المسيحيّين فقط
ليست الصورة واضحة بعد في حارة حريك. بل هناك واقعٌ صعبٌ يواجهه حزب الله ليس في بيئته، بل في بيئة حليفه الأهمّ. فهل يستطيع إيجاد البديل عمّن خسر من رصيده ليقدّم له أكبر التقديمات بتوفير مظلّة مسيحية لم يحظَ الحزب بها يوماً قبل التيار، وعلى الأرجح لن يحظى بها بعده.
يدرك الحزب أن لا بديل له عن التيار الوطني الحرّ في الساحة المسيحية، فكيف سيقوم حلفهما بالحدّ من الخسائر السياسية والشعبية ومحاولة التعويض عنها في الاستحقاقات المقبلة؟
لننتظر ونرَ.