برزت في الفترة الأخيرة حدّة الخلافات بين نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي من جهة، وبين رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل والمستشار الرئاسي الوزير السابق سليم جريصاتي من جهة أخرى. وكان العنوان الرئيس لهذا الخلاف دعوة الفرزلي إلى أن يتولّى الجيش اللبناني السلطة في لبنان، مع تعطيل الدستور وذهاب الرؤساء الثلاثة إلى المنزل، بحسب تعبيره.
ولنتذكّر في هذا السياق أنّه جرى سابقاً إخراج الإعلامي جان عزيز من موقعه مستشاراً إعلامياً في القصر الجمهوري، بسبب خلافات بينه وبين فريق باسيل وفريق رئيس الجمهورية.
والمعروف أنّ الفرزلي وجريصاتي وعزيز كانوا من ضمن مجموعة سُمّيت بـ”خليّة السبت”، وكان يلتقيها العماد ميشال عون، صبيحة كل يوم سبت في الرابية، قبل أن ينتخب لموقع رئاسة الجمهورية. وكانت تضمّ، إضافةً إلى هذه الشخصيات، كلّاً من رئيس الرابطة السريانية حبيب إفرام، السفير السابق عبد الله بو حبيب، والوزير السابق كريم بقرادوني.
وكانت هذه المجموعة تمثّل فريق عمل العماد عون، فيتشارك معها التفكير في الأوضاع السياسية وكيفية مقاربة الأوضاع الداخلية والخارجية. وهي تعمل من خارج إطار العمل الحزبي للتيار الوطني الحرّ، وتشبه إلى حدٍّ ما فريق العمل، الذي أسّسه قائد القوات اللبنانية بشير الجميّل من أجل التمهيد لوصوله لرئاسة الجمهورية، وضمّ حوالي خمس عشرة شخصية متنوّعة الاهتمامات، ولعب دوراً مهمّاً في معركته الرئاسية قبل العام 1982. وقد تحدّث الوزير كريم بقرادوني عنه، بالتفصيل، في كتابه عن تلك المرحلة، وكذلك الكاتب الفرنسي آلان مينارغ في كتابه حول الحرب في لبنان.
المعروف أنّ الفرزلي وجريصاتي وعزيز كانوا من ضمن مجموعة سُمّيت بـ”خليّة السبت”، وكان يلتقيها العماد ميشال عون، صبيحة كل يوم سبت في الرابية، قبل أن ينتخب لموقع رئاسة الجمهورية
وكان أعضاء هذه الخلية الأسبوعية يفضّلون اعتبارهم “مجموعة تفكير” للبحث في التطوّرات المختلفة، ووضع بعض الأفكار الاستراتيجية، التي يمكن أن يعتمدها العماد ميشال عون في حال تولّيه رئاسة الجمهورية.
ومع انتخاب عون للرئاسة في 31 تشرين الأول من عام 2016، لم تلتقِ هذه المجموعة كل يوم سبت مع الرئيس، وعُيِّن عزيز مستشاراً إعلامياً، وتولّى جريصاتي موقعاً وزارياً وأصبح مستشاراً للرئيس لاحقاً، في حين انشغل باسيل بهموم رئاسة التيار والوزارات التي شغلها. لكن عادت هذه المجموعة لتبرز مجدّداً من خلال تأسيس ما سُمّي “اللقاء المشرقيّ”، الذي أُعلنت ولادته في 29 حزيران 2017 ضمن “علم وخبر” صدر في الجريدة الرسمية عن وزارة الداخلية تحت الرقم 1247. واللافت أنّ باسيل كان على رأس قائمة الهيئة التأسيسية “للّقاء” مع هذه المجموعة.
العلم والخبر للقاء المشرقي، صدر بعد أكثر من سنة على تقديم الطلب، لأن تسمية اللقاء الأصلية كانت اللقاء المشرقي المسيحي، فرفض وزير الداخلية آنذاك نهاد المشنوق ما لم تتم إزالة الصفة الطائفية عن اللقاء. وهو ما حصل بعد أخذ ورد بين باسيل والمشنوق دام أشهر طويلة، وصل إلى حدّ تدخّل الرئيس الحريري مع المشنوق للتوقيع بالموافقة على العلم والخبر.
وقد تضمّن “العلم والخبر” أهداف اللقاء، ودوره من خلال “ضمان توازن الجماعات، والمشاركة في النظام والدولة والحكم والسلطات والإدارات، والحفاظ على هويّة المسيحيين، مروراً بالحفاظ على مقوّمات الدور والوجود المشرقيّ، ديموغرافياً وجغرافياً، من ضمن مسلّمة العيش المشترك”، وذلك عبر عقد المؤتمرات واللقاءات والاجتماعات والحلقات الحوارية حول المواضيع الداخلة في أهداف الجمعيّة.
وبدأ اللقاء نشاطاته المتنوّعة، واتّخذ له مقرّاً واسعاً في منطقة سنّ الفيل قرب مكتبة أنطوان. وكان هذا المركز خليّة عمل ونشاط، حيث يلتقي أعضاء المجموعة ويتابعون نشاطاتهم المختلفة. وقد أثار اعتماد صفة “اللقاء المشرقيّ” الكثير من الإشكالات عند بعض الشخصيّات اللبنانية لأنّهم رأوا فيه تعبيراً عن هويّة جديدة للبنان والمنطقة بدلاً من الهويّة العربية، ويتلاقى مع ما يسمّيه البعض “تحالف الأقلّيات”. لكنّ أعضاء اللقاء يرفضون ذلك، ويؤكّدون أنّ هدفهم حماية التنوّع في لبنان والمنطقة، والتواصل مع جميع الأطراف، مع التركيز على حماية الوجود المسيحي في الشرق.
العلم والخبر للقاء المشرقي، صدر بعد أكثر من سنة على تقديم الطلب، لأن تسمية اللقاء الأصلية كانت اللقاء المشرقي المسيحي، فرفض وزير الداخلية آنذاك نهاد المشنوق ما لم تتم إزالة الصفة الطائفية عن اللقاء
وأثيرت بعض الأسئلة حول دور هذا اللقاء مستقبلاً، ومنها: هل يمكن أن يكون فريق عمل الوزير جبران باسيل للوصول إلى رئاسة الجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس العماد ميشال عون؟
كان من أهمّ نشاطات اللقاء عقدُ المؤتمر الدولي تحت عنوان “لقاء صلاة وفطور: لبنان وطن الحوار والحضارات”، الذي نظّمه “اللقاء المشرقي” برعاية رئيس الجمهورية ميشال عون، وذلك يوميْ الاثنين والثلاثاء في 14 و15 تشرين الأوّل من عام 2019، في أوتيل الحبتور. وشاركت فيه شخصيات لبنانية وعربية وعالمية، بينها وزراء ونواب وسفراء ورجال دين وأساتذة جامعيون وباحثون ومستشارون وأهل رأي وسياسة ومجتمع مدني.
وقد أثار هذا المؤتمر الكثير من الأسئلة حول أهدافه والجهات التي شاركت فيه. كما قاطعته شخصيات دينية بحجّة عدم الاطمئنان إلى أهدافه والمشاركين فيه، في ظل مشاركة شخصيات إيرانية وسورية.
يومها ألقى كلّ من العماد عون والوزير باسيل كلمةً في المؤتمر شرحت أهداف الدعوة المشرقية وأبعادها. وحرص المشرفون على إظهاره كأنّه “فطور” مثل الذي تنظّمه بعض الهيئات الأميركية بشكل دوري مع الرئيس الأميركي، أيّاً كان.
إقرأ أيضاً: الفرزلي ينقلب… ومعه 120 ألف صوت تفضيلي
وكان يُفترض أن يشكّل هذا المؤتمر ونشاطات “اللقاء المشرقيّ لكنّ التطوّرات المتسارعة في لبنان منذ 17 تشرين الأول غيّرت كلّ المشاريع والأوضاع، وتوقّف عمل اللقاء، وبدأت تبرز بين أعضائه خلافاتٌ تُوِّجت بطروحات نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي حول تسلّم العسكر للحكم. في حين عاد كلّ عضو من أعضاء اللقاء الى متابعة مهمّاته السياسية والإعلامية والثقافية من خلال الأطر السابقة، التي كان يعمل فيها، ولم نعد نسمع شيئاً عن “اللقاء المشرقيّ”. وقد يكون مقرّه في سنّ الفيل قد أصبح خاوياً، مع أنّ الرئيس العماد ميشال عون والوزير جبران باسيل لا يزالان يطرحان الدعوة المشرقية والتكامل المشرقي، وكيفيّة تحويل هذه الدعوة إلى خطط عمل سياسية واقتصادية.
لكن إذا كان “اللقاء المشرقي” المصغّر لم ينجح في إكمال مسيرته التنظيمية والعملية، وأن يكون فضاء حواريّاً متنوّعاً لأعضائه ومكوّناته، فهل يمكن للدعوة المشرقية أن تجد طريقها إلى التنفيذ، وتحافظ على التنوّع والحوار والتعدّدية في كل المشرق العربي؟
السؤال برسم أعضاء اللقاء مجتمعين أو منفردين.