لم تدخل الصين إلى الشرق الأوسط من البوّابة الإيرانية. سبقت الاتفاق الصيني – الإيراني الأخير، مبادرات صينيّة مع العالم العربي من المحيط إلى الخليج. فمنذ عام 2005 وقّعت الصين عقوداً مع الدول العربية تبلغ قيمتها 148 مليار دولار، خُصّص ثلثها لمشاريع الطاقة. وفي الجزائر وحدها، التزمت الصين بمشاريع إنشائية بقيمة 16 مليار دولار. من هذه المشاريع مجمّعات سكنية، إضافة الى فندق من الدرجة الأولى، وسجن في جنوب شرق العاصمة. ولتنفيذ هذه المشاريع، نقلت الصين إلى الجزائر 40 ألف عامل صينيّ.
أمّا تونس، فعلى الرغم من قربها من أوروبا، فإن قيمة وارداتها من الصين في عام 2017 بلغت 1.9 مليار دولار، ما يعادل 9 بالمائة من حجم وارداتها، بينما لم تصدّر إلى الصين أكثر من 30 مليون دولار في ذلك العام.
إن العديد من الملابس والمجسّمات التقليدية، التي يُقبل السيّاح على شرائها، مصنوعة في الصين. وفي دول الخليج العربي، كما في الضفة الغربية والأردن، فإنّ الكوفية (غطاء الرأس التقليدي) هو صناعة صينيّة أيضاً.
كلام نائب البترون هو رسالة روسية أكثر منه اجتهاداً شخصيّاً في لحظة يتصلّب الخلاف الغربي الروسي حول الانتخابات السورية المقبلة في ظلّ رفض واشنطن وباريس ولندن المسبق لنتائج هذه الانتخابات ما دامت تستبعد السوريّين في الشتات
تقول الدراسات الإحصائية إنّه بين عاميْ 2015 و2016 فقط، ارتفعت قيمة قروض الإنماء الصينية للدول العربية في الشرق الأوسط عشرة أضعاف، لتصل الى 3.5 مليارات دولار. معظم هذه القروض أُنفق على توسعة المطارات (خصوصاً مطار دبي). والواقع أنّ حوالي ثلثيْ الصادرات الصينية إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا تمرّ عبر موانئ الإمارات العربية المتّحدة (جبل علي ومطار دبي).
وربما كانت سلطنة عمان سبّاقة بين الدول العربية في الانفتاح الاقتصادي على الصين. فقد تعاقدت معها على تحويل قرية ساحلية صغيرة تُعرف باسم “دوقم” يعيش سكّانها على الصيد، إلى مرفأ كبير يشكل خطّ وصل تجاريّ بين آسيا وإفريقيا وأوروبا. وقد بدأ العمل منذ سنوات بالمشروع، الذي يتضمّن، إضافة إلى المرفأ، إنشاء مدينة صناعية لإنتاج البتروكيمائيات والزجاج وأجهزة إنتاج الطاقة الشمسية وموادّ أخرى. وعلى الرغم من اعتراض الولايات المتحدة على المشروع، فإن التفاهم بين عُمان والصين يمضي قدماً. ولتجنّب أيّ ردود فعل سلبيّة، وافقت عُمان على منح الأسطولين الأميركي والبريطاني حقّ استخدام المرفأ الجديد. وهو ما لم تطالب به الصين لنفسها، وهي التي تقوم ببنائه.
وفي الوقت عينه، تقوم الصين ببناء مرفأ جديد في حيفا في فلسطين المحتلة. غير أنّ الولايات المتحدة تضغط على إسرائيل لإلغاء الاتفاق. ذلك أنّ المرفأ الإسرائيلي يشكّل قاعدة لقِطع الأسطول الأميركي السادس في البحر المتوسط. وما بين الولايات المتحدة والصين ما صنع الحدّاد من عدم الثقة والخلافات السياسية والصراع على النفوذ. ولكن – حتّى الآن على الأقلّ – لم تتراجع سلطنة عُمان عن مشروع بناء “دوقم”، ولا تراجعت إسرائيل عن مشروع ميناء حيفا الجديد.
وكذلك الأمر في مصر، حيث تقوم الصين ببناء معظم الأبراج السكنية والإدارية في العاصمة المصرية الجديدة. وفي عام 2018 وحده التزمت الصين تقديم 23 مليار دولار على شكل مساعدات وقروض ميسّرة للاستثمار في عدد من الدول العربية. وقد وقّعت مصر اتّفاقاً مع الصين لبناء معامل غزل ونسيج جديدة. وخصّصت لذلك مبلغ 12 مليون دولار. ويأمل المسؤولون المصريّون أن يؤدّي ذلك إلى خلق أكثر من مائة ألف وظيفة جديدة.
حتّى عام 2008، كان العالم العربي لا يحظى بأكثر من واحد في المئة فقط من حجم الاستثمارات الصينية في العالم. الآن تغيّر الوضع. فالصين وحدها تستورد في الوقت الحاضر نصف إنتاج الشرق الأوسط من الطاقة.
الزيارات الخارجية للمسؤولين والسياسيين اللبنانيين تؤكّد أنّ الانهيار الاقتصادي في لبنان يتزامن مع تراجع كبير في الكفاية السياسيّة لهؤلاء المسؤولين والسياسيين. وأنّ جولاتهم ليست سوى محاولة للبقاء على قيد الحياة، في الداخل والخارج… لا أكثر
في أدبيّات العلاقات بين دول العالم الثالث (مثل الدول العربية) وبين الدول الصناعية الأولى في العالم (مثل الولايات المتّحدة وروسيا ودول الاتحاد الأوروبي)، يجري عادةً الحوار حول أوجه التعاون بصورة غير متكافئة وغير متوازنة. يتجنّب الصينيّون ترك مثل هذا الانطباع خلال الحوار معهم. وهم يذكّرون محاوريهم من العالم العربي أنّهم كانوا مثلهم ضحية الاحتلال والاستعمار الأجنبيّيْن، ويهتمّون بالمصالح المشتركة، وليست لديهم مطامع استغلالية. ولكن “من احترق لسانه بالحليب الساخن ينفخ على اللبن”، كما يقول المثل. فالولايات المتحدة تحاول تسخين اللبن الصينيّ باستمرار من خلال إثارة قضية شعب الإيغور المسلم الذي يتعرّض لنوع من التدجين الثقافي والديني تحت شعار محاربة التطرّف.
والواقع أن شينجيانغ (شرق الصين) تتمتّع بقوميّة مختلفة وتتطلّع إلى الاستقلال شأن بقية دول آسيا الوسطى التي استقلّت عن الاتحاد السوفياتي السابق بعد تمزّقه. لكنّ الصين التي تعارض هذا الانفصال، تضطهد الانفصاليّين الذين يستخدمون الدين أساساً للتحريض على الانفصال. وعلى الرغم من أنّ الإسلام قائم ومستمرّ في عمق الصين منذ قرون عديدة، فإنّ اتّهام الصين بمعاداة الإسلام أصبح أداة من أدوات محاولات تعطيل تعاونها – عبر مخطّط طريق الحرير- مع الدول الإسلامية، بدءاً بباكستان حتّى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
فلعبة “الكراسي المتحرّكة” تشمل كلّ القارّة الآسيويّة. ذلك أنّ الصراع الصيني – الهندي، وتحالف الهند مع الولايات المتّحدة، أدّيا إلى تفاهم صيني – باكستاني. وترجمت الصين ذلك ببناء خطّ برّي عبر الهيمالايا يربطها مباشرةً بباكستان.
وأقامت مشاريع إنمائيّة عديدة فيها، منها ميناء بحري (مدني – عسكري) على بحر العرب. وعقدت اتّفاقاً مع سريلانكا لتطوير مرفئها البحريّ على أن يحقّ لها مقابل ذلك استخدام التسهيلات التي تحتاج إليها في “طريق الحرير” البحريّ من وإلى الشرق الأوسط.
هذا لا يعني بالضرورة أنّ الصين تعتمد فقط على القوّة الناعمة، وتستبعد كلّيّاً القوة العسكرية لدعم سياسة الانفتاح الجديدة. فقد أقامت أوّل قاعدة عسكرية لها في جيبوتي في عام 2017، إلى جانب قاعدتيْن أميركية وبريطانية.
وهي تحرص على تعليم موفديها الديبلوماسيّين والسياسيّين ومبعوثيها الاقتصاديّين اللغة العربية، بحيث أصبحت إجادة اللغة شرطاً على أيّ ديبلوماسي صينيّ قبل أن يتسلّم منصبه.
إقرأ أيضاً: نظرة لبنانية إلى الاتفاق الصينيّ – الإيرانيّ
وخلال وجود عشرات الآلاف من الديبلوماسيّين والمهندسين والعمّال الصينيّين في العالم العربي، تعرّفوا على زيت الزيتون، وعلى الصابون المصنوع من هذا الزيت.
يقول السفير الصيني السابق في بيروت إنّ أفضل هديّة كان يحملها معه إلى أصدقائه في الصين، كانت عبارة عن ألواح من الصابون المصنوع من زيت الزيتون. الآن تزرع الصين غابات من الزيتون في مناطق تتمتّع بمواصفات مناخيّة قريبة من مناخ البحر المتوسط. إلا أنّ الزيت والصابون المستوردين من الشرق الأوسط يبقيان أقلّ كلفة.