بين مقرّ ميرنا الشالوحي وموسكو “رسّم” رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل حدود تدخّل أوروبا في الملف اللبناني بين “خطّين”: الأوّل قدرة أوروبا على مساعدة لبنان لاتّخاذ إجراءات ضد أشخاصٍ وكيانات أساءت استعمال المال العام، والمساهمة في حجز الأموال المهرّبة وملاحقة الفاسدين ومُبيّضي الأموال. والثاني الإقرار بأنّ “سياسة الحوافز لإجراء الإصلاحات مفيدة. أمّا سياسة العقوبات (غير المفيدة في أيّ مكان بالعالم) فستكون مضرّة جدّاً وستؤدّي إلى إبعاد لبنان عن أوروبا والغرب والأخذ به نحو الشرق، وتزيد التطرّف الداخلي وعناصر التوتّر المصدّرة لأوروبا. والعقوبات مرغوبة فقط إذا قامت على أسسٍ قانونية وإصلاحية تستهدف معرقلي الإصلاح، وليس على أسس سياسية غير مبرّرة”، بحسب ما قال باسيل.
يُدافع فريق باسيل بقوّة عن “الأجندة التي يفترض على أساسها أن تتحرّك أوروبا في سياق أزمة الحكومة ومشروع ملاحقة الفاسدين”، مع التأكيد أنّ رئيس التيار “سلك الطرق القانونية وكلّف فريقاً من المحامين لمتابعة ملف العقوبات الأميركية عليه، لكنّ خطابه العام اليوم يهدف ليس إلى حماية نفسه من عقوبات إضافية، بل تصويب مسار أيّ عقوبات محتملة لتطول من أسهَمَ في انهيار لبنان ويواظب على وضع العراقيل لولادة يكون عنوانها الأوّل الإصلاح”.
لكنّ المسار الأوروبي حيال العقوبات يبدو ثابتاً وعلى خطّين أيضاً: استخدام لغة التهديد التي عكسها أخيراً وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان بالتأكيد “أنّنا لن نبقى مكتوفي الأيدي أمام من يواصل عرقلة تشكيل الحكومة”، وإعلان بدء تنفيذ إجراءات تقييديّة لجهة دخول الأراضي الفرنسية ضد شخصيات لبنانية متورّطة بالانسداد السياسي الحالي أو متورّطة في الفساد، بالتنسيق مع الدول الأوروبية”.
يُدافع فريق باسيل بقوّة عن “الأجندة التي يفترض على أساسها أن تتحرّك أوروبا في سياق أزمة الحكومة ومشروع ملاحقة الفاسدين”، مع التأكيد أنّ رئيس التيار “سلك الطرق القانونية وكلّف فريقاً من المحامين لمتابعة ملف العقوبات الأميركية عليه”
حتّى الآن لا يزال الخطاب الفرنسي عموميّاً موحياً أنّ جميع أفرقاء الأزمة في “دائرة الخطر” وصولاً إلى حاكم مصرف لبنان المُحاصَر بدعاوى وملاحقات بين فرنسا وبريطانيا وسويسرا ولبنان، و”رموز” مالية وسياسية مرتبطة بإيصال لبنان إلى مرحلة الانهيار الشامل.
وهي ليست المرّة الأولى التي تعكس فيها باريس “جدّيّتها” في سلوك مسار العقوبات، بل سبق أن أكّد وزير الخارجية الفرنسي في أوائل نيسان الجاري، بالتزامن مع جولة وزير الخارجية المصري سامح شكري على المسؤولين اللبنانيين، أنّ “الأيام المقبلة ستكون مصيرية”، متحدّثاً عن “سياسيين معروفين يتحمّلون مسؤولية بشكل مباشر عن عدم الوصول إلى حلّ”.
وسيصل لودريان إلى بيروت، الأربعاء المقبل، على أن يبدأ لقاءاته يوم الخميس. فيما يضمّ جدول اللقاءات المعلن حتى الآن، لقاء رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس النواب.
وتفيد معلومات لـ”أساس”، بعكس ما سُرّب في الأيام الماضية، أنّ باريس لن تنشر اللائحة، التي لا تزال قيد الإعداد، وتضمّ أسماء شخصيات لبنانية ستطبّق عليها قيوداً إجرائية تشمل منع دخول الأراضي الفرنسية أو سحب تأشيرات الدخول أو تجميد أرصدة مالية عائدة لها، بل ستُبلّغ كل شخصية على حدة مع “الأسباب الموجبة”.
وتشير المعلومات إلى أنّ “مروحة الأسماء جاهزة تقريباً مع وجود عائقٍ قانوني يتعلّق بمن يملكون الجنسيّتين اللبنانية والفرنسية معاًBinationaux ، وهو ما يطرح إشكالية قانونية كبيرة، إذ لا يمكن منع مواطن فرنسي، حتّى لو كان سياسياً في بلده الثاني أو رجل مال وأعمال، من دخول الأراضي الفرنسية”.
سيصل لودريان إلى بيروت، الأربعاء المقبل، على أن يبدأ لقاءاته يوم الخميس. فيما يضمّ جدول اللقاءات المعلن حتى الآن، لقاء رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس النواب
لكنّ مصادر مطّلعة على الموقف الفرنسي تقول لـ”أساس”: “لا بدّ من الفصل بين العقوبات الأوروبية وبين “التدابير الفرنسية” حيال لبنان. فأوروبيّاً، تحتاج العقوبات إلى إجماع 27 دولة في الاتحاد الأوروبي بعد تحديد “نظام عقوبات” خاص بلبنان، إذ إنّ موقف دولة كهنغاريا معارضاً للعقوبات هو بمنزلة فيتو لهذا القرار، وبالتالي يمنع صدوره. ومن الأدقّ القول إنّه لا عقوبات أوروبية ستصدر عن الاتحاد الأوروبي بحقّ سياسيّين وشخصيات لبنانية في المدى المنظور نظراً إلى دقّة الملف وتعقيداته”.
وتضيف المصادر: “حتّى العقوبات الأوروبية لا يمكن أن تُدرج تحت بند “عرقلة مساعي تشكيل الحكومة”، بل استناداً إلى اتّهامات بالفساد وتبييض الأموال وتمويل الإرهاب والتهرّب الضريبي…”.
وتكشف المعلومات أنّ باريس حاولت في الآونة الأخيرة إعداد لائحة بالعقوبات من خارج كنف الاتحاد الأوروبي مجتمعاً، وتحديداً مع إيطاليا وألمانيا، لكنّها لم تنجح بذلك، ولذلك تسعى فرنسا إلى إقرار تدابير خاصة بها حيال لبنان.
وتؤكّد المصادر أنّ هناك “اتجاهاً جدّياً، تكرّس عبر كلام وزير الخارجية الفرنسي قبل أيام، بوضع قيود على مسؤولين لبنانيين عبر منعهم من دخول أراضي الدولة الفرنسية على خلفية أدائهم في ملف الحكومة وفسادهم”، معتبرة أنّ “هذا النوع من الإجراءات هو معنويّ أكثر ممّا يرتّب نتائج عمليّة وموجعة”.
تكشف المعلومات أنّ باريس حاولت في الآونة الأخيرة إعداد لائحة بالعقوبات من خارج كنف الاتحاد الأوروبي مجتمعاً، وتحديداً مع إيطاليا وألمانيا، لكنّها لم تنجح بذلك، ولذلك تسعى فرنسا إلى إقرار تدابير خاصة بها حيال لبنان
وتوضح المصادر: “في القانون الفرنسي لا شيء اسمه “عرقلة تأليف حكومة” يستدعي اتّخاذ إجراءات بحقّ المعرقلين في دولة أخرى، وإلّا اعتبر ذلك “نظرياً” بمنزلة تدخّل صريح في شؤون دولة أخرى هي ذات سيادة. بينما يسمح القانون الفرنسي بتجميد حسابات مالية واتّخاذ إجراءات مصرفية وعقارية في حال وجود شبهة بتبييض أموال أو إرهاب أو تهرّب ضريبي. وبالتالي آلية الإجراءات التقييدية مع الأسماء لا تزال في إطار التنقيح.”
وتؤكّد المصادر المطّلعة على الموقف الفرنسي أنّ “الإجراءات الفرنسية تجاه لبنان، خصوصاً لجهة منع دخول الأراضي الفرنسية، لن تقتصر على جهة سياسية واحدة، وستطول سياسيّين حكماً من دون استبعاد أن تشمل حاكم مصرف لبنان”.
إقرأ أيضاً: أوروبا تلاحق أموال معرقلي الحكومة: من أين لكم هذا؟
لكنّ مطّلعين يشيرون إلى “معطى فرنسي داخلي يتحكّم أيضاً بموقف باريس من الأزمة اللبنانية، وهو الاستحقاق الرئاسي الفرنسي المقبل في ظلّ نكسة أصابت باريس من جرّاء دخول الرئيس إيمانويل ماكرون مباشرة على خط الأزمة، ووضع كلّ رصيده السياسي والشخصي في المبادرة الفرنسية التي وصلت عمليّاً إلى حائط مسدود”.
ويقول هؤلاء إنّ “ماكرون لديه مشاكل داخلية كثيرة، وعادةً ما حاول الرؤساء الفرنسيون عبر التاريخ تعويم أنفسهم داخلياً من خلال السياسة الخارجية. أمّا المبادرة الفرنسية فكان لها ارتداداتها السلبية في الداخل الفرنسي، وستؤثّر حكماً على الانتخابات الرئاسية العام المقبل، ولا سيما أنّ لوماً كبيراً وُجِّه إلى ماكرون على خلفية إدارته لهذه الأزمة”، مؤكّدين أنّ “ماكرون لم يحظَ بغطاء أميركي كامل في ظل مرحلة انتقالية شهدتها الإدارة الأميركية، واستفزّ إسرائيل على خلفية تقرّبه من حزب الله، وخفض سقف مبادرته حين ترك للقوى السياسية أن تبحث مجدّداً في حصصها الوزارية وفق العقلية الانتفاعية نفسها… وعلى عينك يا باريس”.