أقرّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في حديث لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية أنّ شركة يملكها شقيقه جنت أرباحاً تقدّر بأكثر من 300 مليون دولار على مدى 15 عاماً كانت تُحوَّل إلى الخارج عبر حساب في المصرف. أمّا حساب رئيس الجمهورية ميشال عون في فرنسا، فيحتوي 282 مليون دولار. إذاً في حسابات حاكم المصرف المركزي وحاكم لبنان مئات الملايين من الدولارات التي رُفعت الستارة عنها أخيراً. فهل هذا هو الرأس الظاهر من جبل الأموال المكدّسة في الخارج لكبار المسؤولين في بلد صار مفلساً؟
شركة شقيق الحاكم
البداية من تقرير نشرته “فايننشال تايمز” البريطانية في عددها الصادر الاثنين في 26 الجاري تحت عنوان “رياض سلامة وشقيقه ينفيان الادّعاءات باختلاس 300 مليون دولار عبر عمليات الأوفشور”. وقد جاء في التقرير، الذي أعدّه كول كورنيش من بيروت وسام جونز من زوريخ: “يحقّق المدّعي العام السويسري في الادّعاءات التي تفيد أنّ حاكم المصرف المركزي وشقيقه قاما باختلاس أكثر من 300 مليون دولار أميركي عبر تحويلات من المصرف إلى حسابات شركة خارجية (أوفشور) غامضة”.
أقرّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في حديث لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية أنّ شركة يملكها شقيقه جنت أرباحاً تقدّر بأكثر من 300 مليون دولار على مدى 15 عاماً كانت تُحوَّل إلى الخارج عبر حساب في المصرف
فقد ورد في رسالة من مكتب المدّعي العام السويسري إلى السلطات اللبنانية طلب فيها التعاون القضائي المتبادل: “منذ نيسان 2002 على الأقل، قام حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، بمساعدة من شقيقه رجا سلامة، بتنظيم عمليات اختلاس تجاوزت 300 مليون دولار أضرّت بالمصرف”.
وقد وصلت الرسالة في تشرين الثاني الماضي، وجرى تسريبها عبر نشرها على أحد المواقع الإلكترونية في لبنان. وأكّد مسؤول لبناني صحّة الرسالة. فيما أكّد مكتب المدّعي العام السويسري لـ”فايننشال تايمز” وجود “تحقيق جرميّ في شبهات تبييض أموال متّصلة باحتمال اختلاس يضرّ بمصرف لبنان المركزي”، وأنّه طلب مساعدة من السلطات اللبنانية المسؤولة، لكنّه امتنع عن تقديم مزيد من التعليق.
ويحقّق المدّعي العام السويسري في تحويلات تقدّر بأكثر من 330 مليون دولار بين عاميْ 2002 و2015 من حساب في المصرف المركزي إلى حساب في مصرف HSBC السويسري باسم شركة Forry، حسب ما ورد في الرسالة.
واشتبه المحقّقون السويسريون في أنّ شركة الأوفشور هذه تابعة لرجا شقيق رياض سلامة. وقد حُوِّلت مئات الملايين من الشركة إلى حسابات في المصرف السويسري تعود لعائلة سلامة وفق ادّعاء هؤلاء المحقّقين.
وقد رفض رياض سلامة أن يوضح مَنْ يدير شركة Forry. وقال إنّ الحساب في مصرف لبنان، الذي دفع للشركة، هو “تصفية حساب”، وأنّ هذا المال أتى من “المشاركين في العملية”.
وأضاف أنّ “المبلغ الذي تتكلّم عنه يعود إلى أكثر من 14 عاماً، وليس دفعة واحدة أو صفقة واحدة، ما يعني أن المعدّل لا يتجاوز 20 مليون دولار أميركي في السنة”.
ونفى سلامة تضارب المصالح، وقال إنّ Forry “لم يكن لديها امتياز حصري، وبالتالي ليست هناك معاملة خاصة”.
وقال سلامة إنّه “عندما يقال إنّ هذه الأعمال حقّقت ملايين الدولارات، فهل هذا عمل غير مشروع؟ ما هو غير مشروع هو أن ندفع (المصرف المركزي) العمولات”.
يحقّق المدّعي العام السويسري في تحويلات تقدّر بأكثر من 330 مليون دولار بين عاميْ 2002 و2015 من حساب في المصرف المركزي إلى حساب في مصرف HSBC السويسري باسم شركة Forry، حسب ما ورد في الرسالة
وبعدما جرى تسجيلها في جزر العذراء البريطانية عام 2001، جرت تصفية Forry عام 2016، كما تظهر سجلات الجزيرة. وأظهرت هذه السجلات المسرّبة أنّ Forry كانت مملوكة من Nomihold، وهي شركة أخرى مسجّلة في الجزيرة وتعود ملكيّتها إلى مالكين غير معروفين. ولم يكن بإمكان “فايننشال تايمز” الاتصال بهذه الشركة.
ورفض رجا سلامة، عضو مجلس إدارة شركة سوليدير، التعليق على هذه الادّعاءات. وقال للصحيفة: “نزاهتي لم تكن يوماً موضع تساؤل. أنا أحصل على المال بطريقة مشروعة”.
وقال أربعة أعضاء في المجلس المركزي لمصرف لبنان عاصروا تلك الفترة، إنّهم لا يتذكّرون أنّهم صادقوا على تحويلات لشركة Forry.
ورفض سلامة أن يُظهر السجلات التي تؤكّد قرارات المجلس المركزي، لافتاً إلى وجود السريّة المصرفية.
أما مصادر مصرف لبنان فتنفي هذا الكلام، وتعتبر أنه “يلقي الضوء على جزء واحد من الصورة”، لأنّ الشركة المذكورة هي من بين مجموعة شركات (4 أو 5 شركات) تقوم بالدور نفسه، وهو دور الوساطة في بيع وشراء سندات اليوروبوندز والخدمات المالية الأخرى، وذلك بين الشركات المالية والمصارف المراسلة الأجنبية وبين المصارف اللبنانية وليس مصرف لبنان، وأنّ علاقة هذه الشركة بمصرف لبنان، كما بقية الشركات الوسيطة الأخرى، “عرضية”، وسببها قرار اتّخذه المجلس المركزي في مصرف لبنان قبل 19 سنة.
إقرأ أيضاً: تبرئة سلامة تبدأ من القضاء اللبناني (2/2)
أوساط المركزي تؤكّد أنّ القرار الذي اتّخذه المجلس المركزي في المصرف المركزي عام 2002، قضى في حينه بأنّ تمرّ العمليات التي تحصل بين المصارف اللبنانية وبين تلك الأجنبية من خلال SWIFT مصرف لبنان، “لأغراض الرقابة فقط”. وقد شاءت الصدف أنّ هذا القرار كان سبباً لاتّهام حاكم المصرف المركزي، وفي الوقت نفسه لدفع التُهم عنه اليوم أمام القضاء السويسري، بعدما قُدِّمت المستندات التي تثبت دقّة هذا الكلام.
وتكشف أوساط مصرف لبنان أنّ أخبار المدّعي العام السويسري انقطعت منذ أن حصل على هذه المستندات، مستخلصةً أن يكون الملفّ في شقّه الاتّهامي المتعلّق بتبييض الأموال والاختلاس، قد انتهى بعدما حصل الادّعاء السويسريّ على الأجوبة الشافية.
لكنّ مصادر مصرفية مطّلعة على تفاصيل هذا الملفّ تؤكّد لـ”أساس” أنّ الشبهات التي ستبقى تلاحق سلامة وأخاه رجا سلامة، تتعلّق بـ”تضارب المصالح”. فإذا كان القانون اللبناني لا يلحظ أو يجرّم أفعالاً كهذه، إلا أنّ الفعل يوضع في خانة استغلال السلطة لمآرب شخصية تخصّ أفراد العائلة، لكن لا يوجد نصّ قانوني واضح يجرّم هذا الفعل.