“شكراً سوريا” 2005: صارت مفهومة ولها ترجمة

مدة القراءة 5 د

في ذكرى مرور 16 عاماً على خروج الجيش السوري من لبنان، ثمّة حدث يبدو من المفيد استعادته. هذا الحدث هو تظاهرة الثامن من آذار 2005 بعد ثلاثة أسابيع على اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه. وقف في تلك التظاهرة الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله ليلقي خطاباً بقيت منه في الذهن عبارة واحدة هي: “شكراً سوريا”.

لم يكن معروفاً في تلك المرحلة لماذا وجّه الشكر إلى النظام السوري، باستثناء الاعتقاد أنّ الحزب متمسّك ببقاء الجيش السوري في لبنان. لكنّ الثابت أنّ حسن نصر الله نجح في حينه في استفزاز الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، المستفَزِّين أصلاً، والدفع في اتجاه تظاهرة الرابع عشر من آذار التي أدّت عمليّاً إلى الخروج السوري العسكري والأمني من الأراضي اللبنانية.

خرج الجيش السوري من لبنان على دمّ رفيق الحريري. لم يأخذ بشّار الأسد علماً في أيّ وقت ماذا تعني تغطية جريمة من هذا النوع وأبعاد ذلك، ليس على لبنان فحسب، بل على سوريا أيضاً. لم يستوعب في أيّ وقت معنى السير في خطّ واضح كلّ الوضوح يصبّ في خدمة المشروع الإيراني الذي التقط أنفاسه في عام 2003، وانطلق انطلاقة جديدة في ضوء سقوط العراق في اجتياح كانت “الجمهورية الإسلاميّة” شريكاً لإدارة جورج بوش الابن فيه، بل الشريك الوحيد من بين دول المنطقة كلّها.

لم يكن معروفاً في تلك المرحلة لماذا وجّه الشكر إلى النظام السوري، باستثناء الاعتقاد أنّ الحزب متمسّك ببقاء الجيش السوري في لبنان

مع مرور كلّ هذه السنوات، وفي ضوء ما حلّ بلبنان، وبسوريا، يمكن استنتاج أنّ الشكر كان في محلّه. صارت “شكراً سوريا” مفهومة ولها ترجمتها على أرض لبنان وأرض سوريا. كان “شكراً” على قبول تغطية النظام السوري عملية تفجير موكب رفيق الحريري. لم يعد سرّاً، في ضوء الحكم الصادر عن المحكمة الدوليّة الخاصّة بلبنان، مَنْ الطرف الذي نفّذ الجريمة، وما هي ملابساتها والظروف المحيطة بها. كان النظام السوري موجوداً في لبنان مباشرة وعبر أدواته من الضباط اللبنانيّين الذين لا داعي لتسميتهم. كان هؤلاء يشغلون، وقتذاك، مواقع حسّاسة. كان الغطاء اللاحق، الذي وفّره، ضرورياً من أجل الانتهاء من رفيق الحريري.

مَن لديه شكوك في ما عنته عبارة “شكراً سوريا”، يستطيع استعادة مسلسل الأحداث في السنوات الـ16 الأخيرة. بين الخروج السوري في 26 نيسان 2005، وصولاً إلى الانهيار اللبناني في ظلّ “العهد القويّ”، تحوّل البلد إلى مجرّد “ساحة” إيرانية ومصنع كبير لتصدير المخدّرات في كلّ الاتجاهات مع تركيز خاصّ على المملكة العربيّة السعوديّة.

في الطريق إلى الانهياريْن اللبناني والسوري، تساعد مذكّرات الراحل عبد الحليم خدّام، من خلال الحلقتين الأولى والثانية اللتين نشرتهما الزميلة “الشرق الأوسط”، في فهم الدور الذي لعبه النظام السوري في مرحلتيْ الاجتياح الأميركي للعراق والتمديد لإميل لحّود، وصولاً إلى اغتيال رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما.

ينشر خدّام، الذي شغل مواقع مهمّة في عهد حافظ الأسد وبقي نائباً لرئيس الجمهورية في السنوات الأولى من عهد بشّار، ما يشبه محاضر عن جلسات عمل مع الإيرانيّين أو عن لقاءات بينه وبين الأسد الابن.

ما يمكن استخلاصه من هذه المحاضر واللقاءات أنّ بشّار الأسد عجز في كلّ وقت عن فهم النيّات الحقيقيّة لإيران واستيعابها. كان الإيرانيون يجرون محادثات معه ويقولون كلاماً معسولاً يفهم منه أنّهم يدعمون موقفه من الحرب الأميركية على العراق، خصوصاً في ظلّ تقارب حصل بين النظاميْن البعثيّيْن، وإن بالاسم، في كل من العراق وسوريا. كان بشّار يعارض تلك الحرب في حين كانت إيران مؤيّدة لها. يتبيّن، من خلال مذكّرات خدّام، أنّ بشّار كان يحسب نفسه أنّه يتعامل مع إيران، في ما يخصّ الموضوع العراقي، من الندّ للندّ. في حين أنّ النتائج على الأرض تثبت أنّه لم يكن سوى أداة إيرانية في أحسن الأحوال.

ينشر خدّام، الذي شغل مواقع مهمّة في عهد حافظ الأسد وبقي نائباً لرئيس الجمهورية في السنوات الأولى من عهد بشّار، ما يشبه محاضر عن جلسات عمل مع الإيرانيّين أو عن لقاءات بينه وبين الأسد الابن

ما حدث في لبنان بعد ذلك هو تتمّة منطقيّة للممارسات الإيرانية في العراق التي استهدفت وضع اليد على البلد. جعل الإيرانيّون، بمن فيهم الرئيس خاتمي و”المرشد” خامنئي، بشّار الأسد يعتقد أنّه لاعب أساسي في المنطقة وصاحب قرار. لعلّ أطرف ما في الأمر أنّ بشّار الأسد، الذي كان حاقداً على رفيق الحريري، استخدم عبد الحليم خدّام بالطريقة التي استخدمته بها إيران.

كيف استُخدم خدّام (أبو جمال)؟

استخدمه بشّار الأسد في لعبة استهدفت طمأنة رفيق الحريري. ساعة كان يقول للحريري، نقلاً عن بشّار، إنّ التمديد لإميل لحّود سيحصل، وساعة أخرى يقول له إنّه غيّر موقفه وإنّ المطلوب الآن طمأنة المسيحيّين في لبنان، بمن فيهم تجمّع “قرنة شهوان”، والتخفيف من حدّة التعامل مع وليد جنبلاط…

إقرأ أيضاً: رئاسة الجمهوريّة… مأساة لبنانيّة قديمة

في النهاية، كان الرأي الحقيقيّ لبشّار الأسد في رفيق الحريري، ذلك الذي عبّر عنه فاروق الشرع، وزير الخارجية وقتذاك، الذي وصف رئيس الوزراء اللبناني بـ”الخائن”، في اجتماعٍ لِما كان يُسمّى “الجبهة الوطنيّة التقدّمية”، وهو تجمّع لأحزاب تابعة للنظام السوري لا أكثر.

لم تكن عبارة “شكراً سوريا” سوى حلقة في سياق سياسة إيرانية ذات حلقات متكاملة، بدءاً باستخدام الأميركيّين لإسقاط العراق في الحضن الإيراني، وانتهاءً بالتخلّص من رفيق الحريري، بعدما تحوّل إلى شخصيّة عربيّة وعالميّة قادرة على أن تكون ذات تأثير ودور في لبنان وخارجه.

كان لا بدّ من شكر النظام السوري على الدور الذي أدّاه، والذي كانت نتيجته خروجه من لبنان. كان ذلك الخروج منعطفاً مهمّاً في اتجاه بدء عهد الوصاية الإيرانية، التي كرّسها “العهد القويّ”، أي عهد “حزب الله” الذي يرفض تشكيل حكومة.

ألا تستحقّ كلّ هذه الخدمات كلّ هذا الشكر؟ 

مواضيع ذات صلة

ياسر عرفات… عبقرية الحضور في الحياة والموت

كأنه لا يزال حيّاً، هو هكذا في حواراتنا التي لا تنقطع حول كل ما يجري في حياتنا، ولا حوار من ملايين الحوارات التي تجري على…

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…

لبنان بين ولاية الفقيه وولاية النّبيه

فضّل “الحزب” وحدة ساحات “ولاية الفقيه”، على وحدانية الشراكة اللبنانية الوطنية. ذهب إلى غزة عبر إسناد متهوّر، فأعلن الكيان الإسرائيلي ضدّه حرباً كاملة الأوصاف. إنّه…