قاسم سليماني قائد الظلّ: لاعب الكاراتيه ينضمّ إلى الثورة (2)

مدة القراءة 6 د

أراش عزيزي Arash Azizi


مقدمة: صدر للباحث الإيراني أراش عزيزي في تشرين الثاني الماضي كتاب يتناول سيرة قائد قوّة القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني الذي اغتالته طائرة مسيّرة أميركية قرب مطار بغداد في 2 كانون الثاني عام 2020. عنوان الكتاب: “قائد الظلّ: سليماني، الولايات المتحدة والطموحات العالميّة لإيران (
The Shadow Commander: Soleimani, The US and Iran’s Global Ambitions). أمّا الكاتب فهو صحافي إيراني كتب في النيويورك تايمز والواشنطن بوست وفي غيرهما، وفي مواقع إلكترونية عدة. وهو يعدّ دكتوراه في جامعة نيويورك عن الجماعات الاشتراكية والإسلامية في إيران وعلاقاتها مع العالم العربي خلال الحرب الباردة. وفي ما يلي مقتطفات من الكتاب.

 

في كرمان، كما في أجزاء أخرى من إيران، كان عدد متزايد من المعلّمين الشباب ومن موظفي الخدمة المدنية، ينتقدون سياسات الشاه والدعم الأميركي له، ونظامه المتصنّع. وفي عام 1975، كان الشاه قد أذهل البلاد بتحوّله من نقد النظام السياسي ذي الحزب الواحد إلى اعتماد هذا النظام. لقد حظر جميع الأحزاب السياسية باستثناء حزبه الذي أسّسه حديثاً، حزب الانبعاث (Resurgence Party)، الذي كان مقرّراً أن يكون الحزب القانوني الوحيد في البلاد. وأيّ شخص لا يعجبه الأمر يمكنه الرحيل، كما قال الشاه. وافتتح الحزب مكاتب له في جميع أنحاء إيران، ومنها كرمان.

وفي العام، الذي انتقل فيه قاسم إلى كرمان، أي حوالى 1975، أسّس الضابط المتقاعد هاشم وزيري، وكان سخّر حياته للعبة الكاراتيه، نادياً في كرمان، وانتشرت اللعبة في المحافظة، وقد درّب النادي العدد الأكبر من اللاعبين على مستوى البلاد. وراح قاسم يتردّد على النادي بانتظام، لكنّه لم يحصل على الحزام الأسود كما تزعم بعض الروايات على الرغم من كونه متدرّباً متحمّساً للعبة التي أعطته معنى للحياة. وكان يمكن أن ينتهي به الأمر، مثل وزيري، ينشر اللعبة في كلّ مكان. لكنّ أمراً آخر استهواه في كرمان، وكان تأثيره فيه أكبر. فهل كان يعرف الشاب قاسم ذو التسعة عشر عاماً أنّ ثورةً ستندلع بعد أربع سنوات وتخلع الشاه؟ من المرجّح أنّه لم يكن يحلم بذلك.

في كرمان، كما في أجزاء أخرى من إيران، كان عدد متزايد من المعلّمين الشباب ومن موظفي الخدمة المدنية، ينتقدون سياسات الشاه والدعم الأميركي له، ونظامه المتصنّع

كان من خارج المدينة رجل آخر جاء لتشكيل حياة سليماني بطرق لم يتوقّعها. هو سيد رضا كامياب، حجة الإسلام (مستوى أقلّ من آية الله). ينتمي إلى عائلة دينية، وولد في قرية في شمال شرق خراسان. وبعد مرحلة من الحراك الديني والاجتماعي، غادر المدرسة الدينية المحلية في جون آباد، أقرب بلدة إلى قريته، إلى مركز مدينة مشهد، أقدس مدينة في إيران. مشهد كانت مسقط رأس بعض قادة الحركة الثورية، ولم يكن أقلّهم قدراً علي شريعتي، المتخرّج من جامعة السوربون، والمنظّر الكاريزمي من التيار الإسلامي اليساري. أمّا الشخصية الأصغر سناً والأقلّ شهرة في دوائر المعارضة، فهي مشهدي آخر، هو علي خامنئي، رجل الدين الشاب الذي يتميّز بطموحه وحبّه للأدب. التقى كامياب بخامنئي عندما كان كلاهما منخرطاً في تنظيم الإغاثة في أعقاب زلزال عام 1978 في طبس، في محافظة خراسان. بعدما جُنّد كامياب في الكتيبة الثورية، أُرسل إلى مقاطعة صعبة من كرمان، حيث كان رجال الدين فيها موالين جدّاً للشاه، والثوّار الأصليون مثل هاشمي رفسنجاني وموحدي كرماني معروفون جداً للاستخبارات، ولا يمكنهم العمل بحريّة.

في شهر رمضان من عام 1977، ألقى كامياب واحدة من الخطب المفصليّة في حياته، تناولت الصعوبات الاقتصادية المتزايدة للبلد، والشاه المتذبذب في سياساته، كما كان يبدو حينذاك. الخطبة كانت دفعة جديدة للثورة، إذ هاجم رجل الدين الخراساني الشاه وثورته البيضاء. أمّا قاسم الموظّف المدني الشاب في مؤسسة المياه، الرياضي الجديد بلعبة الكاراتيه، المرتبك في مجتمع إيراني حضري ناشئ، إذ لم يكن مكاناً سهلاً لأمثاله، فقد أخذ كلام كامياب بلُباب قلبه. وسيقول قاسم سليماني في وقت لاحق: “بدأت نضالاتي الثورية عندما سمعت خطاباً للشهيد كامياب”.

هل كان يعرف الشاب قاسم ذو التسعة عشر عاماً أنّ ثورةً ستندلع بعد أربع سنوات وتخلع الشاه؟ من المرجّح أنّه لم يكن يحلم بذلك

أمّا مساء 11 شباط 1979، مع انتصار الثورة، فلم يكن مميّزاً في كرمان بنظر فريد، وهو طالب في المدرسة الثانوية، تلقّى دروس الكاراتيه تماماً مثل قاسم. فيقول فريد إنّه لم يهتمّ كثيراً بالأحداث الصاخبة التي دفعت إيران إلى طليعة أخبار العالم. كان الإمبراطور، شاه إيران، قد غادر البلاد في كانون الثاني، لكنّ صوره لا تزال معلّقة في المحلّات التجارية في كرمان، إن لم يكن في معظمها.

وقبل عشرة أيام فقط، كانت رحلة الخطوط الجوية الفرنسية من باريس قد جلبت إلى الوطن عدوّ الشاه اللدود، آية الله الخميني، رجل الدين البالغ من العمر 76 عاماً. وكان عليه الآن أن يواجه شابور بختيار، وهو اشتراكي ديموقراطي تلقّى دروسه في فرنسا، عيّنه الشاه رئيساً للوزراء قبل قليل من رحيله. كان بختيار معارضاً للشاه لمدّة طويلة، وعضواً قياديّاً في الجبهة الوطنية، حزب المعارضة المحظور، الذي أسّسه رئيس الوزراء المخلوع محمد مصدّق بانقلاب أميركي عام 1953. لكنّ الحزب سرعان ما طرد بختيار.

إقرأ أيضاً: محطات في سيرة سليماني: النشأة في قرية مهمّشة (1)

بعض القيادات الثورية الرائدة كانوا من كرمان، وليس أقلّهم رجل الدين الشاب والموهوب علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي ينحدر من عائلة تعمل في تجارة الفستق، وكان مشهوراً – بشكل غير معهود للرجال الإيرانيين – إذ يفتقر إلى الشعر في وجهه. كان قائد شرطة كرمان قد اغتيل في ظروف غامضة قبل أسبوعين. ولكن هموم معظم الناس كانت في مكان آخر.

لقد اختفى النظام القديم، وسرى جوّ من التفاؤل في كلّ مكان. لم تكن لدى الناس أحلام كبرى. فحكومة ثورية جديدة ستعطي الناس كلّ ما حُرموا منه. “بدأت بارتياد المسجد لأنّ هذا ما فعله كلّ من في عمري”، كما يتذكّر فريد. “لم نكن نهتمّ بالسياسة، ولكنّ السياسة كانت تهتمّ بنا. الثورة كانت تفعل كلّ شيء من أجلنا. لكن كان علينا أوّلاً الدفاع عنها. كان علينا أن نحرسها”.

 

في الحلقة المقبلة: كيف رفض الحرس الثوريّ انضمام قاسم سليماني إليه؟

مواضيع ذات صلة

هوكستين موفد ترامب… فهل يضغط لإنجاز الاتّفاق؟

كثيرٌ من الضبابية يحيط بمصير المفاوضات التي قادها آموس هوكستين بين لبنان وإسرائيل، أو بالأحرى بين “الحزب” وإسرئيل، عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي. التفاؤل…

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…

“اليوم التّالي” مطعّم بنكهة سعوديّة؟

لم يعد خافياً ارتفاع منسوب اهتمام المملكة العربية السعودية بالملفّ اللبناني. باتت المؤشّرات كثيرة، وتشي بأنّ مرحلة جديدة ستطبع العلاقات الثنائية بين البلدين. الأرجح أنّ…

مخالفات على خطّ اليرزة-السّراي

ضمن سياق الظروف الاستثنائية التي تملي على المسؤولين تجاوز بعض الشكليّات القانونية تأخذ رئاسة الحكومة على وزير الدفاع موريس سليم ارتكابه مخالفة جرى التطنيش حكوميّاً…