إيران مفلسة… وإسرائيل تستكمل “الضغوط القصوى”

مدة القراءة 7 د

خرج إلى العلن الخلاف الأميركي – الإسرائيلي حول إيران وملفّها النووي المثير للجدل. وما عاد خافياً أنّ تل أبيب منزعجة جداً من سير المفاوضات بين الطرفين في فيينا، خصوصاً من نهج إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن حيال طهران، ومسار رفع العقوبات المتسرّع عنها، وهو ما دفعها إلى تنفيذ هجوم مزدوج يوم الأحد طال مفاعل نطنز وسط طهران.

وكان هجوم الأحد أبهى تجلّيات هذا الخلاف، مع تنصّل إدارة بايدن الفوري منه. وقد تقاطع مع وصول وزير الدفاع الأميركي إلى تل أبيب، التي كان هدفها طمأنة إسرائيل إلى أنّ أمنها محفوظ ولا خوف عليها من الاتفاق مع إيران، لكنّها عكست حجم الخلاف بين الطرفين حول المفاوضات.

لم يكن هذا الهجوم هو الوحيد منذ انطلاق المفاوضات في فيينا، الذي حاولت إسرائيل تنفيذه من أجل تعطيل المفاوضات، وتصدّت لها الولايات المتحدة.  فقد سرّبت وسائل إعلام إسرائيلية، يوم السبت الفائت، تفاصيل هجوم كانت القوات الإسرائيلية تستعدّ لتنفيذه في سوريا ضد أهداف إيرانية (ربّما ضد ميليشيا “كتائب سيد الشهداء” الإيرانية التي تهدّد بمهاجمة إسرائيل)، وقد وُجّهت أصابع الاتهام بتسريب المعلومة إلى الولايات المتحدة على نحو علنيّ وصادم. وربما يكون الهجوم على مفاعل نطنز الإيراني ردّاً مزدوجاً على كلّ من طهران وواشنطن على السواء.

كان هجوم الأحد أبهى تجلّيات هذا الخلاف، مع تنصّل إدارة بايدن الفوري منه. وقد تقاطع مع وصول وزير الدفاع الأميركي إلى تل أبيب، التي كان هدفها طمأنة إسرائيل إلى أنّ أمنها محفوظ ولا خوف عليها من الاتفاق مع إيران، لكنّها عكست حجم الخلاف بين الطرفين حول المفاوضات

وقالت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية إنّ أحد المشاركين في التخطيط للهجوم سرّبه إلى جهات أجنبية. وأشارت إلى أنّ التسريب “أغضب شخصيات رفيعة في جهاز الأمن وفي الوحدة الخاصة”، الذين لم يعرفوا أنّ المعلومات قد نُقلت إلى وسائل الإعلام. إثر ذلك بساعات، كشفت صحيفة “جيروزاليم بوست” أنّ مسؤولين إسرائيليين طالبوا بإجراء تحقيق في التسريب، مشيرة إلى أنّ الولايات المتحدة “قد تكون هي من سرّب تلك المعلومات، بعدما أطلع مسؤول إسرائيلي نظيره الأميركي عليها”.

 

تفجير وليس “سيبرانياً

وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أنّ “انقطاع الطاقة في مفاعل نطنز يُعتقد أنّ سببه انفجار كان مخططاً له عمداً، دمّر تدميراً كاملاً نظام الطاقة الداخلي المستقلّ الذي يزوّد أجهزة الطرد المركزي تحت الأرض بالطاقة”، وكشفت أنّ الهجوم عطّل المفاعل عن العمل لِما يصل إلى تسعة أشهر.

القناة 13 الإسرائيلية أعلنت أنّ الهجوم تمّ بمتفجّرات “زُرعت في المنشأة الإيرانية، وليس سيبرانياً”، كما كان يُعتقد. وكشفت صحيفة “جيروزاليم بوست” أنّ خطة مهاجمة نطنز “كانت جاهزة قبل وقت طويل من بدء مفاوضات فيينا”، وأنّه عندما خُطِّط لهذا الهجوم “لم تكن قد بُتَّت عودةُ إيران وأميركا إلى المحادثات الجادّة بشأن الاتفاق النووي”، وهو ما يشي بوضوح بالهدف الإسرائيلي المبيّت خلف هذا الهجوم.

وتدرّجت طهران في توجيه التُّهم منذ اللحظات الأولى للهجوم. فبعد وقوعه بساعات وصفته بـ”الحادث” من دون ذكر تفاصيل. ثمّ تراجعت عن ذلك متّهمةً جهات خارجية بتدبيره من دون أن تسمّيها. ثمّ ذكرت وكالة “نور نيوز” التابعة للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، أنّ إيران تمكّنت من تحديد هوية الشخص الذي “عطّل تدفّق الطاقة الكهربائية” في المنشأة، وستُتّخذ إجراءات من أجل إلقاء القبض عليه، من دون أن تذكر تفاصيل عن الشخص المقصود. وأخيراً، أطلّ وزير الخارجية محمد جواد ظريف بتغريدة عبر “تويتر”، وسمّى الأمور بأسمائها، فدعا النُخَب والشعب الإيراني إلى عدم الوقوع في “الفخّ الماكر الذي يسعى إليه الصهاينة”، معتبراً أنّهم يريدون الانتقام من الإيرانيين “لنجاحهم في رفع العقوبات الجائرة”، متعهّداً بـ”الانتقام من الصهاينة أنفسهم لارتكابهم هذه الأفعال”.

ويلاقي الحزب الجمهوري في الولايات المتّحدة توجّهات إسرائيل في معارضة نهج بايدن، إذ يعمد نواب جمهوريون منذ أشهر إلى إغراق الكونغرس باقتراحات قوانين، تزيد في منسوب العقوبات ضد طهران وأذرعها العسكرية في المنطقة، وتحت مسمّيات وأسباب متنوّعة، لكن من دون طائل حتى الآن، لأنّ الأغلبية البرلمانية في جيب الديموقراطيين.

 

مصادر أميركية لـ”أساس”

وقد كشفت مصادر أميركية لـ”أساس” أنّ “لجنة الدراسات في الحزب الجمهوري تمارس ضغوطاً داخل الكونغرس من أجل الدفاع عمّا تسمّيه حملة الضغط القصوى التي مارستها إدارة ترامب ضد إيران، خصوصاً أنّ إدارة بايدن تتحرّك بسرعة لتخفيف العقوبات عن إيران”.

تدرّجت طهران في توجيه التُّهم منذ اللحظات الأولى للهجوم. فبعد وقوعه بساعات وصفته بـ”الحادث” من دون ذكر تفاصيل. ثمّ تراجعت عن ذلك متّهمةً جهات خارجية بتدبيره من دون أن تسمّيها

ولهذه الغاية، قدّم قادة اللجنة، في نهايات الشهر الفائت وقبل بدء المفاوضات مع طهران، اقتراحي قانونين جديدين من شأنهما زيادة العقوبات الاقتصادية على إيران من أجل ما سمّوه “إعاقة محاولات إدارة بايدن الوصول إلى اتفاق نووي جديد”:

الأوّل: هو قانون “المساءلة وحقوق الإنسان في إيران”، الذي يتحدّث عن عقوبات تتعلّق بحقوق الإنسان تطول المرشد علي خامنئي وغيره من كبار المسؤولين الإيرانيين، وذلك دعماً للديموقراطية وحقوق الإنسان في إيران، ولتحديد “جرائم الحرب الإيرانية على شعبها وشعوب سوريا والعراق ولبنان واليمن”.

الثاني: يرمي إلى إدراج ميليشيا “كتائب سيد الشهداء” على لائحة العقوبات. وهي ميليشيا كانت تحت إمرة وإشراف اللواء قاسم سليماني في العراق وفي سوريا، وسبق أن هاجمت جنوداً أميركيين هناك، وتعرّضت لغارات أميركية بأمر من بايدن قبل انطلاق المفاوضات، وهدّدت بتدمير إسرائيل.

وذكّرت اللجنة، أيضاً، بـ”الموقف التاريخي” الذي تعهّدت فيه بـ”العمل على مكافحة أيّ تخفيف للعقوبات” المفروضة على إيران من قبل إدارة الرئيس بايدن، والعمل على “إعادة فرض جميع العقوبات التي ستُرفع”، طالما لم تُلبِّ طهران المطالب الـ12 كلّها التي كانت إدارة ترامب قد طالبت بها طهران.

 

نجاح “الضغوط القصوى”؟

وتعتبر أوساط الجمهوريين أنّ فرصة تمرير الاقتراحين في الكونغرس، الذي يسيطر عليه الديموقراطيون، ضئيلة، لكنّ الهدف خلفهما “بعث رسالة قوية إلى طهران والدول الأوروبية، مفادها معارضة جزء كبير من المشرّعين الأميركيين دبلوماسية إدارة بايدن، واستعدادهم لإعادة فرض أيّ عقوبات قد تُرفع”، متوقّعين أن يكتسب هذا الجهد قوة دفعِ إضافية بين صفوف الديموقراطيين المتشدّدين، الذين كتب 70 منهم، على الأقل، أخيراً، إلى الرئيس جو بايدن يحثّونه على عدم القبول بأن يكون رفع العقوبات المفروضة على إيران شرطاً مسبقاً لإجراء محادثات معها حول برنامجها النووي.

إقرأ أيضاً: إيران تريد اتفاقاً نووياً جديداً… كذلك بايدن؟

وعلى الرغم من أنّ إدارة بايدن تعتبر أنّ سياسة سلفه ترامب التي تعتمد الضغوط القصوى ضد طهران، قد فشلت في إحراز المطلوب، إلاّ أنّ صندوق النقد الدولي في تقرير حول الوضع الاقتصادي في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى نُشر يوم الأحد، كشف أنّ احتياطيات إيران من العملات الأجنبية المتاحة انخفضت من 122.5 مليار دولار في العام 2018، إلى 4 مليارات دولار فقط في نهاية العام 2020.

ولعلّ هذا المعطى يُفسّر مخاوف طهران من فشل المفاوضات مع واشنطن وإصرارها، في المقابل، على رفع العقوبات قبل الحديث عن أي أمر آخر. لكن يبدو أنّ إدارة بايدن لا تأخذ هذا المعطى على محمل الجدّ، وتصر بأيّ ثمن على إرضاء طهران، التي ستستفيد مع أذرعها في المنطقة من فكّ الحجز عن هذه الأموال… ثم تعود إلى سلوكها السابق كالمعتاد.

والاعتداء الإسرائيلي على مفاعل نطنز النووي يدخل ضمن سياق “الضغوط القصوى”، التي يبدو أنّها لم تفشل كما تسوّق إدارة بايدن في الإعلام الحليف لها.

 

مواضيع ذات صلة

هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد…

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب عن موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…