انتخابات في كل فلسطين

مدة القراءة 5 د

هذه هي المرة الأولى التي تجري فيها الانتخابات متزامنةً على ضفّتَيْ ما كان يُعرف باسم الخط الأخضر. انتخابات في إسرائيل وانتخابات في المناطق الفلسطينية المحتلة منذ سنة 1967.

تحمل الانتخابات الإسرائيلية، التي صارت دورية،  دلالات العجز عن بلورة نصاب سياسي متماسك لليمين العنصري الذي يهيمن على مناخات الرأي العام الإسرائيلي. وهي تنتج معسكرات سياسية هشة وعرضة للانحلال، مثلما حدث مع تجربة “أزرق أبيض” البائسة.

هذا العجز يدور في حلقة مفرغة: مع نتنياهو أو ضده، وهي حلقة من دون أيّ مضامين. حتى على المستوى التكتيكي، لا ينعكس الخلاف، الذي يتمحور حول الشخص – الظاهرة، على البرامج، لأن الانتهازية والبحث عن المواقع يسودان المستويات كافة.

قد يكون لهذه الانتخابات هدف من طبيعة مختلفة هو شطب فلسطينيّي 1948 من المعادلة السياسية الإسرائيلية بعدما نجحت القائمة المشتركة في الانتخابات الماضية في إيجاد حالة نهوض سياسي لا سابق لها.

الانتخابات الإسرائيلية التي صارت دورية، تحمل دلالات العجز عن بلورة نصاب سياسي متماسك لليمين العنصري الذي يهيمن على مناخات الرأي العام الإسرائيلي

هذا هو المكسب المباشر الذي يسعى إليه نتنياهو، وهذا ما يرجو تحقيقه بفضل القائمة الانتخابية التي انشقّت عن المشتركة، ويقودها منصور عباس.

واللافت الذي لم يعد التغاضي عنه ممكناً، هو أنّ ظاهرة هذا الانشقاق وخطابه الانبطاحي والطائفي يتصاديان، إن لم يكونا جزءاً من خطاب زمن الانحطاط العربي الذي وصل إلى ذروته في “اتفاقات أبراهام”.

ستشهد إسرائيل انتخابات ثالثة خلال عامَيْن، وهي انتخابات لا مكان فيها لمشكلة الاحتلال وتغوّل المستعمرات والضم الزاحف. فقد نجح اليمين بمختلف أطيافه في تحويل الاحتلال إلى جزء بديهي من الحياة اليومية، بحيث لم يعد تحدّيه ممكناً في الأوساط اليهودية الإسرائيلية.

بينما تعاني إسرائيل تخمة انتخابية، يجد الفلسطينيون في الضفة وغزة والقدس أنفسهم أمام أحجية انتخابات للمجلس التشريعي تجري بعد خمس عشرة سنة من غياب الشرعية الشعبية للسلطة.

هل الانتخابات الفلسطينية، مثلما يُخطّط لها أن تكون، هي محاولة لشرعنة الأمر الواقع؟

وما هو الأمر الذي وقع ويجب شرعنته من جديد؟

سؤال الشرعية الانتخابية ليس الموضوع الوحيد، فعلى الرغم من ضرورة الانتخابات ورغبة الأكثرية الساحقة من الفلسطينيين في إنجازها، فإن الشرعية لها مدخل آخر وأكثر أهمية اسمه الشرعية الوطنية، أي الشرعية المستمدة من رفض الاحتلال، ورفض الرضوخ للأمر الواقع الذي يفرضه من خلال التنسيق الأمني والتضييق على رواتب أُسر الشهداء والأسرى والتفرّج على فصول النكبة اليومية التي تدور في الضفة الغربية.

هذا هو السؤال.

والسؤال متعدّد الأوجه، وربما كان وجهه الأساسي هو تجديد دم الهيئات الفلسطينية المنتخبة بعناصر جديدة تعي أنّ السلطة تقف على المفترق الأخير: فإمّا التحوّل نهائياً إلى أداة بيد الاحتلال من أجل تنفيذ أجندة الضم الزاحف، وإمّا الانتقال إلى استئناف النضال باعتبار الحركة الوطنية الفلسطينية هي حركة تحرّر وطني.

بينما تعاني إسرائيل تخمة انتخابية، يجد الفلسطينيون في الضفة وغزة والقدس أنفسهم أمام أحجية انتخابات للمجلس التشريعي تجري بعد خمسة عشر عاماً من غياب الشرعية الشعبية للسلطة

أسئلة الانتخابات الفلسطينية بالغة الصعوبة والحساسية. فمن جهة يجري الإعداد لشرعنة الانقسام ولو تحت مسمى الوحدة الوطنية، ومن جهة أُخرى يلوح أمل ضئيل بأن يتشكل قطب انتخابي وطني يقلب الطاولة.

المسألة غامضة، إذ ما هو دور الأنظمة العربية في العملية؟ وهل تفرز الانتخابات انقسامات جديدة بدلاً من إنهاء الانقسام؟

وما هو مستقبل الاعتراض السياسي الذي يقوده الأسرى وتلتفّ حوله مجموعات من المثقفين والمناضلين الذين يشعرون بأنّ لحظة التغيير آن لها أن تبدأ قبل فوات الأوان؟

هل توجد علاقة بين الانتخابات الإسرائيلية التي ستجري في 23 آذار 2012، وبين الانتخابات الفلسطينية التي قد تجري في أيار 2021؟

المؤشر الوحيد هو سعي نتنياهو لدى السلطة من أجل حثّها على دعوة الناخبين الفلسطينيين في إسرائيل إلى انتخاب قائمة الليكود! أو على الأقلّ عدم انتخاب القائمة المشتركة؟

هل يقدّم هذا الطلب الليكودي مفتاحاً لفهم العلاقة بين الانتخابات في المكانَين اللذين صارا اليوم متداخلين، ويشكّلان وجهَي نظام الأبارتهايد الذي تفرضه إسرائيل على فلسطين بأسرها؟

وهل نستطيع أن نقرأ التكامل بين محاولة انقسام فلسطينيي الداخل، وهي محاولة يجب أن تفشل وعلى الجميع العمل على إخراجها من المعادلة، وبين الانقسام الفلسطيني بين سلطتين متنافستين في تكاملهما؟

صار انتظار الانتخابات الفلسطينية مملّاً من طول هذا الانتظار.

إقرأ أيضاً: الانتخابات الفلسطينية: أسئلة وعقبات (1/2)

ستكون الانتخابات الفلسطينية، سواء جرت أو لم تجرِ، وسواء عُدّل القانون الانتخابي الجائر أو لم يعدّل، مفصليّةً في رسم أفق المقاومة من أجل البقاء والحرية. فهل تنمو المقاومة خارج بنية السلطة وضدها، أم تحمل الانتخابات  بارقة التغيير؟

أمّا الانتخابات الإسرائيلية التي صارت مملّة في تكرار المعزوفة اليمينية العنصرية نفسها، فلا تحمل سوى السؤال: هل يعود نتنياهو أم لا؟ وفي الحالَين ستبقى فلسطين أمام مقصلة الضمّ والعنصرية المتعجرفة.

 

*افتتاحية ملف نشرته مجلة “الدراسات الفلسطينية” التي تصدر في بيروت ويرأس تحريرها الروائي الياس خوري. وقد حمل الملف عنوان “التطبيع والتتبيع” ويضمّ 20 نصاً كتبها مجموعة من المثقفين اللبنانيين والفلسطينيين والعرب.

مواضيع ذات صلة

هوكستين في بيروت وتل أبيب: قوات أميركية وبريطانية باليونيفيل

واشنطن   أمس وصل جواب لبنان إلى السفارة الأميركية في عوكر قبل إرساله إلى واشنطن حول المقترح الأميركي للتسوية بين لبنان وإسرائيل. لكن ما وصل…

استهداف محمد عفيف: رسالة متعدّدة الأبعاد

توجّه مسؤول وحدة الإعلام في الحزب الحاج محمد عفيف ظهر يوم الأحد الماضي برفقة عدد من مساعديه إلى مقرّ حزب البعث في منطقة رأس النبع…

ساعات حاسمة… ومصير السّلاح مجهول

في الأيام الماضية ضغط جيش العدوّ الإسرائيلي بجولات من قصف صاروخي عنيف ومكثّف لا مثيل له منذ بدء العدوان الجوّي في 23 أيلول الماضي، وتوّج…

كيف يستعدّ الحزب لليوم التّالي؟

بدأ الحزب إعادة ترتيب أولويّاته تحضيراً لليوم التالي في الحرب بعيداً عن التفاصيل الميدانية الحربية والمفاوضات السياسية الحاصلة لإصدار قرار وقف إطلاق النار.   أشارت…