هل يعيش العالم اليوم حرباً عالمية ثالثة بسبب لقاح كورونا؟ ما علاقة النفوذ السياسي بوصول اللقاح إلى دول دون غيرها؟ ما هي محاور المواجهة في هذه الحرب: من روسيا إلى بريطانيا والصين وأوروبا؟ وفي مقدّم الجميع الولايات المتحدة الأميركية.
هي “حرب نفوذ وصراع جيوسياسي، يمكن تسميتها لعبة اللقاح الجيوسياسية”، بهذا الكلام يبدأ مدير “معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية” الدكتور سامي نادر حديثه لـ”أساس”. يأسف لأنّه “بدل التعاون معاً، أصبح التنافس سيد الموقف، وفضّلت الدول الكبرى تقديم مصالحها التي ستمكّنها من الحفاظ على مواقعها السياسية والاقتصادية بين الدول. وبالتالي فهو عراك للسيطرة وإبقاء الهيمنة الغربية، استعملت فيه كل وسائل الضغط على المختبرات العلمية، وخصوصاً دول الاتحاد الأوروبي التي لم تستطِع وحدها إنتاج لقاح. وقد تجلّى ذلك في اللوم الذي وجّهته دول عديدة إلى شركة أسترازينيكا، باتهامها بعدم الالتزام بوعودها، وعدم احترام تعهّداتها بتسليم الجرعات المتّفق عليها. وفي خبايا هذا الأمر، يكمن التوتّر بين هذا المختبر البريطاني وبين الاتحاد الأوروبي الذي يعكس صراعاً جيوسياسياً آخر نتج من الحرب الباردة بين طرفي “بريكست” (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي). فقد وجّهت بريطانيا ضربة جديدة للأوروبيّين، مع إعلان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أنّ حكومته وقّعت اتفاقاً مع عملاق صناعة الدواء البريطاني غلاكسوسميثكلاين، يقوم بموجبه بتصنيع 60 مليون جرعة من لقاح شركة نوفافاكس الأميركية في المصنع التابع له في منطقة درام (شمالي إنجلترا)”.
يأتي هذا بعدما أعلنت نوفافاكس أنّ بيانات التجارب السريرية أثبتت فعّالية لقاحها بنسبة تصل إلى 89% في منع ظهور أعراض الوباء، وبنسبة 100% في منع الوفاة بالوباء. وستسلّم الشركة الأميركية اللقاح اعتباراً من شهر أيّار المقبل. وقال جونسون إن الاتفاق سيضمن لبريطانيا إمدادات كافية من اللقاحات، يمكن أن تغطي الخلل الذي سيحدثه قرار الهند تأجيل تسليم بريطانيا 5 ملايين جرعة من لقاح أسترازينيكا: “أمّا في الصين فالأمر مختلف قليلاً وخلفيّته الصراع الصيني – الأميركي القديم والحرب الباردة التي بدأت بحرب تجارية بينهما وانتهت بحرب اقتصادية”، يضيف نادر.
هي “حرب نفوذ وصراع جيوسياسي، يمكن تسميتها لعبة اللقاح الجيوسياسية”، بهذا الكلام يبدأ مدير “معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية” الدكتور سامي نادر حديثه لـ”أساس”
نادر يدعو إلى التوقف عند تمكّن الصين وروسيا من خلال اللقاح من أن تثبتا قدراتهما وتتّخذا لهما موقعاً أساسيّاً على الساحة الدولية. فاللقاح الصيني “سينوفارم” أثبت فعاليته في أكثر من منطقة حتّى داخل البلدان العربية، وحقّ نجاحات واستطاع احتواء الوباء: “أمّا روسيا فعرفت أن تنشر نفوذها في نيجيريا، أكبر بلد إفريقي بـ200 مليون نسمة. المسألة إذاً ليست بهذه السهولة. الصين، تحديداً، وقبل اللقاح كانت المسعف العالمي بالكمّامات وأجهزة التنفس، بينما روسيا كانت تدعم الطغاة. لكنّهما تمكّنتا من فرض وجودهما على العالم”.
أمّا عن اختيار الدول للقاح دون آخر، فقال: “بالطبع هذا الأمر يخضع لاعتبارات سياسية واقتصادية. واختراق “سينوفارم” و”سبوتنيك” السوق الأميركية أمر مستبعد. لكنّ اللافت تأخّر الدول الأوروبية، ولا سيّما فرنسا وإيطاليا وألمانيا، عن دخول هذا السباق، خصوصاً أنّها دول متقدمة على مستوى صناعة الأدوية. أوروبا تعاني لأنّها غارقة في مشاكلها الاقتصادية، فالديمقراطية لها أيضاً نقاط ضعفها، ولدى هذه الدول مسائل مهمّة كإيجاد فرص عمل وصعود اليمين المتطرّف”.
علّوش ودبلوماسيّة اللقاحات
من جهته، اعتبر الدكتور مصطفى علّوش أنّ الإشكالية الكبرى “تتلخّص في انعدام الخيارات لدينا لأنّ المفتاح والباب والبيت هي بيد الدول التي تجري التجارب، ويُفترض بها أن تمتلك الأجوبة الشافية”.
ويذكّر علّوش بقول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال زيارة رسمية للصين: “الغربيون يُحاولون إظهار روسيا والصين انتهازيّتَيْن في المجال الذي يُسمّى دبلوماسية اللقاحات. وهذا الأمر غير صحيح على الإطلاق، لأنّ سياسة اللقاحات تقودها اعتبارات إنسانية غايتها إنقاذ الأرواح، وليس اعتبارات جيوسياسية أو مقاربات تجارية للتغلّب على المنافسة. لكنّ من المؤكد أنّ بين الأمم سباقاً عالميّاً في القضايا المتعلقة بالتجارة والاقتصاد. وفي ما يرتبط باللقاحات، الطلب العالمي يقارب عدة مليارات من الجرعات، وهذا الكمّ كبير على المستويين الاقتصادي والمالي، إضافة الى السيطرة على التكنولوجيا التي لها دور كبير في المعركة بالنسبة إلى باقي الدول”.
اعتبر الدكتور مصطفى علّوش أنّ الإشكالية الكبرى “تتلخّص في انعدام الخيارات لدينا لأنّ المفتاح والباب والبيت هي بيد الدول التي تجري التجارب، ويُفترض بها أن تمتلك الأجوبة الشافية”
وأكّد علوش أنّ “الاختيار في هذا التوقيت مرتبط أساساً بما هو متوافر من اللقاحات عالمياً لا أكثر ولا أقل. ومثلاً، الإمارات العربية المتحدة اتّجهت الى اعتماد اللقاح الصيني لأنّه كان يسهل الحصول عليه أكثر من غيره من اللقاحات الأخرى”.
ورأى أنّ “الموقف الأوروبي من لقاح “سبوتنيك” ربّما يكون سياسياً، لكننا لا نستطيع إثبات مدى فعالية هذا اللقاح، وهناك العديد من الأسئلة التي لا يمكننا الحصول على إجابات دقيقة لها. أمّا بالنسبة لإيران فقرارها عدم الاستعانة باللقاحات الغربية سببه اقتصادي ومالي ولا علاقة له بالسياسة، لكنّه اتّخذ طابعاً سياسياً بامتياز، وإيران برّرت رفضها علميّاً، إذ اعتبرت أنّ التجارب لا تزال في المرحلة الثالثة وأنّ الدراسات غير كافية”.
إقرأ أيضاً: هل يمكنكم تلقّي أكثر من لقاح؟ وهل الصيني “الأسوأ”؟
وأضاف: “الكثير من الأمور تتقاطع مع اللقاح، لكن الأساس أنّ من لديه التكنولوجيا والمعلومات يسيطر في نهاية المطاف على زمام الأمور سلباً أو إيجاباً. الأزمة التي تعانيها أوروبا ترتبط بداية بعدم قدرتها على تطوير اللقاح، فيما تغرق داخل انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. اللقاحات الأميركية العديدة ما زالت مخصّصة بمعظمها للداخل الأميركي حتّى انتهاء حملة التلقيح. لا يوجد سياسة محلية وسياسة خارجية، بل هناك مسألة علمية. وبالنسبة إلى لقاح أسترازينيكا، أدرك أنا الطبيب أنّ المشاكل الصحية، التي تحصل بين ملايين من الملقّحين، لا تستطيع إثبات أنّ اللقاح هو المسبّب الأساسي لها. وبالتالي فإنّ أيّ اتهام لهذا اللقاح أو ذاك، إن كان ذلك مقصوداً أم لا، يجعل الدول محرجة أمام شعوبها”.
* الاتحاد الأوروبيّ حتّى الآن لقّح أكثر من 10% من سكّان دوله الأعضاء البالغ عددها 27 دولة، في مقابل قيام بريطانيا بتلقيح 45% من سكّانها حتّى الآن، فيما نجحت الولايات المتحدة في تلقيح 28% من سكّانها.