على وقع العديد من التصريحات العربيّة عن ضرورة عودة دمشق إلى “الحضن العربيّ”، حطّت طائرة وزير الخارجيّة السّوريّ فيصل المقداد في العاصمة العُمانيّة مسقط، ذات النّوافذ المُطلّة على دروب تقليديّة وغير تقليديّة.
الزيارة استمرّت لـ3 أيّام. ووضعتها مصادر مُطّلعة في إطار “برمجة التوازنات” على السّاحة السّوريّة في ظلّ غياب السّياسة الواضحة للإدارة الأميركيّة الجديدة.
وقالت المصادر لـ”أساس” إنّ وزير الخارجيّة السّوريّ التقى بممثّلين عن دولتين خليجيتين على الأقل، وبحث المساعي الرّوسيّة الأخيرة الرّامية إلى إعادة سوريا إلى الجامعة العربيّة بدعمٍ مصريّ وإماراتيّ.
وعلم “أساس” أنّ الطّرفين بحثا إمكانية عودة سوريا إلى مقعدها خلال القمّة العربيّة المُقبلة التي ستُعقَد في الجزائر، من دون أن يتّضح ما نتج عن اللقاء.
وبحسب مراقبين فإنّ تمسّك الجزائر بعقد القمّة العربيّة على أراضيها يدخل في إطار التحضير لهذه العودة، بعد تأجيل دورة عام 2020 بسبب جائحة كورونا.
ومنذ بدء الأزمة السّوريّة، لم تقطع الجزائر علاقاتها بدمشق، وحافظت على اتّصالاتها، ما يتيح لها أن تلعب دوراً وسَطيّاً في مسألة عودة النظام السوري إلى الحضن العربيّ.
الزيارة استمرّت لـ3 أيّام. ووضعتها مصادر مُطّلعة في إطار “برمجة التوازنات” على السّاحة السّوريّة في ظلّ غياب السّياسة الواضحة للإدارة الأميركيّة الجديدة
سبق الزيارة تصريحٌ لافت لوزير الخارجيّة الإماراتيّ عبدالله بن زايد آل نهيّان، عقب لقائه نظيرَه الرّوسيّ سيرغي لافروف قبل أسبوعين، انتقد فيه العقوبات الأميركيّة، المعروفة باسم قانون قيصر، قائلاً إنّها تعرقل عودة سوريا إلى الساحة العربيّة، مع العلم أنّ هذه العودة يمكن أن تسهم في تسوية الصراع السوريّ.
منذ عام 2018، تقود مصر ودولة الإمارات جهوداً لإعادة دمشق إلى محيطها الطّبيعيّ لأسباب استراتيجيّة ترتبط بالأمن القوميّ العربيّ. فمنذ عام 2011 باتت السّاحة السّوريّة ساحةً مكشوفةً سَمَحت بتغلغل الإيرانيّين والأتراك في الخاصرة العربيّة. ويرى المصريّون والإماراتيّون، ومعهم البحرينيّون، أنّ إرساء التوازن العربيّ في سوريا ضرورة لوقف التّوسّع التّركي – الإخوانيّ والتخفيف من النّفوذ الإيرانيّ وميليشياته.
وهذا ما أكّده الأمين العام المُساعد للجامعة العربيّة السفير حسام زكي، الذي لفت قبل أيّام إلى أنّ “غياب أو تغييب” دور الجامعة العربيّة في سوريا، “ساهم في فتح المجال أمام أطماع وطموحات إقليميّة توسعيّة، ولعله أسهم في جذب دمشق نحو محاور بعيدة عن المصلحة العربيّة مثل المحور الإيرانيّ، بينما مناطق عدة في الشمال السوريّ تقع تحت الاحتلال التركيّ، وأخرى تسيطر عليها جماعات إرهابيّة”.
وأكّد هذا الموقف الاجتماع الرّباعيّ، الذي عُقِدَ قبل 5 أشهر تقريباً على مستوى كبار المسؤولين من 4 دول عربيّة (مصر، السّعوديّة، الأردن والإمارات)، وبحث سبل تسوية الأزمة السوريّة وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254، بما يحفظ وحدة سوريا وسلامة أراضيها. وناقش الحاضرون تعزيز الجهود المشتركة لصون عروبة سوريا ومقدّرات الشعب السوريّ.
في مقابل الزّخم العربيّ، برزت مُعارضة أميركيّة – أوروبيّة لعودة النّظام السّوريّ إلى الجامعة العربيّة. وقد تعيق هذه المُعارضة الغربيّة، المُتمثّلة بعقوبات قيصر والعقوبات الأوروبيّة على النّظام السّوري، العودة السّريعة إلى الحضن العربي. لكن في المُقابل وفي ظلّ السّياسات التي تنتهجها إدارة الرّئيس الأميركيّ جو بايدن تجاه الدّول العربيّة، ودول الخليج تحديداً، برز حضورٌ روسيّ وصينيّ لافت في المنطقة.
روسيا، التي تعمل على جمع الأوراق في الشّرق الأوسط في ظلّ انشغال بايدن في الدّاخل وآسيا، جال وزير خارجيّتها سيرغي لافروف ونائبه ميخائيل بوغدانوف في الخليج. وكان واضحاً أنّ الملف السّوريّ كان الأولويّة في هذه الجولة، وظهر ذلك في التصريحات الرّوسيّة والسّعوديّة والإماراتيّة المرتبطة بالزّيارة.
ويدخل، في الإطار عينه، الزّيارة التي قام بها وفدٌ من حزب الله للعاصمة الرّوسيّة موسكو، وكانت بحسب معلومات “أساس” مُقرّرةً في الأوّل من نيسان، لكنّ الطّرف الرّوسيّ قدّم الموعد إلى منتصف آذار لأسباب تتعلّق بالحراك المُسابق لواشنطن في الشّرق الأوسط، وخصوصاً في سوريا.
أمّا الصّين فكان لها حضورٌ لافتٌ في الزيارة التي قام بها وزير خارجيّتها للمملكة العربيّة السّعوديّة والتقى خلالها وليَّ العهد الأمير مُحمّد بن سلمان وبحث معه سُبل تطوير العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات.
في مقابل الزّخم العربيّ، برزت مُعارضة أميركيّة – أوروبيّة لعودة النّظام السّوريّ إلى الجامعة العربيّة. وقد تعيق هذه المُعارضة الغربيّة، المُتمثّلة بعقوبات قيصر والعقوبات الأوروبيّة على النّظام السّوري
بكلامٍ آخر، قد لا تجد دول الخليج العربيّ في الموقفيْن الأميركيّ والأوروبيّ رادعاً لتوفير مصلحة أمنها القوميّ في أيّ ملفّ، وخصوصاً في ظلّ تراجع الدّور الأميركيّ في المنطقة وغياب السّياسة الواضحة في سوريا منذ عهد دونالد ترامب.
لا يحتاج الموقفان الرّوسيّ والصّينيّ إلى تأويلٍ في ما يتعلّق بالأزمة السّوريّة وعودتها إلى الجامعة العربيّة، فيكفي أن نُحصي المرّات التي استخدمت فيها الدّولتان حقّ النّقض “الفيتو” في مجلس الأمن لمصلحة النّظام السّوري لنعرف الجواب.
إقرأ أيضاً: أميركا: الحزبان يتّفقان على التشدّد مع إيران.. ونتنياهو يسنّ سلاحه
ليست هذه المرّة الأولى التي يجري فيها الحديث عن العودة السورية إلى الجامعة العربية، وفي كل مرّة كان الموقف الأوروبي – الأميركي يمنع ذلك.
الجديد هو تغيّر موقف معظم دول مجلس التعاون من هذه المسألة إلى حد لقاء مسؤول كبير من إحدى دول المجلس بوزير الخارجية السورية في العاصمة العمانية مسقط. لكن هذا لا يعني أنّه أصبح من الممكن القول أنّ مسألة عودة سوريا إلى الحضن العربيّ باتت مسألة وقتٍ حتى لو كانت هناك حاجة عربيّة إلى إرساء التّوازن فيها بوجه المدَّيْن التركيّ والإيرانيّ، فضلاً عن التباين العربيّ مع إدارة بايدن الدّيمقراطيّة في ملفّات عديدة لا تبدأ في اليمن ولا تنتهي في سوريا.