قال النائب جورج عطا الله في برنامج “صار الوقت” ليل الخميس، إنّ البطريرك بشارة الراعي “بلّغ رسمي.. وطابشة” للرئيس سعد الحريري، وتابع عطا الله: “قال له “حقوق المسيحيّين” وطابشة القصّة”، في محاولة من النائب العونيّ للإيحاء بأنّ الراعي أبدى اعتراضه على أداء الحريري فأظهر ميلاً إلى جهة الرئيس ميشال عون، وتحدّث عن “حقوق المسيحيّين”. وجاء الرد فوراً من الدكتور غطاس خوري الذي شارك في عشاء بكركي أنّ البطريرك لم يأتِ على ذكر حقوق المسيحيين.
كذلك أكّدت مصادر البطريركيّة المارونيّة لـ”أساس” أنّ “الكلام اليوم عن حقوق المسيحيّين ليس في وقته، لأنّ البطريرك يعتبر أنّ لبنان، بكيانه، في خطر داهم على كلّ اللبنانيّين، وليس فقط على المسيحيّين”.
اللقاء حصل بدعوة وجّهها البطريرك إلى الحريري لمشاركته على مائدة العشاء. وأتى الموعد في ليلة عيد البشارة، وهو يحمل رسالةً سياسيةً واضحة. فالحريري الذي كان قد غرّد مستذكراً لقاء البابا فرنسيس بالعلامة السيستاني، ومتحدثاً عما يجمع بين المسيحيين والمسلمين في عيد بشارة السيّدة مريم العذراء… يبدو حريصاً، كحرص البطريرك، على التأكيد أنّ الأزمة السياسية التي يمرّ بها لبنان ليست أزمةً بين المسيحيين والسُنّة.
أكّدت مصادر البطريركيّة المارونيّة لـ”أساس” أنّ “الكلام اليوم عن حقوق المسيحيّين ليس في وقته، لأنّ البطريرك يعتبر أنّ لبنان، بكيانه، في خطر داهم على كلّ اللبنانيّين، وليس فقط على المسيحيّين”
مصادر بكركي كشفت لـ”أساس” أنّ الحريري استعرض أمام الراعي الوضع الحكومي وشرح له أنّ الرئيس عون لا يزال متمسّكاً بالثلث المعطّل. وفي المقابل نصحه البطريرك بالمحافظة على التواصل مع بعبدا وعدم الوقوف عند الصغائر بسبب دقّة الوضع في لبنان بشكل عام. استجاب الحريري وعرض للراعي حجم الإهانات التي تعرّض لها وقفز فوقها وأوضح بأن لا قطيعة بينه وبين بعبدا حرصاً على تشكيل حكومة. وأبدى الرئيس المكلّف مرونة حول الاستجابة لرغبة رئيس الجمهورية بإعادة النظر بالأسماء المحسوبة عليه، وكذلك أبدى استعداده لتجاوز عقدة وزارة الداخلية عبر الاتفاق على اسم وسطي. لكنّ مرونة الحريري مشروطة بتنازل فريق رئيس الجمهورية عن المطالبة بالثلث المعطّل.
الراعي من جهته كان واضحاً بأنّه يقف ضدّ حصول أيّ فريق على الثلث المعطّل، وحدَه. وجرى الاتفاق على إعادة إحياء الاتصالات السياسية، عسى أن تحمل الأيام المقبلة خيراً.
ولعلّ الرسالة الأوضح من هذا التقارب الدائم والتأكيد الدائم له من الطرفين، الراعي والحريري، أنّ العلاقة بين السُنّة والمسيحيّين لا تختصرها العلاقة بين بكركي وبيت الوسط، بل إنّ مرجعيّة مسيحيّة تتقاطع مع رئاسة الحكومة السنّيّة في أكبر العناوين السياسيّة وأكثرها تعقيداً، وهو الحفاظ على كيان لبنان.
يعود بنا هذا المشهد إلى بداية آب 2020، بعد تفجير مرفأ بيروت، يوم زار الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون لبنان وجلس إلى طاولة قصر الصنوبر مع القوى السياسيّة اللبنانيّة. يومئذ، وبعد حديثه إلى رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد، فهم ماكرون أنّ الأزمة في لبنان هي في جوهرها صراع صلاحيّات بين رئاسة الجمهوريّة ورئاسة الحكومة. وقد قالها ماكرون حين تحدّث علناً عن “أزمة نظام في لبنان” قبل أن يتراجع عنها في مواقفه اللاحقة.
الراعي من جهته كان واضحاً بأنّه يقف ضدّ حصول أيّ فريق على الثلث المعطّل، وحدَه. وجرى الاتفاق على إعادة إحياء الاتصالات السياسية، عسى أن تحمل الأيام المقبلة خيراً
في ذلك اليوم توجّه البطريرك الراعي من مقرّه الصيفيّ في الديمان إلى قصر الصنوبر في بيروت، والتقى ماكرون حوالى 15 دقيقة. وفي هذه الدقائق القليلة كان حريصاً على إفهامه أنّ المشكلة ليست أزمةً بين المسيحيّين والسُنّة، بل تكمن المشكلة في أداء السياسيّين الممسكين بالمواقع حاليّاً.
إقرأ أيضاً: من هو “اللوبي اللبناني” المسوّق لمبادرة بكركي؟
يدرك البطريرك أنّ في الدستور ثغرات، لكنّه متيقّن من أنّ الوقت ليس مناسباً لتعديلها الآن، ويقول علناً إنّ الأولويّة هي لتطبيق وثيقة الوفاق الوطنيّ – اتفاق الطائف وتطبيق الدستور، على أن تُملأ هذه الثغرات لاحقاً، بعد انتشال لبنان من أزماته الماليّة التي تهدّد أسس وجوده.
فما يجمع بكركي بالمرجعية السُنّيّة هو التأكيد أنّ نظام الحكم في لبنان يقوم على مقتضيات الوفاق الوطنيّ. وهذا ما لم يعد واضحاً في العلاقة بين بعبدا وبيت الوسط.
وتتخوّف بكركي من أن يكون الأداء السياسيّ على خطّ بعبدا – حارة حريك بوجه بيت الوسط، مقدّمةً للقضاء على اتفاق الطائف أو تعديله. فإذا كان رئيس الجمهوريّة ميشال عون يحاول استعادة صلاحيّات ما قبل الطائف في المعركة التي يخوضها اليوم، يجب التحذير من أنّ نتائجها قد تكون أكثر كارثيّة على المسيحيّين وصلاحياتهم ووجودهم ممّا يتهم به اتفاق الطائف نفسه.