أطلق الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله في كلمته التي ألقاها بمناسبة “يوم الجريح المقاوم” في 18 آذار 2021 سلسلة مواقف أعادت تأكيد أنّه هو الممسك بزمام القرار في الجمهورية، ولا أحد سواه من أصحاب الألقاب الرئاسية له من الأمر شيء، بعدما أعاد الأزمة الحكومية إلى المربّع الأول، ليتأكد اللبنانيون أيضاً أن كل ما كان يُحكى عن خلاف بينه وبين جبران باسيل مجرّد تلاعب بالأطراف السياسية، وكلّ ما يشاع عن مماحكات بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، ليس سوى ملءٍ لفراغ الوقت بالمشاحنات ذات الطابع الطائفي لاستحضار الجانب العنصري من الصراعات الطائفية في المشهد القاتم.
كان لافتاً إصرارُ نصرالله على التعريض بالبطريرك بشارة الراعي عندما رأى أنّ “المطلوب من الحياد في لبنان هو أن نكون جزءاً من المحور الأميركي الإسرائيلي”، وهذا تجديدٌ لحملة التشهير التي أطلقها الإعلام الإيراني بحقّ الراعي، وإشارة إلى استمرار المواجهة من منطلق التخوين.
من حيث الأبعاد الأمنية، وجد المتابعون كلمةَ حسن نصرالله شبيهةً بكلمته التي سبقت انقلاب السابع من أيّار 2008، وهي من أخطر الخطابات في هذه المرحلة، بعد أن هدّد بحرب أهلية وحاول أن يساوي بين حزبه المسلّح بجميع أنواع السلاح، وبين سلاح يظهر في الجنازات ليس له تنظيم ولا مرجعيّة ولا إمرة موحّدة، كما هو الحال بالنسبة للحزب، والأخطر من هذا أنّ نصرالله حدّد نوعية السلاح الذي سيستخدمه حزبه في “الحرب الأهلية”، بعد أن اعتبر أن الجميع مسلّح في لبنان.
كان لافتاً إصرارُ نصرالله على التعريض بالبطريرك بشارة الراعي عندما رأى أنّ “المطلوب من الحياد في لبنان هو أن نكون جزءاً من المحور الأميركي الإسرائيلي”، وهذا تجديدٌ لحملة التشهير التي أطلقها الإعلام الإيراني بحقّ الراعي، وإشارة إلى استمرار المواجهة من منطلق التخوين
سعى نصرالله إلى حشر الجيش في زاوية المواجهة مع الناس في مسألة فتح الطرقات، وحمّل المؤسّسة العسكرية مسؤولية وقوع الصدام بين أنصاره وبين الشبان الذين يقطعون طريق الجنوب، لكنّ اللافت أنّه لم يتحدث عن سوى هذه الطريق وكأنّه لا يعنيه سواها.
“نصح” نصرالله بتأليف حكومة “تكنو – سياسية” لأنّ “حكومة الاختصاصيين إن أُلِّفت لن تصمد ولن تستطيع أن تتحمّل مسؤولية الأزمة في البلد”، مضيفاً “فليؤلّف الرئيس المكلّف حكومة تضمّ القوى السياسية كي تتحمّل مسؤولياتها ومن يتنصّل يجب أن يُحاكم”.
عبّر نصرالله عن خوفه من تشكيلة حكومية يكون حزبه خارجها تضعه في حالة شبيهة بلحظة العام 2005 عندما شكّل الرئيس نجيب ميقاتي حكومةً نظّمت الانتخابات النيابية وكان أعضاؤها غير مرشّحين للانتخابات، وهو بهذا يعلن دفن المبادرة الفرنسيّة ووضع الحريري أمام لحظة المواجهة والحقيقة.
– داخليّاً: ليس للحزب مصلحة جدّيّة في تشكيل حكومة لها شرعية دستورية، لأن قيام هذه الحكومة سيُلزم الحزب بآلية عمل الدولة، والحكومة الجديدة ستقوم بتعزيز التعاون مع الولايات المتحدة، وخاصة في مجال دعم الجيش، وهو أمر لا يريد الحزب حصوله.
وفي هذا السياق، يمكن القول إنّ ياسيل نجح في استخدام تعرّضه للعقوبات الأميركية، ليقفز إلى مقدمة الاهتمام المحلي لـ”حزب الله”، وليحصل على خصوصية تتقدّم على توقيع الجنرال عون على ورقة التفاهم، وهذا ما عكسه في تغريدة أعقبت كلام نصرالله عندما قال: “هذا ما ينتظره التيّار واللبنانيون.. هذا هو المشروع المشترك الذي يمكن أن ينضمّ إليه الجميع، وهذه هي روحيّة وثيقة التفاهم “المطوّرة” التي يمكنها أن تنقذ البلد وتنهض به”، ولم يستطع باسيل التخلّي عن “ظرفه المعتاد” بالادّعاء أنّ موقف نصرالله “حماية للبنان وحرب على الفساد”.
عبّر نصرالله عن خوفه من تشكيلة حكومية يكون حزبه خارجها تضعه في حالة شبيهة بلحظة العام 2005 عندما شكّل الرئيس نجيب ميقاتي حكومةً نظّمت الانتخابات النيابية وكان أعضاؤها غير مرشّحين للانتخابات، وهو بهذا يعلن دفن المبادرة الفرنسيّة
– خارجياً: انضمّ حزب الله إلى الميليشيات الإيرانية في تصعيدها ضدّ الولايات المتحدة في المنطقة، بعد توسيع الاشتباك معها في العراق والإصرار على قصف القواعد التي يوجد فيها الأميركيون، مثل عين الأسد، وكما حصل في أربيل منذ مدّة، حيث جرى قصف أحد مراكز الرصد الأميركية في العراق ونسف منشآته، بعد اقتناع طهران بأنّ إدارة الرئيس جو بايدن لا تختلف في تعاملها معها عن إدارة دونالد ترامب، وهذا ما دفعها إلى:
ــ التصعيد في العراق وتسليم الميليشيات أسلحةً متطورةً لتمكينها من إيقاع الخسائر في الجانب الأميركي.
ــ إفشال المسعى العُماني الأخير الساعي إلى تثبيت وقف إطلاق النار في اليمن، بعد أن كان الإيرانيون قد وافقوا عليه مع إعلان إدارة بايدن رفع جماعة الحوثي عن لوائح الإرهاب الأميركية. وهذا يعني عودة الأمور إلى ذروة المواجهة في الملفّ اليمني.
ــ تعطيل تشكيل الحكومة في لبنان بعد أن كان نصرالله قد أعلن موافقته في وقت سابق، وكما ذكر في كلمته عندما قال: “إذا اتفق الرئيس المكلّف سعد الحريري والرئيس ميشال عون، يوم الاثنين (المقبل)، على حكومة اختصاصيين غير حزبيين، فنحن ماضون بذلك”.
إقرأ أيضاً: خطاب “السيّد”: 3 رسائل إلى برّي
السبب المباشر هو رفض طهران أن يكون الحزب خارج السلطة التنفيذية، خشية أن تسلك هذه الحكومة مسلك حكومة مصطفى الكاظمي في العراق، التي قامت بملاحقة الميليشيات الإيرانية وسجنت بعض قادتها واقتحمت مراكزها، وأن تحتمي بالشرعية الدولية.
بعد موقف نصرالله، من المتوقّع أن يمتنع عون عن توقيع التشكيلة الحكومية، خصوصًا أنّ الحريري طرح عليه التوقيع والذهاب إلى مجلس النواب، وإسقاط الحكومة بعدم منحها الثقة، فيكون إسقاطه كما تكليفه من النوّاب أنفسهم. لكنّ نصرالله لا يريد إسقاط ورقة التكليف، بل يريد أن يبقي الحريري معلَّقاً، وأن يُفعِّل حكومة دياب، فيسعى من خلالها إلى فتح خطوط مع روسيا والصين والعراق، لتمرير الوقت بانتظار الصفقة الإيرانية الأميركية، فيكون الحريري بذلك قد وقع في فخٍّ لا خروج له منه إلّا إلى خارج الملعب السياسي، كما يبدو حتّى الآن.