تطرّق السفير السعودي في لبنان وليد البخاري إلى الملف اليمني، إثر زيارته المختارة، شاكراً “لها ترحيبها بمبادرة السعودية التي تشمل وقف إطلاق النار في اليمن تحت إشراف الأمم المتحدة، واستنكارها لاعتداءات الميليشيا الحوثية المتكررة”. ولذلك الموقف الكثير من رمزيته في زمن المخاض الإقليمي.
وتتضح الدلالات السياسية لهذه الزيارة في توقيتها، إذ حصلت في وقت كان وليد جنبلاط سبّاقاً إلى الدعوة إلى “تسوية سياسية تساهم في ولادة حكومة لا غالب فيها ولا مغلوب، على قاعدة توسيع الحكومة بلا ثلث معطّل لأي فريق”. وتقلل الزيارة أيضاً من الاتهامات التي توجّه إلى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي بأنّه انقلب على تحالفاته وقرّر القفز من ضفّة إلى أخرى تحت عنوان التسوية الحكومية.
وتؤكد مواقف السفير السعودي مكانة المضيف والزعامة التي يمثّلها، وصوابيّة المواقف التي يواظب على الإدلاء بها في هذه المرحلة، وكونه الأسرع في التقاط الإشارات الخارجية وترجمتها في سلوكه الداخلي.
الدلالات السياسية واضحة لزيارة السفير السعودي دارة الزعيم الدرزي، في وقت كان وليد جنبلاط سبّاقاً في الدعوة إلى “تسوية” سياسية تساهم في ولادة حكومة “لا غالب فيها ولا مغلوب”، على قاعدة توسيع الحكومة بلا ثلث معطّل لأي فريق
ويثبت رصدٌ سريعٌ لأبرز التطوّرات والأحداث الدولية أنّ الدول الكبرى تستعد لمرحلة جديدة تواكب التغيير الجذري في سلوك الإدارة الأميركية مع رئيسها الجديد جو بايدن، الذي حلّ ضيفاً على قمّة الاتحاد الأوروبي الافتراضية، على نحو مخالف لأداء سلفه دونالد ترامب، وذلك من باب إعادة وصل ما انقطع مع “القارة العجوز”، بموازاة المبادرة السعودية لإنهاء الصراع في اليمن، والاستعداد الذي تبديه واشنطن للعودة إلى الاتفاق النووي. وكلها مستجدات تشي بأنّ هناك رغبة في تخفيف التوتر في الشرق الأوسط، أقلّه من الجانب الغربي – الأميركي – الخليجي.
ويعتبر المواكبون لزيارة السفير السعودي للمختارة، أنّ حركة السفراء المعتمدين في لبنان، وتحديداً الأميركية، الفرنسية والسعودي، تأتي في سياق المتغيّرات الحاصلة على المستوى الخارجي، من باب الدفع باتجاه تأليف حكومة لبنانية بأسرع وقت ممكن للجم الانهيار الحاصل.
ويشير هؤلاء إلى أنّه إذا كان الأميركيون والفرنسيون تنازلوا عن أي شروط أو معايير تمسّكوا بها في المرحلة السابقة، لقيام حكومة لبنانية جديدة، وباتوا يركزون على جوهر التسوية بمعزل عن قواعدها، فإنّ الرياض لا تزال تفضّل حكومة اختصاصيين تستبعد أيّ مشاركة مباشرة لـ”حزب الله” في الحكومة، مع التركيز على برنامجها وأدائها.
ولعل هذا “الانحراف” في مواقف الدول الكبرى هو ما دفع رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري إلى تليين موقفه من مسألة توسيع الحكومة وفقاً للصيغة التي سبق لجنبلاط أن طرحها، وذلك بعدما بلغت أصداء المتغيّرات الدولية الأرض اللبنانية. وهذا ما أملى على الحريري التوجه للقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري وتشجيعه على قيادة مبادرة على قاعدة توسيع الحكومة التي كان برّي بدوره غير متحمّس لها كثيراً. إلا أنّ المواقف، التي يطلقها السفراء الغربيون، من شأنها أن تحمّسه على السير بمبادرة تسووية… إلّا اذا أتت الممانعة من حلفائه أو حلفاء الحلفاء.
لذا يعتبر المواكبون لزيارة السفير السعودي إلى المختارة، أنّ حركة السفراء المعتمدين في لبنان، وتحديداً الأميركية، الفرنسية والسعودي، تأتي في سياق المتغيّرات الحاصلة على المستوى الخارجي، من باب الدفع باتجاه تأليف حكومة لبنانية بأسرع وقت ممكن للجم الانهيار الحاصل
ويتوقف مواكبون للحراك الدبلوماسي عند المواقف التي سارع “التيار الوطني الحرّ” إلى إطلاقها من خلال “التحذير من خطورة المنحى الإقصائي الذي ينتهجه دولة الرئيس المكلّف في تعامله مع رئيس الجمهورية ومع الكتل البرلمانية المعنيّة، ويرى في هذا السلوك رغبة واضحة بأن يسمي بنفسه الوزراء المسيحيين فيكون له نصف أعضاء الحكومة زائداً واحداً”. ويرون أنّ هذه المواقف لا تأتي في سياق تلقّف الليونة الغربية بل تبيّن إصراره على التمسك بالثلث المعطل، بعدما نقل هذا الطرف المعركة من الثلث المعطل إلى النصف زائداً واحداً. وكانت مقابلة رئيس الجمهورية مع “الجمهورية”، صباح أمس، أوضحت هذا التوجّه عندما انتقد عون بصريح العبارة رئيس الحكومة المكلف، مؤكداً بما لا يقبل الشك القاعدة التي يرفعها العونيون للمرحلة المقبلة: “نحن أو الحريري”، ومعلناً أنّه لا يريد الثلث المعطّل وأنّ “الطاشناق مستقلّون”، الأمر الذي يعني أنّه يريد الثلث إلا الطاشناق!
إقرأ أيضاً: هل باركت “المملكة” مبادرة “3 تمانات” الجنبلاطية؟
وقبل أيام اتّهم مساعد رئيس البرلمان الإيراني للشؤون الدولية، حسين أمير عبد اللهيان، الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والسعودية بانتهاج “سياسة عدم وجود حكومة قوية والانقسام وإضعاف المقاومة”، وأن “هذه السياسة هي الوجه الثاني من تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني وإضعاف لبنان”… وقد اعتبر مواكبو الحراك الدبلوماسي هذا التصريح مؤشراً سلبياً من جانب طهران، وهو “الأوضح” في كون القرار الحكومي ليس في لبنان.