طرابلس “في عين النفايات”… وليس الإرهاب

مدة القراءة 9 د

“هي جريمة متواصلة مرتكَبة بحق مدينة طرابلس”. هكذا يصف أهل المدينة “جبل النفايات” الذي لا يستوفي الشروط الصحيّة، ويقع عند مدخل مدينة الميناء، ويتوسط مرفأ عاصمة الشمال، والمنطقة الاقتصادية الحرّة. يمتد المكب الجديد على مساحة 60 ألف متر مربع، خلف المطمر القديم مباشرة، وتعاقد مجلس الإنماء والإعمار في شباط 2019، مع شركة “باتكو” لإدارته.

فقد انتعش مجددًا النقاش والجدل حول أزمة النفايات. فعقدت فعاليات المدينة عبر تطبيق الـZoom ندوة تحت عنوان :”جبل النفايات في طرابلس قنبلة موقوتة أو مصالح وصراعات ممقوتة”. وكان مدارًا لتساؤلات حول مصير هذا المطمر الجديد والصراع السياسي الدائر حوله. وهل انبعاث الغازات في الهواء يشكل خطرًا؟ أم إنّه محاصر داخل المطمر؟ وما هو الحل والبديل المتوافر؟

عضو مجلس بلدية طرابلس الدكتور باسم بخاش شارك في الندوة، وكشف لـ”أساس” أنّ ملف النفايات هو “أكبر ملف للسرقة والهدر، والمشكلة التي تُطرح ويجري النقاش حولها، هي جبل النفايات القديم”. وتساءل عن “أسباب طرح هذا الموضوع مجددًا، وفي هذا التوقيت بالذات. ففي السابق قام اتحاد بلديات الفيحاء بإرسال ثلاثة كُتب إلى الهيئات المعنية، واليوم نقابة المهندسين ومعها مجلس الإنماء والإعمار، ووزارتا الداخلية والبيئة، أكدوا أنّ جبل النفايات لا يشكل خطرًا. ويبدو واضحًا الاختلاف في وجهات النظر، وخصوصًا أنه مع مرور الوقت يقلّ الخطر”.

ويتابع بخاش: “في في أواخر 2017 وصفت منظمة “هيومن رايتس ووتش” خطر جبل النفايات في مختلف المناطق اللبنانية: “لمّا تمشي بلبنان كأنّك عم تتنشّق رائحة موتك”. ما يعني أنّ الغازات المنبعثة من جبل النفايات هي سامة جدًّا ومسرطِنة. وبالنسبة لي قلتها سابقًا وأكررها “جبل النفايات هو أخطر من إسرائيل على لبنان، وأخطر من الإرهاب على لبنان. وقد شهدنا خلال السنوات الأخيرة ارتفاعًا كبيرًا بعدد الإصابات بمرض السرطان، التي من الممكن أن يكون أحد أسبابها هو جبل النفايات.

ملف النفايات هو أكبر ملف للسرقة والهدر، والمشكلة التي تُطرح ويجري النقاش حولها، هي جبل النفايات القديم

 

وتابع: “مع مرور الوقت، خطر الروائح المنبعثة من جبل النفايات يقلّ تدريجيًّا، ولا أقول انتهى تمامًا. لكن من المؤكّد أنّ علينا البحث والدراسة أكثر، حتى نقابة المهندسين لم تأخذ معها المعدات الكافية عندما حفرت وكشفت على الجبل، كما لم تكن دقيقة، ما يعني أنّ هناك نقصًا في الخبرات. مشكلة النفايات يجب أن ننظر إليها ببعد أوسع وبمسارات عدة”.

وشرح بخاش لـ”أساس” عملية فرز النفايات ومراحلها، وصولًا إلى رميها وطمرها في الجبل. وفيها 3 أكبر فضائح برأيه:

1- الكنس والجمع: وتقوم بهما شركة “لافاجيت” التي انتهى عقدها منذ العام 2005 وفي كل مرة يتم التمديد لها، ولا يُبذل جهدٌ للذهاب إلى إجراء مناقصة كي يتم التلزيم بدفتر شروط جديد، من أجل فتح المجال أمام شركة جديدة. هذه الشركة التي يُدفع لها سنويًّا 13 مليون دولار، على الرغم من عدم التزامها بدفتر الشروط. نحن في السابق كمجلس بلدية طرابلس، قدّمنا شكوى ولم نجد الردّ.

2– معمل الفرز: تكمن فيه فضيحة الفضائح. هذا المعمل يفترض أن يُخلّص المدينة من أكثرمن 65% من النفايات ويحوّلها لأسمدة زراعية، وأقل من 35% فقط يجب أن تصل إلى المطمر. لكن للأسف الشديد، المعمل هو أكبر كذبة في التاريخ، لأنه في الحقيقة يقوم بفرز أقل من 5% ونسبة 95% تذهب إلى الجبل. كأعضاء في مجلس بلدية طرابلس، والميناء والقلمون، اجتمعنا وقدمنا شكوى إلى النيابة التمييزية المالية والقاضي علي إبراهيم، وأيضًا إلى مجلس الشورى ووزارة البيئة، محتواها أنّ معمل الفرز هو “كذبة” ولولا الضغوطات السياسية من مراجع كبيرة (رفض الكشف عن أسمائهم) لكان المعمل أقفل أبوابه منذ فترة طويلة.

3– جبل النفايات وهو المرحلة الأخيرة: هناك هِبة كويتية قيمتها 3 مليون دولار من حصة طرابلس، كان من الأجدى صرفها على مشروع إنمائي. مطمر النفايات الجديد لا يستوفي أدنى الشروط الصحية. وهناك قرار صدر عن وزير البيئة الأسبق طارق الخطيب، يحمل رقم 4781 بتاريح 19/10/2018 يطلب من مجلس الإنماء والإعمار إيقاف العمل بالمطر الجديد، لأنّه مخالف للمرسوم ولا يستوفي الشروط والقوانين البيئية.

وختم بخاش كلامه محمّلًا المسؤولية إلى عدد من الأطراف: “على رأسها مجلس الإنماء والإعمار، وزارة البيئة واتحاد بلديات الفيحاء، وبالطبع نواب المدينة، من عدم ناحية دفاعهم عن مدينة طرابلس، ولأنهم في الانتخابات النيابية الأخيرة كان أوّل البنود في برامجهم الانتخابية المطمر والنفايات”. ووجّه أصابع الاتهام أيضًا إلى صاحبة معمل الفرز، رانيا أبو مصلح، مشيرًا إلى وجود شكاوى عدّة بحقها، واتهمها بأنّها عملت على إنشاء معمل فرز في المنية وفشل، وهناك شكوى مرفوعة ضدها: “هي جزء أساسي من المشكلة ويجب محاكمتها، فكيف يتم ترشيحها لتولي حقيبة وزارية؟”.

“كلنا سوا إجرينا بالفلقة”، بهذه الكلمات يبدأ الخبير البيئي والمشرف على البيئة في اتحاد بلديات الفيحاء الدكتور جلال حلواني حواره مع “أساس”،: “إذا لم يحصل تكاتف وجهد مشترك والناس تخلّت عن الأنانية، فالجميع سيخسر. مشكلة النفايات نعانيها منذ العام 2005 ولو كنا نظرنا إلى الملف بعين علمية، لما وصلنا إلى ما نحن عليه”.

وأضاف: “عندما طرحت مشروعًا بيئيًّا ونموذجيًّا، هو استحداث مركز متكامل لإدارة النفايات بأحدث الطرق وأحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا الحديثة، وبأعلى المواصفات، تمّت محاربتي. وهذا المشروع كان بتمويل ودعم فرنسي. اليوم أيّ حلّ أو مشروع حديث لمشكلة النفايات، يحتاح في أدنى حدّ من سنتين إلى 3 سنوات لتنفيذه. وسابقًا قلت لرئيس بلدية طرابلس الدكتور رياض يمق، إنّكم ستضطرون لاتخاذ قرار بإطالة عمر المطمر الموقت الذي تم إنفاق 33 مليون دولار لإقامته”.

وشرح أنه يجب علينا التمييز بين المكبّ القديم، والمطمر الجديد الموقت. هذا المطمر الجديد هو مكوّن من 3 خلايا، بحسب حلواني:

الأولى: انتهت وأُقفلت وعمرها سنة. مع الإشارة إلى أنّ النفايات تحتاج إلى 5 سنوات حتى ينتهي مفعول تفاعلها.

الثانية: تقع قرب الخلية رقم 1 وهي قاربت على الامتلاء.

الثالثة: ما تزال فارغة.

إذا لم يحصل تكاتف وجهد مشترك والناس تخلّت عن الأنانية، فالجميع سيخسر. مشكلة النفايات نعانيها منذ العام 2005 ولو كنا نظرنا إلى الملف بعين علمية، لما وصلنا إلى ما نحن عليه

وأشار إلى أمر مهمّ لم يلاحظه الناس، وهو من حسنات جائحة كورونا والوضع الاقتصادي السيّء: “في السابق كنا نُنتج يوميًّا بين 400 إلى 425 طنًّا يوميًّا من النفايات، بينما اليوم اختلف الأمر وبتنا ننتج بين 350 و380 طنًّا يوميًّا، وبالتالي الخلية الثانية “ما فوّلت”. كان من المتوقع أن تنتهي ويتم إقفالها في آخر شباط، وما زال نملك شهرًا أو أكثر ربما، حتّى نستطيع القول إنّ الخلية رقم 2 أُقفلت وننتقل حينها إلى الخلية رقم 3. كل خلية يبلغ عمرها عامًا واحدًا، ما يعني أنّ السنة المقبلة تنتهي في آذار 2022، وحينها نكون قد وصلنا إلى الامتلاء الكامل، وحينها سنسمع الصرخات تعلو مجددًا مطالبةً بحلّ. لكنهم سيضطرون للعودة إلى بناء خلايا أخرى فوق الخلايا السابقة، وبالتالي سيرتفع جبل النفايات أكثر وأكثر”.

 

لكن ماذا عن الهبة الكويتية المخصّصة لمعمل الفرز؟

“المعمل بأكمله وطريقة عمله غير صالح، هذا ملفّ وعنوان للفساد، لأنّه أثبت فشله على المستويات كافة بالفرز والإنتاج. ومهما تدخل بعض الأطراف لتحسينه في الحقيقة هذه الأموال ستذهب هدرًا ومن دون جدوى، وسيحصل بالمعمل كما حصل في مشروع سدّ بريصا. لا حلّ إلا باستحداث مركز حديث لإدارة النفايات وفقًا لأحدث ما توصل إليه العلم”.

عضو بلدية طرابلس ورئيس لجنتها البيئية، محمد نور الأيوبي، تحدث عن أرقام انبعاث الغازات داخل المطمر القديم. لمعرفة خطر احتمال اشتعال غاز الميثان الناتج عن تخمير المخلفات العضوية: “بتاريخ 1 و16 من شهر أيلول 2020 توجه فنيّون من المكتب الهندسي “Management Of Resources And Environmental Solutions” إلى مكب اتحاد بلديات الفيحاء، مع الأجهزة التقنية، للحصول على قراءات توضح كمية الغازات المنبعثة. وقد غطت منطقة الدراسة المستهدفة آبار الغاز الثلاثة التي تم تركيبها داخل المنطقة الخاضعة للرقابة، كما تضمن قراءات سطحية حول الآبار ومنطقة مدخل الموقع”.

المعمل بأكمله وطريقة عمله غير صالح، هذا ملفّ وعنوان للفساد، لأنّه أثبت فشله على المستويات كافة بالفرز والإنتاج

يتابع الأيوبي: “يقع البئران الأول والثاني ضمن النفايات التي طُمِرَت قبل 10 سنوات، والبئر الثالث ضمن النفايات التي طُمرت قبل سنتين. تم أخذ القراءات مرتين، لفترة 3 دقائق لكل نقطة. للتأكد من دقة النتائج في 14 نقطة موزعة. كما أظهرت المستويات السطحية والمحيطة للميثان، أنها منخفضة حول جميع الآبار الثلاثة، وهي تقارب 0,04 %وأظهرت القراءات داخل عواميد الآبار الثلاثة، تشبّعها بثاني أوكسيد الكربون ومستويات عالية من الميثان، ومعدومة من الأوكسجين، ما يمنع حصول احتراق. وبالتالي هذه القراءات تُظهر أنّ مخاطر اندلاع حريق هي منخفضة”.

لا يوجد خطر داهم لاحتمال الاحتراق، لكنّ الخطر “أكبر من إسرائيل والإرهاب”، بحسب الدكتور باسم بخاش، والخطر سيتضاعف في الأشهر المقبلة مع امتلاء الخلية الثالثة، وطرابلس في عين النفايات.. وليست في عين الإرهاب.

إقرأ أيضاً: طرابلس تحضّر مرفأها بدل بيروت.. وخشية من “اليد الحزبية”

هل هناك مناقصة لتحويل المكب إلى محرقة؟

بحسب أستاذ الاقتصاد الجامعي والناشط السياسي الدكتور سامر حجار، فقد لُزّم مكب طرابلس لشركة “باتكو” فيما لُزّم الكنس والجمع لـ”لافاجيت”. و”باتكو” و”لافاجيت”، تملكها عائلة واحدة.

وكشف حجار لـ”أساس” عن توجّه لتحويل المكبّ إلى محرقة: “لكن لا شيء رسمي حتى اليوم، وشركة “باتكو” تستفيد جميع الأطراف السياسية منها دون أيّ استثناء”.

وختم أنّه “إذا تمت متابعة القضيّة لدى الجهات القضائية والرقابية فإنها ستطاول كل من الشركة المتعهدة والاستشاري الموكلة إليه مهمة متابعة سير الأعمال ومراقبة عمل المتعهد، إضافة إلى مجلس الإنماء والإعمار وكلّ من رئيس اتحاد بلديات الفيحاء ومحافظ الشمال، أقلّه بتهم الإهمال وعدم القيام بتنفيذ الشروط، التي قد تؤدي إلى كوارث مستقبلية في طرابلس”.

مواضيع ذات صلة

خشية غربيّة من جولة تصعيد جديدة

إذا لم تُثبت التطوّرات عكس ذلك، فإنّ الأوساط الدبلوماسية الغربية لا ترى في مسوّدة الاتّفاق الذي صاغة الموفد الأميركي آموس هوكستين وقدّمته السفيرة الأميركية لدى…

قيس عبيد: شبحُ مغنيّة الذي حملَ الجنسيّة الإسرائيليّة

منذ أن افتتحَت إسرائيل سلسلة اغتيالات القيادات العسكريّة للحزبِ في شهرَيْ حزيْران وتمّوز الماضيَيْن باغتيال قائد “قوّة الرّضوان” في جنوب لبنان وسام الطّويل وبعده قائد…

بين لاريجاني وليزا: الحرب مكَمْلة!

دخلت المرحلة الثانية من التوغّل البرّي جنوباً، التي أعلنها الجيش الإسرائيلي، شريكة أساسية في حياكة معالم تسوية وقف إطلاق النار التي لم تنضج بعد. “تكثيفٌ”…

هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد…