يحتفي “اليوم الدولي للمرأة” بدور النساء والفتيات في مختلف مجالات الحياة، وتقييم ودفع انتصار هؤلاء على القيود التي تحول دون صدارتهنّ للخطوط الأماميّة في القيادة.
وقد برزت في هذه السنة، لدى الأمم المتحدة، خصوصية “النساء ودورهنّ القيادي: تحقيق مستقبل متساوٍ في عالم يسوده جائحة كوفيد-19″، وقوفًا عند الجهود الهائلة التي تبذلها المرأة في تشكيل مستقبل يتمتع فيه العالم بالمساواة، ومساهمتها في التصدي للجائحة، ما قد يرمز إلى حرب يوميّة تخوضها المرأة في كل مكان حول العالم.
لكنّ السيدات في ميانمار تخضنَ “الحرب” بكلّ معنى الكلمة.
فهذه المقاتلة، بشجاعة قلّ نظيرها، تندفع بشعور عالٍ من المسؤولية والكرامة ورفض الخضوع. اختارت هذه السنة أن تقلب المعادلة التي كُرّست منذ عام 2017، إثر توالي الاغتصابات الممنهجة التي اتخذها الجيش النظامي في ميانمار “سلاح حرب”، فحملت هي السلاح ودخلت الحرب. اختارت أيضًا أن تقلب المعادلة التي جعلت انخراط الرجال يطغى على المجال العسكري المسلح، إن استثنينا ربما محطات في الحرب العالمية الثانية، وعند ظهور الإسلام منذ أكثر من 14 قرنًا.
ترتدي النساء الزيّ العسكري، وبعضهنّ تحملن بنادق، وفيما تتابع بعضهنّ الغناء في جوقة، تتابعن مسيرهنّ في تعرجات المناطق الحدودية الجبلية لولاية كاشين الشمالية في ميانمار
اليوم، تتدرب هؤلاء المجندات طوعيًّا للانضمام إلى صفوف جيش أراكان، وهو واحد من جماعات مسلحة عدّة تقاتل من أجل الحكم الذاتي وحقوق أكبر لمجتمعات الأقليات العرقيّة في ميانمار.
ولم تؤكد دائرة المعلومات في جيش أراكان عدد النساء في صفوفها، الذي يُقدّر بما لا يقلّ عن 7000 مجنّدة. وهنّ تتلقّينَ تدريبًا قتاليًّا، ويتم تكليفهنّ بشكل أساسي للعمل في الطبّ، أو إعدادهنّ للقيام بأدوار داعمة في الإدارة أو المحاسبة.
ترتدي النساء الزيّ العسكري، وبعضهنّ تحملن بنادق، وفيما تتابع بعضهنّ الغناء في جوقة، تتابعن مسيرهنّ في تعرجات المناطق الحدودية الجبلية لولاية كاشين الشمالية في ميانمار.
وحيث يكون صعبًا الوصول إلى معلومات موثوقة حول قصص هؤلاء السيدات، وسط تعتيم إعلامي لا تخفى خلفياته، هذه هي الصورة التي نقلها منذ أسابيع تحقيق في موقع “The New Humanitarian”. وقد جرى التعتيم على هوية الصحافي الذي أنزله، نظرًا لحساسية الملفّ.
ليس وجود المجندات أمرًا نادرًا بين المنظمات المسلحة في ميانمار. لكنّ أعدادهنّ آخذة في الارتفاع في جيش أراكان، الذي يستمد الدعم من سكان راخين، المعروفين أيضًا باسم الأراكان.
تشكّل جيش أراكان قبل عقد من الزمن، للمطالبة بالحكم الذاتي والمساواة والتنمية الاقتصادية في ولاية راخين، وهي واحدة من أفقر ولايات ميانمار.
وتقول منظمات المجتمع المدني إنّ العنف المتصاعد والانتهاكات العسكرية، ونقص الوظائف في راخين الفقيرة، يدفع المزيد من النساء إلى الانضمام للجيش الجديد. فالنساء والأطفال هم الأكثر معاناةً بسبب القتال، إذ يعيش عشرات الآلاف في مخيمات نزوح غير ملائمة، من دون أمان جسدي ونفسيّ وصحي. وليس من المستغرب اليوم أن يؤدي نقص فرص العمل والفقر المدقع أيضًا، إلى دفع الشابات للانضمام إلى الجماعات المتمرّدة.
لهؤلاء السيدات في يوم المرأة الدولي، تحية على ما يقدّمنَه للعالم من مثال نابض بالكرامة، ومن فعل مواجهة يبحث تحت عين الشمس عن حلّ للوصول إلى بديهيات الأمن والغذاء والطبابة، في بلاد لديها مشكلة مع الهويّة، وعالم أضاع بوصلة أولوياته
وتقول جماعات المجتمع المدني المحلية، إنّ العديد من المدنيين في راخين يعتقدون بشكل متزايد أنّ الجماعات المسلحة، من المرجح أن تحقّق التغيير أكثر من النظام السياسي الذي تهيمن عليه أغلبية سكان بامار في ميانمار.
وتستنتج سو سان نيين ثو، رئيسة منظمة مبادرة نساء راخين، أنّ النساء تنضممنَ إلى جيش أراكان لأنهنّ شهدنَ مقتل أفراد من أسرهنّ في الاشتباكات، أو تعرّضن للحرمان في مخيمات النزوح.
وقالت ثازين هتوي (21 سنة) وهي إحدى المجندات في جيش أراكان، إنّ “الجيش يستخدم أسلحة ثقيلة ويطلق النار عشوائيًّا على القرى، ويقتل مدنيين عمدًا ويعذّب القرويين. وأنا انضممت إلى جيشنا العرقي لأنّني لا أشعر بالأمان في العيش في قريتي، وأريد حماية نفسي وشعبنا”.
وتقع ساحات معارك جيش أراكان على بعد مئات الكيلومترات في ولاية راخين، لكنّ مقرّه الرئيسي يقع في جبال كاشين، بالقرب من الحدود الصينية. والجيش هو جزء من تحالف مع جيش استقلال كاشين، وهي جماعة مسلحة أخرى تقاتل في صراع منفصل ضدّ جيش ميانمار.
في العام الماضي، كانت المجندة ثازين هتوي، واحدة من المجندات اللواتي قُمنَ برحلة تستغرق أيامًا من بلدتها، وانخرطت في التدريب مع مجندات أخريات على طول الخنادق. وهنّ تتسلّقن الحبل وتخضعن للتدريب على الأسلحة. وقد أبقتها قيود السفر بسبب فيروس كورونا هي والمجندات الأخريات في المخيم المعزول طوال عام 2020، لكنها لم تستسلم للصعاب، وعبّرت في المقال المذكور عن طموحها في دخول مفاوضات السلام التي تبقى الأمل الوحيد لاستتباب الأمن على مستوى البلاد، وتحسين أوضاع النازحين في راخين، بما يليق بكرامة الإنسان.
ومع ذلك، فإنّ الجماعات العرقية المسلّحة تضم عمومًا عددًا أكبر من النساء مقارنة بالجيش الذي يهيمن عليه الذكور، في محادثات السلام على مستوى البلاد، والتي تُستعاد بشكل متقطّع منذ عام 2016.
وقد توقفت عملية السلام هذه إلى حدّ كبير منذ أن جعلت الزعيمة الفعلية لميانمار، أونغ سان سو كي، المصالحة أولوية بعد فوزها في الانتخابات في عام 2015. فاز حزبها بأغلبية ساحقة في انتخابات تشرين الثاني، على الرغم من حصول أحزاب الأقليات العرقية الأصغر، على مقاعد في بعض المناطق، بما في ذلك راخين.
قد يكون الموقف الأخلاقي من الحروب العرقية محطّ جدل واسع، لكنّ الثابت في قصّة مجنّدات راخين الملقاة في الظل، هو قيم الشّجاعة، والانتفاض للكرامة، ضدّ اغتصاب الأرض والمرأة والحقّ، ورفضهنّ الخضوع لأيّ حاجز جندريّ أو نفسي.
إقرأ أيضاً: أميركا “السوفياتية”: متعدّدو الأعراق هزّوا عرش “البيض”
لهؤلاء السيدات في يوم المرأة الدولي، تحية على ما يقدّمنَه للعالم من مثال نابض بالكرامة، ومن فعل مواجهة يبحث تحت عين الشمس عن حلّ للوصول إلى بديهيات الأمن والغذاء والطبابة، في بلاد لديها مشكلة مع الهويّة، وعالم أضاع بوصلة أولوياته.