منذ أعلن البطريرك بشارة الراعي في 27 شباط أمام الآلوف المحتشدة في بكركي، تمسّكه بحياد لبنان وبطرح قضية لبنان في مؤتمر دولي، كان من المتوقّع أن يسعى حزب الله إلى التحرّك بطريقة من الطرق باتجاه البطريركية المارونية.
فالحزب لا يمكنه أن يعتبر حدث السابع والعشرين من شباط عابرًا وهامشيًّا. ولعلّ ما يزيد من اضطرار الحزب إلى استدراك هذا الأمر، هو عدم استعداده في هذه اللحظة السياسية الدقيقة محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا، للقبول بتوسّع هوامش الاعتراض المسيحي عليه.
لذلك فإنّ استعجال استئناف اجتماعات لجنة الحوار بين البطريركية المارونية وحزب الله، بعدما كانت شبه معطّلة طيلة الفترة الماضية، يعكس بالدرجة الأولى استعجال حارة حريك للحوار مع بكركي وليس العكس.
فقصر الوقت الفاصل بين خطاب البطريرك أمام الحشود، وانعقاد الاجتماع المذكور، يدلّ على حرص الحزب على احتواء الدينامية السياسية والشعبية الجديدة للبطريركية المارونية، أكثر منه على الحوار معها على النقاط التي اعترض عليها الحزب في الخطاب البطريركي.
الحزب لم يرسل وفدًا للقاء البطريرك الراعي في الصرح البطريركي كما كانت قد أشاعت أوساط قريبة منه عقب حدث 27 شباط. إذ لا يمكن للقاء كهذا، أن يقتصر على الشكليات الحوارية، بل سيتمّ التطرّق فيه إلى النقاط السياسية التي أثارها البطريرك، والتي يعترض عليها حزب الله
وهذه الاستراتيجية التي يعتمدها الحزب في العلاقة الراهنة مع بكركي، يؤكّدها معطيان:
الأوّل: أنّ الحزب لم يرسل وفدًا للقاء البطريرك الراعي في الصرح البطريركي كما كانت قد أشاعت أوساط قريبة منه عقب حدث 27 شباط. إذ لا يمكن للقاء كهذا، أن يقتصر على الشكليات الحوارية، بل سيتمّ التطرّق فيه إلى النقاط السياسية التي أثارها البطريرك، والتي يعترض عليها حزب الله. ما يعني أنّ الحزب سيضطرّ إلى إطلاق موقف رسمي وعلني بشأنها، وهو أمرٌ يتجنّبه لكي لا يثبّت خلافه مع الصرح البطريركي، وبالتالي عوض أن ينجح في احتواء الأزمة يكون قد فاقمها.
والثاني: أنّ ما رشح حتّى الآن عن أجواء اجتماع لجنة الحوار بين الحزب وبكركي اليوم الثلاثاء، يوحي بأنّ هذا الاجتماع هو بلا جدول أعمال واضح.
فالمير حارس شهاب، أحد العضوين الممثّلين للصرح البطريركي في هذه اللجنة (إضافة إلى المطران سمير مظلوم)، يقول لـ”أساس” إنّ “الاجتماع المزمع عقده ليس لطمأنة حزب الله أو إيجاد حلول للأزمة، بل مجرّد لقاء لنرى ماذا يمكن أن نفعله سويًّا في ظلّ هذه الظروف الحرجة التي نمرّ بها، والتي تحتّم تكثيف اللقاءات بين شرائح المجتمع”.
وعن المواضيع التي سيتناولها البحث يقول شهاب: “كلّ المواضيع التي تسبّب القلق على المستوى الشعبي، بالتأكيد ليس المواضيع التقنية المالية، ولكنّ السعي هو لتنقية الجوّ العام لتسهيل الحلول”.
ويضيف: “الهدف من اللقاء وضع خريطة طريق، وضع مبادئ عامة حول ما يمكن وما لا يمكن بحثه، مع العلم أنّه ليس هناك فيتو على أيّ موضوع. سنجلس معًا ونتحدّث، ولا أستطيع قول أيّ شيء عن نتائج الاجتماع قبل حصوله، فالأمور مرهونة بمواقيتها”.
ومن الواضح من كلام شهاب أنّه لم تحدّد نقاط سياسيّة رئيسية لبحثها في الاجتماع المرتقب، وهذا يدلّ على هدف الحزب منه، أي امتصاص الأزمة الناشئة بينه وبين الصرح البطريركي ومنع تفاقمها.
الخازن لا ينفي إمكان طرح موضوعَيْ الحياد والمؤتمر الدولي خلال الاجتماع، لكنّه يؤكّد أنّ البطريرك منفتح على الاقتراحات كافة لحلّ الأزمة، و”هو إذا وجد أيّ مقترح صالح للخروج من المأزق الحالي، فهو مستعدّ للسير به”
من جهته يقول لـ”أساس” النائب فريد الخازن الذي مهّد لاستئناف الاتصالات بين الجانبين، إنّ “البحث سيتركّز حول كيفية الخروج من الأزمة من خلال برنامج يبدأ أولًا بتشكيل حكومة مهمّة تلبّي المبادرة الفرنسية، بما يجعل الدول المانحة مستعدة لدعم لبنان، وإلّا فإننا مقبلون على انفجار اجتماعي خطير”.
الخازن لا ينفي إمكان طرح موضوعَيْ الحياد والمؤتمر الدولي خلال الاجتماع، لكنّه يؤكّد أنّ البطريرك منفتح على الاقتراحات كافة لحلّ الأزمة، و”هو إذا وجد أيّ مقترح صالح للخروج من المأزق الحالي، فهو مستعدّ للسير به”.
بالنسبة للنائب الخازن، فإنّ البطريرك يتمنّى لو أنّه يمكن الوصول إلى حلّ داخلي للأزمة، من دون اللجوء إلى المطالبة بعقد مؤتمر دولي لدعم لبنان، لكنّه طالب بذلك بسبب تعذّر هذا الحلّ الداخلي: “موقف بكركي وطني وحريص على إنقاذ لبنان وفق الثوابت اللبنانية المتمثلة بالدستور والميثاق، ولذلك فهو ليس خصمًا لأيّ طرف لكنّه يريد خلاص البلد وشعبه بعدما بات مصيرهما مهدّدًا”.
ولعلّ وساطة الخازن لاستئناف اجتماعات لجنة الحوار المشتركة بين حزب الله والبطريركية المارونية، تطرح تساؤلات حول إمكانات هذه اللجنة المؤلفة في ظروف مختلفة تمامًا منذ 25 سنة، لوضع أسس متينة لحوار بين الجانبين حول عناوين سياسية كبرى تتمحور حول مستقبل لبنان السياسي والاقتصادي الاجتماعي. وهو ما يحيل إلى سؤال آخر: “أليس جعل الحوار بين بكركي وحارة حريك على مستوى هذه اللجنة، دليلًا إلى سقفه المتوخّى ومن قبل الحزب تحديدًا؟”.
في السياق ذاته ترى أوساط سياسيّة مسيحية، أنّ مشهد بكركي في 27 شباط جعل حزب الله يدرك أنّ المظلّة المسيحية التي يؤمّنها له الرئيس ميشال عون وتياره السياسي، ما عادت تكفي، ولذلك فإنّ الحزب مضطّر إلى إيلاء اهتمام كبير للدينامية البطريركية الجديدة، لكي لا تنعكس ضدّه سياسيًّا وشعبيًّا. مع إشارة هذه الأوساط إلى أنّ زيارة البابا إلى العراق عكست الاستراتيجية الفاتيكانية لانفتاح مسيحيي المنطقة على كلّ شرائحها الاجتماعية، وبالتالي فإنّ أيّ ثنائيات طائفية يكون المسيحيون جزءًا منها، هي مخالفة للطرح البابوي، وهذا ينعكس على آفاق حوار بين البطريركية المارونية وحزب الله، برأي الأوساط عينها.
وإذا كان رئيس المجلس الكاثوليكي للإعلام الأب عبدو أبو كسم يشير لـ “أساس” إلى إيجابية لقاء الثلاثاء، إذ إنّه يعكس استعدادًا للحوار من جانب حزب الله عوض المقاطعة، فإنّه من المبكّر جدًّا التكهّن بمآلات هذا الحوار، لاسيّما وأنّ البطريرك أعاد التركيز في عظته الأحد الماضي، على أننا لسنا في أزمة نظام، بل إنّ الأزمة سببها عدم تطبيق الدستور. ذلك الدستور الذي اعتبر البطريرك في خطابه في 27 الشهر الماضي، أنّ ثمّة انقلابًا داخليًّا عليه، وهو كلام فُسّر على أنّه موّجه للحزب. كذلك فإنّ اتّساع التأييد السياسي والشعبي للطرح البطريركي، يجعل الراعي حريصًا على انسجام أيّ حوار مع الحزب مع العناوين الوطنية التي طرحها في عظاته منذ تموز الماضي.
إقرأ أيضاً: ثقافتان لا تلتقيان… البطريرك والحزب
ولذلك فإنّه لا يمكن القول إنّ الحوار الجِدّي بين الحزب والبطريركية، قد انطلق بمجرّد حصول اللقاء الثلثاء، خصوصًا أنّ الحزب لم يتقدّم بطرح سياسي يضع فيه نقاط خلافه والتقائه مع الطرح البطريركي، كمقدّمة لهذا الحوار.