ما هي خطّة الحزب لإجهاض تحرّك الراعي؟

مدة القراءة 5 د

إنها المواجهة الجِدّية الأولى التي واجهها حزب الله منذ فترة طويلة. إذ لم يكن الحزب يتوقع أن تخرج بكركي بصرخة الحق، حفاظًا على لبنان الدولة والكيان والدستور والطائف، ورفض لبنان الساحة. صرخة البطريرك أكبر تهديد لحزب الله ومشروعه وانتفاضة على حالة التطبيع مع الواقع الاستسلامي.

ما جرى في بكركي يوم 27 شباط 2021، هو إعلان صريح عن كسر حلقة التحالف الشيعي الماروني، مع ما يعنيه ذلك من تطويق للتيار الوطني الحرّ ولرئيس الجمهورية ميشال عون، الذي دخل إلى هذا التحالف، لحسابات سياسية شخصيّة، أزهقت حقوق المسيحيين وكل مكتسباتهم في بنية النظام اللبناني، وحقوق كل اللبنانيين معهم. ولن يستسهل حزب الله التعامل مع هذا التطور، على الرغم من أنه يحاول ان يبقى بمنأًى عنه، أو أن يبتعد عن الدخول في مواجهة مباشرة.

لا يترك الحزب فرصة إلا ويبحث من خلالها عن كيفية إجهاض التحرك، وتخويف اللبنانيين لمنعهم من التحلق حول الراعي. يستخدم حزب الله ثلاث طرق لضرب التحرك:

أولًا، من خلال دفع بعض المحسوبين عليه سياسيًّا و”إلكترونيًّا وشعبيًّا” إلى شنّ هجوم على مواقف البطريرك ووصفها بأنها خيانة أو تفريط بالحقوق اللبنانية، وانقلاب على الحزب واستهداف للشيعة.

ثانيًا، يعمل حزب الله على الوقوف خلف التيار الوطني الحرّ، من خلال إرسال رسائل الدعم والتأكيد على تعزيز الشراكة بين الطرفين، لأنهما بحاجة إلى بعضهما البعض في هذه المرحلة. فكما يستهدف خطاب بكركي الحزب، كذلك يتسبب الخطاب نفسه بإضعاف رئيس الجمهورية وتياره مسيحيًّا. كذلك يعمل الحزب على ترك التيار الوطني الحرّ بتمثيله المسيحيّ في مقدمة مواجهة مشروع البطريركية المارونية، إما لجهة الدفاع عن رئيس الجمهورية وموقعه، وإما من خلال تجويف التحرك الوطني وتحريف مضمونه، وصولًا إلى محاولة حشره بافتعال معركة الدفاع عن حقوق المسيحيين، بالاستناد إلى الرسالة التي بعثها التيار إلى البابا فرنسيس.

لا يترك الحزب فرصة إلا ويبحث من خلالها عن كيفية إجهاض التحرك، وتخويف اللبنانيين لمنعهم من التحلق حول الراعي. يستخدم حزب الله ثلاث طرق لضرب التحرك

ثالثًا، سارع حزب الله إلى تحريك سلسلة اتصالات وتواصل مع البطريركية المارونية، قبل 27 شباط، وبعده. جرت الاتصالات على ثلاثة خطوط أيضًا:

– الخط الأوّل من خلال زيارة اللواء عباس إبراهيم ولقائه مع البطريرك وبحسب ما تؤكد المعلومات فقد اقترح عليه تخفيف اللهجة ضد حزب الله، وعدم إطلاق مواقف ضدّ رئيس الجمهورية أو من شأنها أن تخلق نزاعًا مسيحيًّا – مسيحيًّا.

– الخط الثاني، عبر رئيس تيار المردة سليمان فرنجية والنائب فريد هيكل الخازن، الذي بدأ بإجراء اتصالات بين الطرفين، لتهدئة الأجواء، وتخفيف التوتر وإيجاد نقاط مشتركة، تمهيدًا لحصول لقاء بين الطرفين، بعد تبادل أسئلة وإجابات غير مباشرة بينهما.

– أما الخط الثالث، فمن خلال إحياء لجنة الحوار التي شُكّلت سابقًا بين البطريركية المارونية وحارة حريك. إذ اتصل رئيس بلدية الغبيري السابق أبو سعيد الخنساء، وهو عضو في لجنة الحوار عن حزب الله، بالأمير حارث شهاب عضو لجنة الحوار عن بكركي، في محاولة أيضًا لفتح خطوط التواصل والتمهيد لعقد لقاء في المرحلة المقبلة بين الطرفين، ولعدم أخذ الموقف إلى أبعاد انقسامية.

يريد حزب الله بأيّ طريقة إجهاض حركة البطريرك، ووقف الاندفاعة التي مثّلها ولاقت قبولًا شعبيًّا وسياسيًّا واسعًا على الساحة اللبنانية، بالإمكان البناء عليها لتغيير الجوّ السياسي كله في البلد، وصولًا إلى تغيير دفّة الميزان.

نجح حزب الله أيضًا في تطويع وتخويف كل القوى السياسية التي كان بإمكانها إعلان الدعم المباشر للراعي، وعدم تركه وحيدًا، وعدم تصوير حركته بأنّها حركة مسيحية ضدّ حزب الله أو الشيعة. بل كان بالإمكان إيجاد جوّ وطني يحتضن تحرك الراعي، والاستفادة من صمت الرئيس نبيه بري الذي لم يعلن معارضته لتحرك البطريرك.

يريد حزب الله بأيّ طريقة إجهاض حركة البطريرك، ووقف الاندفاعة التي مثّلها ولاقت قبولًا شعبيًّا وسياسيًّا واسعًا على الساحة اللبنانية، بالإمكان البناء عليها لتغيير الجوّ السياسي كله في البلد، وصولًا إلى تغيير دفّة الميزان

لكنّ بعض القوى السياسية تعاطت بحذر أو بتأخّر عن جوهر موقف البطريرك، كما هو الحال بالنسبة إلى تيار المستقبل، الذي جال على المرجعيات من دون موقف واضح يتماهى مع موقف الراعي، على الرغم من إعلان التأييد بخجل. لا سيما وأنّه تم ربط مسألة الحياد بإعلان بعبدا. الإعلان الذي وافق عليه حزب الله ونكث به. وهذا دليل على عدم رغبة المستقبل في استفزاز الحزب، بينما تجربة الحوارات السابقة معه غير مشجّعة، منذ حوار العام 2006 قبل حرب تموز، وجلسات التشاور بعد حرب تموز، إلى اتفاق الدوحة، والسين سين، وإعلان بعبدا في عهد الرئيس ميشال سليمان، إلى الحوار مجددًا في عين التينة في العام 2015.

إقرأ أيضاً: الراعي وكلمته الوطنية: الحياد يبني الدولة

وبمراجعة بيان “كتلة المستقبل” على باب بكركي يتبين أنّه لم يتضمّن التمسّك باتفاق الطائف. فضلًا عن الزيارة إلى بكركي هي من ضمن جولة على القيادات الروحية، تجنّبًا لتفسير الزيارة الأولى بأنّها دعم لمواقف البطريرك الراعي.

سيستمر حزب الله بكل مساعيه في محاولة إجهاض تحرك البطريرك، وهو الذي لم يكن يتوقع بعد كل الحملات الدعائية التي قام بها منذ سنوات، بأنّه حامي المسيحيين، أن يحصل الانقلاب عليه بهذا الشكل، بعد اكتشاف ملموس من قبل المسيحيين أنفسهم، بأنّ مشروع الحزب يتناقض مع مشروع لبنان الدولة التي صنعوها.

يستخدم الحزب عدّة سياسية متكاملة تقوم على منظومة ترتبط به من كل الطوائف، هدفها تحوير الأنظار والاهتمام عن مبادرة البطريرك، بإدخالها في خلافات وانقسامات متعدّدة الاتجاهات. هذا ما يجدر الانتباه إليه، ومواجهته بتعزيز الصلة مع بكركي، من خلال إرساء مشروع وطني كامل متكامل يعيد الاعتبار لمبدأ إحياء الدولة.

 

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…