لا أحد في طرابلس يريد أن يحوّل المعركة بين محافظ الشمال رمزي نهرا وبين رئيس بلدية طرابلس رياض يمق إلى مواجهة سياسيةٍ وطائفية. برأي خصومه، إنّها قصّة محافظ لم يترك لمبرّرات بقائه في السراي “مطرح”. وها هي الدعوات لاستقالته تكبر ككرة الثلج وطرف خيطها بدأ منذ سنوات.
أمّا التحقيق الذي فتحته وزارة الداخلية في “إشكال السراي” بتوجيهات من رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، فيُفترض أن يقود إلى نتيجة مع إعلان الأخير “ضرورة اتّخاذ العقوبات المسلكية المناسبة في ضوء نتائج التحقيق، الذي يجب أن يكون سريعًا وشفّافًا”. وأمس أحال الوزير محمد فهمي التحقيق إلى التفتيش المركزي.
موضوع التحقيق في ملابسات ما حدث يوم الأربعاء بين نهرا ويمق هو ملابسات ما جرى حين استدعى المحافظ رئيسَ البلدية للتحقيق معه في شأن أحداث طرابلس الأخيرة، ثم منعه من الخروج من مكتبه قبل تسليم هاتفه الذي استخدمه لتصوير محضر التحقيق. هذه هي “النقطة” التي فوّرت كوبَ المآخذ المتراكمة على المحافظ “غير المُحافِظ” على الشمال، بحسب وجهاء المدينة وأهلها.
وتدعو مرجعية بارزة “وزير الداخلية إلى أن يضع ضوابط للقضية من خلال إعطاء نهرا إجازة إلزامية لتفادي التوتر والحفاظ على الهدوء في مدينة طربلس”.
التحقيق الذي فتحته وزارة الداخلية في “إشكال السراي” بتوجيهات من رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، فيُفترض أن يقود إلى نتيجة مع إعلان الأخير “ضرورة اتّخاذ العقوبات المسلكية المناسبة في ضوء نتائج التحقيق، الذي يجب أن يكون سريعًا وشفّافًا”
وأمس توسّعت رقعة المطالبات “بوضع حدٍ” لنهرا مع دعوة نشطاء، وتحت شعار “معًا لإسقاط رمز الفساد”، إلى التظاهر بشكل رمزي أمام السراي، بالتزامن مع خطبة الشيخ بلال بارودي التي طالبت بـ”المحاسبة”، خلال صلاة الجمعة في مسجد أبي بكر الصديق المقابل لسرايا طرابلس، وبحضور رئيس البلدية وفعاليات وعلماء المدينة وحشد شعبي.
كما صدرت بيانات متعدّدة ندّدت بالمحافظ، منها بيان “المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى” في طرابلس والشمال، وبيان شديد اللهجة عن “الجماعة الإسلامية”، في رسالة واضحة: “إحزم أمتعتَك، وشمِّع خيطك، وانسحب سريعًا قبل أن يطالك غضبُ المدينة وأهلها”.
وعلى سيرة “غضب الأهالي” كشفت معلومات مؤخّرًا أنّ أحد الأسباب الرئيسة لإصرار المحتجّين خلال أحداث طرابلس على اقتحام السراي، كان هدفه الوصول إلى مكتب محافظ الشمال كرّدة فعل على ممارساته المتسلّطة، بحسب تأكيد مصادر طرابلسية.
يَسرد خصوم محافظ الشمال مسارًا طويلًا من “ارتكابات القاضي” توّجها بمجاهرته الفاقعة وغير المقبولة بهويّته العونية وولائه لجبران باسيل. فرَصدُ محافظ الشمال وسط تظاهرة مؤيّدة لرئيس التيار في البترون ليس أمرًا عاديًّا، ربطًا بحساسية المنصب ومتطلّبات واجباته الوظيفية التي تفرض حياديّته.
ومن هنا تكرّ السبحة. في الجانب الشخصي يتصرّف نهرا بفوقية وشراسة واستعلاء وصولًا إلى “التعنيف” اللفظي والجسدي. ومن أحد “ضحاياه” مدير الوكالة الوطنية للإعلام في طرابلس الصحافي عبد الكريم فيّاض.
ولناحية الأداء، وفق الخصوم، ملفّات فساد مرفوعة بوجه المحافظ، منها التواطوء مع بعض أصحاب مولّدات الكهرباء في الشمال وأخذ “الخوّات” منهم، ومنها أنّه نسج شبكة مصالح في الشمال، وأدخل النفايات إلى مكبّ طرابلس القديم تحت جَنح الليل، وغطّى مخالفات كثيرة. ومن تلك المخالفات الفاضحة، كما يقول هؤلاء، إعطاء رخصة لشركة Wilco عام 2019 لإنشاء مزارع دواجن في كفريا (زغرتا) غير مستوفية للشروط القانونية، وتقع في منطقة أثرية. ثم اضطرّ أن يطلب من الشركة وقف أعمالها تحت ضغط الأهالي ووزارتيّ الصحّة والداخلية.
ويقول متابعون إنّ المحافظ كان “تحت السيطرة” بعيد تعيين نهاد المشنوق وزيرًا للداخلية، ثم ما لبث أن تمادى في ممارساته إبّان ولاية ريّا الحسن وصولًا إلى مشاركته في تظاهرة حزبية، ما دفعها الى إصدار قرارٍ تأديبي بحقّه، وأبقى على تفلّته من الضوابط حتّى الوقت الراهن.
في الجانب الشخصي يتصرّف نهرا بفوقية وشراسة واستعلاء وصولًا إلى “التعنيف” اللفظي والجسدي. ومن أحد “ضحاياه” مدير الوكالة الوطنية للإعلام في طرابلس الصحافي عبد الكريم فيّاض
وينسب خصوم نهرا له استخدام صلاحياته بشكل سيّء، ومن ضمنها موكبه المضخّم… وقد تقاعس عن الحضور إلى السراي خلال أحداث طرابلس وغاب عن السمع.
عام 2014 عُيّن القاضي رمزي نهرا محافظًا للشمال من حصّة جبران باسيل. ويعترف قريبون من نائب البترون: “يومها كان نهرا، القاضي في ديوان المحاسبة، من الأفضل للتأهّل لشغل منصب محافظ الشمال من ضمن الأسماء الكاثوليكية آنذاك. وقد يكون أخطأ أحيانًا. فإشهار هُويّته السياسية ليس أمرًا مقبولًا، ولم يكن مطلوبًا منه ذلك. فالمركز هو لتقديم الخدمة للناس وليس للتحدّي. لكنّ المحافظ يتعرّض اليوم لحملة سياسية مركّزة وقد يكون يدفع ضريبة العهد، وضريبة جبران وضريبة التيار الوطني الحرّ، مع العلم أنّه مناصر وليس حزبيًّا”.
وفق المعلومات، فقد أصدرت قاضي التحقيق الأوّل في الشمال القاضية سمرندا نصار منذ نحو أسبوع، قرارًا ظنّيًا بجرم الإهمال بحقّ عشرة أشخاص في بلدية الميناء، في ملفّ اختلاس أموال عامة يعود إلى عام 2018 بقيمة مليارين و500 مليون ليرة (يساوي آنذاك مليون و600 ألف دولار).
إقرأ أيضاً: فعاليات طرابلس لنهرا: إرحل عن مدينتنا
هذا الملفّ، برأي مصادر باسيل، لم يُفتح إلّا حين استلم المحافظ نهرا بلدية الميناء في حزيران 2020 بعد حلّها إثر استقالة أعضائها. وقد يكون هذا القرار هو ما سرّع بتأجيج الحملة ضد نهرا.
ويقول المدافعون عن نهرا: “لكلّ من يسأل عن الغطاء السياسي العوني الممنوح لمحافظ الشمال: هذا الغطاء يُرفع في حالة واحدة فقط، حين تثبت إدانته قضائيًّا في التُهم المنسوبة اليه. هناك أجهزة تفتيش ورقابة وقضاء والنيابات العامة. فليتقدّموا بإخبار ضدّه ولننتظر النتيجة”.
ويتسلّح الباسيليون بواقع أنّ نهرا قد صرّح عن أمواله “ويمكن بقصاصة ورق إدانته إن كان فعلًا مُرتكبًا”. ويؤكّدون أنّه “كقاضٍ سابق في مجلس الشورى، لا يقف سوى عند نصوص القانون”، معترفين بأنّ “شخصيته جامدة وهو متمرّس بالقوانين. يتعاطى مع الملفّات ليس من منطلق الشعبوية، ولذلك هو ليس شعبيًّا.