“الوطن ليس لمن يسكن فيه أو يحمل جنسيَّته، بل لمن يدافع عنه ويحميه”
بشار الأسد، 26 تمُّوز 2015
في الثاني من نيسان لسنة 2018، أصدر نظام الأسد القانون رقم 10 الذي يسمح له بمصادرة أملاك السوريين في المناطق التي تمَّ تهجير سكَّانها (يُلزم القانون مالكي العقارات بتقديم ما يُثبت ملكيّتهم في غضون 30 يومًا فقط، وإلّا فإنهم سيخسرون ملكيّة هذه العقارات لصالح الدولة – تمَّ تمديد فترة السماح إلى سنةٍ بعد الضجَّة العالميّة التي أحدثها صدور القانون، الذي يعني ببساطةٍ مصادرة الأسد لجميع العقارات في المناطق المناهضة له).
وفي السابع عشر من شباط لسنة 2021، أجرى ما يُسمَّى “مجلس الشعب” تعديلًا، أشبه بالانقلاب، على موادّ القانون رقم 11 لعام 2011، يُلغي القيود التي كانت تمنع الأجنبي من تملُّك أكثر من شقَّة سكنية للعائلة الواحدة (في مذكّرتها الاحتجاجية، لاحظت “هيئة القانونيّين السوريّين”، التي تضمُّ قضاةً ومحامين ومستشارين قانونيين انشقُّوا عن نظام الأسد، بأنَّ التعديل المذكور تزامنَ مع إعلان محافظة دمشق عن القيمة التقديرية للعقارات التي تمَّ الاستيلاء عليها في مناطق المزَّة، وخلف الرازي، وداريَّا وكفرسوسة والقدم ومخيَّم اليرموك، وجنوب دمشق والغوطة الشرقية والقابون، وبعض أحياء دمشق القديمة، حيث تمَّ تقدير القيمة المالية في المناطق المذكورة، بأسعار بخسة لا تتجاوز العشرة دولارات للمتر الواحد، في حين أنَّ سعره الحقيقي يتراوح ما بين 5000 و8000 دولار!).
إذا كانت “منظمة العفو الدولية” قد نظرت إلى القانون رقم 10 باعتباره أداةً لإعادة “هندسة المجتمع” في سوريا، فإنَّ النظرة ذاتها يصحُّ اعتمادُها في توصيف القانون رقم 11 المعدَّل، والذي لا يعدو كونه نصف الوجه المكمِّل للقانون رقم 10
إنَّ الدور الذي يُراد للقانونَيْن المذكورَيْن، رقم 10 ورقم 11 المعدَّل، أن يلعباه، هو دور طرفَيْ الكمَّاشة في عملية استكمال كسر الديموغرافيا السورية. فقانون يسلب السوريين ممتلكاتهم، وآخر يسمح للإيرانيين بالسطو عليها بأثمانٍ زهيدة.
وإذا كانت “منظمة العفو الدولية” قد نظرت إلى القانون رقم 10 باعتباره أداةً لإعادة “هندسة المجتمع” في سوريا، فإنَّ النظرة ذاتها يصحُّ اعتمادُها في توصيف القانون رقم 11 المعدَّل، والذي لا يعدو كونه نصف الوجه المكمِّل للقانون رقم 10.
ولا يخفى على متابعٍ أن هذين القانونَيْن جاءا بمثابة تتويج لسلسلةٍ كاملةٍ من القوانين والمراسيم التي أصدرها النظام، منذ مطلع الثورة، بغرض قَوْنَنة عملية التغيير الديموغرافي؛ من قانون مكافحة الإرهاب رقم 19 لسنة 2012 الذي تُعطي المادَّة الحادية عشرة منه، الحقَّ للنائب العام بتجميد الأموال المنقولة وغير المنقولة لمرتكبي جرائم الإرهاب، التي ليست هنا سوى معارضة النظام، إلى المرسوم رقم 66 لسنة 2012 الذي يقضي بإحداث منطقتَيْن تنظيميّتَيْن في مناطق المخالفات والعشوائيات في محافظة دمشق، ولكنه في جوهره يهدف إلى إنجاز عملية توزيع سكَّاني جديد، وغير ذلك من القوانين والمراسيم التي تصبُّ في السياق ذاته.
أخبارُ استغلال التعديل الجديد في القانون رقم 11، عبر الاستيلاء على مناطق مهجَّرة بكاملها لتوطين عوائل عناصر الميليشيات الإيرانية المستجلبة من لبنان والعراق وأفغانستان وباكستان وإيران، بدأت بالتواتر.
تقريرٌ جديدٌ، نشره موقع “زمان الوصل”، يتحدَّث عن كيفية استغلال ميليشيا “حزب الله” للنسخة المعدَّلة من القانون رقم 11 من أجل الاستيلاء، قانونيًّا، على ممتلكات النازحين في ريف حلب الشمالي. بلدة عندان، التي سبق للميليشيا اللبنانية أن نهبتها وأحرقت الكثير من منازلها بعد احتلالها، تنتقل ملكية عقاراتها هذه الأيام إلى عناصر الميليشيا وعائلاتها.
إنَّ الفتوى التي أطلقها المدعو “الشيخ عبد المطَّلب”، مطلع العام 2020 بعد سقوط عندان في يد “حزب الله” وبقية الميليشيات، والتي اعتبرت المنازل في عندان “غنيمةً” بزعم أنّ “أصحابها باعوا الوطن لتركيا”… أقول إنَّ هذه الفتوى تحوَّلت، بتوقيع بشار الأسد، إلى قانون رسمي!
التغيير الديموغرافي الذي حصل بالأمس بقوَّة السلاح، يتمُّ تكريسه اليوم بقوَّة القانون.
“المجتمع المتجانس” الذي تحدَّث عنه بشار الأسد قبل سنوات، يتمُّ تفصيل القوانين على مقاسه. وآخر هذه القوانين النسخة الجديدة من “قانون الأحوال المدنية” التي تُبطل صلاحية معظم البطاقات الشخصية الحالية لمعظم السوريين المعارضين
وفي المناطق التي لم تصلها نيران الحرب، راحت نيران من نوع آخر تصل إليها لإجبار السكَّان على البيع. ففي دمشق القديمة التي شهدتْ وتشهد جهودًا إيرانية محمومة لشراء عقاراتها، سجَّل “فوج إطفاء دمشق” اندلاع أكثر من 100 حريق في سنة 2020 فقط. وقد طالت هذه الحرائقُ المنازلَ والمطاعمَ والمحالّ التجارية والمستودعات والفنادق… كما طالت سوق البزوريَّة الشهير الواقع بالقرب من سوق الحميديَّة الأثري. وقبلها في سنة 2016 اندلع حريق كبير في سوق العَصْرونيَّة القريب من مقام السيّدة رقيَّة، بعدما انتشرت العديد من الروايات التي تحدَّثت عن رفض تجَّار السوق بيع محالّهم لرجال أعمال مرتبطين بالسفارة الإيرانية التي كانت تُخطِّط آنذاك لتوسعة محيط المقام.
من دير الزور إلى حلب إلى حمص فدمشق… عقارات منهوبة تنتقل ملكياتها إلى عوائل الغزاة، وعقارات مسكونة يتمّ توزيع إنذارات الإخلاء على أصحابها، ورجال أعمال إيرانيون ينشطون في مختلف المناطق السورية للشراء، ومشاريع بناء ضخمة تقوم على أنقاض سوريا القديمة (من المفارقات، الباعثة على السخرية والألم معًا، أنَّ إعلام الأسد يقول بأنَّ اختيار اسم “ماروتا سيتي” لأضخم مشاريعه العمرانية جاء بسبب الأصل السيرياني لكلمة “ماروتا” والتي تعني: السيادة!).
مُدُنٌ مثل القصَيْر في ريف حمص الغربي، والبوكمال والميادين في ريف دير الزور الجنوبي، جرى تغيير هُويَّتها الديموغرافية الثقافية بشكلٍ يصعب التراجع عنه.
ميليشيات “زينبيُّون” الباكستانية، و”فاطميُّون” الأفغانية، و”حزب الله” اللبنانية، و”أبو الفضل العبَّاس” العراقية، تستكمل حرب السلاح بحرب الديموغرافيا عبر سياسة الاستيطان، ضمن مشروع إيراني كبير يُعدُّ للمنطقة العربية برمَّتها (كشفت شبكة “عين الفرات” عن بناء إيران لبعض المزارات الوهميَّة، مثل مزار عين علي قرب البوكمال، ومزار قبَّة علي في منطقة السويعيَّة، بهدف استقطاب كتلة بشرية كبيرة من العراق وإيران).
“المجتمع المتجانس” الذي تحدَّث عنه بشار الأسد قبل سنوات، يتمُّ تفصيل القوانين على مقاسه. وآخر هذه القوانين النسخة الجديدة من “قانون الأحوال المدنية” التي تُبطل صلاحية معظم البطاقات الشخصية الحالية لمعظم السوريين المعارضين، لجهة أنها تُحدِّد مدَّة سريان البطاقة الشخصية بعشر سنوات من تاريخ صدورها. منذ اليوم، ملايين المهجَّرين واللاجئين السوريين سيكونون مجرَّدين من بطاقاتهم الشخصية، في مقابل منح هذه البطاقة لمرتزقة مُستجلَبين من شتَّى بقاع الدنيا.
إقرأ أيضاً: الأسد: المشكلة في برامج الطبخ!
إنَّ القوانين المستصدرة حتى اليوم لقَوْنَنة التغيير الديموغرافي في سوريا، اقتربت من أن تشكِّل أنموذجًا متكاملًا يستحقُّ الدرس، والمقارنة ببقية النماذج، والتي يقف على رأسها الأنموذج الإسرائيلي.