ثمّة شبه إجماع لدى الجسم القضائي على الدعسة الناقصة التي قام بها مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة القاضي فادي عقيقي بادّعائه على المتظاهرين الموقوفين في أحداث طرابلس الأخيرة بتهم “إرهاب” تصل عقوبتها الى الأشغال الشاقة والإعدام. وهي عبارة عن أربعة ادّعاءات ضُمّت إلى الملفّ نفسه وعادت مجددًا إلى طاولة قاضي التحقيق العسكري مارسيل باسيل.
باختصار، انطلق القاضي عقيقي في ادّعائه الأوّلي الذي أحاله إلى القاضي باسيل من مواد قانونية في قانون العقوبات عُلّق العمل فيها بصورة موقتة واستثنائية عبر قانون صادر في 11 كانون الأوّل عام 1958 وحمل آنذاك توقيع الرئيس كميل شمعون.
ثم عاد مفوّض الحكومة، بعد ردّ القاضي باسيل الملفّ إليه، لـ”التصحيح”، وتوسّع في الادّعاء وذهب الى حدّ “تغليف” تحرّك المتظاهرين في طرابلس قبل أسابيع بلبوس الإرهاب. وهذا ما لا يتناسب، بتقدير محامين وقضاة ومنظمات حقوق الإنسان، مع الجرم المنسوب إلى هؤلاء، حتّى لو كان إلقاء قنابل يدوية وإحراق مبانٍ والتعامل بشدّة مع قوى الأمن وسرقة ممتلكات عامة وخاصة.
وتلخّص “المفكرة القانونية” هواجس شريحة واسعة من الشارع والرأي العام ومجموعات الثورة، بمن فيهم طبعًا المجموعات المُساقة اليوم أمام قوس المحكمة العسكرية، بأنّ ادّعاء القاضي عقيقي على الموقوفين في أحداث طرابلس بتهم الإرهاب والسرقة، بشكل جَماعي ومن دون تمييز بين أفعالهم، يرمي الى أمرين أساسيين: الأوّل أن تكون وسيلة قمعية قديمة جديدة لاستباق احتجاجات محتملة بعد رفع الدعم عن المواد الأساسية، والثاني تنميط المدن الأكثر فقراً كطرابلس بالإرهاب. والأبشع عدم ضمان المحاكمة العادلة أمام قضاء (عسكري) لا اختصاص له في محاكمة المدنيين.
انطلق القاضي عقيقي في ادّعائه الأوّلي الذي أحاله إلى القاضي باسيل من مواد قانونية في قانون العقوبات عُلّق العمل فيها بصورة موقتة واستثنائية عبر قانون صادر في 11 كانون الأوّل عام 1958 وحمل آنذاك توقيع الرئيس كميل شمعون
هكذا سيعيد القاضي باسيل، وفق المعطيات، استجواب الـ24 موقوفًا عبر الـzoom، وفق المواد الجديدة المُدّعى عليهم فيها. وهي تهم معمّمة على الموقوفين كافة، من بينها: تهم بالإرهاب وتأليف عصابة أشرار، والسرقة ومحاولة القتل ومعاملة قوى الأمن بالشدّة، والشغب والتخريب وتحقير رئيس الجمهورية… واليوم تبدأ جلسات الاستجواب مجددًا مع الموقوفين بالتزامن مع دعوات للاحتجاج أمام المحكمة العسكرية.
وتجزم مصادر مطّلعة بأنّ “القاضي الذي سيقوم بالمطالعة سيكتشف سريعًا الخطأ في الإدّعاء، وقد يصحّح أو يخفّف الإدّعاءات بمواد قانونية تتناسب مع الجرم لتذهب بعدها إلى قاضي التحقيق الذي سيُصدر قراره الظنّي بموادّ مخفّفة”. فيما تستغرب مصادر قضائية “وقوع القاضي عقيقي في فخ ّسوء التقدير مع العلم أنّه قاضٍ ملمّ جدًّا بالقانون ودقيق في عمله”.
ويقول مصدر بارز في المحكمة العسكرية لـ”أساس”: “مفوّض الحكومة لديه اعتباراته التي دفعته إلى الإدّعاء على الموقوفين بجرائم إرهاب. فالإرهاب ليس فقط الجرائم المرتبطة بداعش وبالمنظمات التكفيرية والمتطرّفة. فالأعمال الحربية هي أيضًا إرهاب. وربما اعتبر أنّ الأحداث التي اتّسمت بها أحداث طرابلس وتطوّرها واستخدام القنابل وحصول محاولات قتل عن قصد، ودخول مدسوسين الى التظاهرة بقصد الاعتداء على أمن الدولة، والتخريب والاعتداء على السلم الأهلي، كل ذلك ينطبق عليه توصيف الإرهاب”.
تجزم مصادر مطّلعة بأنّ “القاضي الذي سيقوم بالمطالعة سيكتشف سريعًا الخطأ في الإدّعاء، وقد يصحّح أو يخفّف الإدّعاءات بمواد قانونية تتناسب مع الجرم لتذهب بعدها إلى قاضي التحقيق الذي سيُصدر قراره الظنّي بموادّ مخفّفة”
وأولى المؤشّرات السلبية لهذا الادّعاء تُرجمت من خلال محاولات قطع الطريق وإشعال إطارات السيارات ليل أمس الأوّل في العديد من المناطق، والتظاهر أمام منزل مفوّض الحكومة القاضي عقيقي والقاضي باسيل للمطالبة بالإفراج عن الموقوفين. ووصل بعض المنظمات الحقوقية إلى التحذير من أنّ ادّعاء مفوّض الحكومة على متظاهرين بالإرهاب قد يضاعف الشعور بالمظلومية ويولّد إرهابًا فعليًّا كردّ فعل على هذا الظلم، ما يوجب إحالة القاضي عقيقي إلى التفتيش القضائي بسبب عدم تقديره لخطورة ما قام به”.
إقرأ أيضاً: موقوفو طرابلس في “العسكرية”: ملفاتُنا فارغة
ووفق المعلومات المتوافرة فإنّ عددًا من الموقوفين منذ 20 يومًا بأحداث طرابلس، قد ثبت قرابته إلى قوى سياسية شمالية وأحزاب محدّدة، إضافة إلى ارتباط آخرين منهم بـ”حزب سبعة”. كما تأكّد وصول مجموعات من البقاع للمشاركة في التظاهرات.
وينتظر صدور القرار الظني بعد استجواب الموقوفين مجددًا وإنهاء المحقّق العسكري تحقيقاته ثم رفعها لإجراء المطالعة بالأساس، وسيتبيّن عندها المسار الذي ستسلكه المحكمة العسكرية في ادّعاءاتها وصولًا إلى المحاكمة.