كان يمكن أن تمرّ 14 شباط، ذكرى كبير الشهداء، مثلها مثل كل السنوات الماضية، بزيارة الضريح، الحدّ الفاصل بين الحق والباطل، أو بكلمة عاطفية صادقة أستعيد فيها ما في الروح من إيمان عميق بالشهيد رفيق الحريري، أو بتعليق سياسي جديد حول كيفية استئناف الإخلاص لمشروعه.
لكن بعد كلّ هذه السنوات قرّرنا أن نؤسّس موقعاً إلكترونياً، يستعمل السلاح الذي لم نؤمن بسواه، وهو الكلمة الحرّة، القوية، العنيدة والقادرة على تحريك الراكد من الأفكار، وعلى تنشيط الحوار، وعلى إعطاء القلم معنىً مختلفاً. القلم الذي يحبّ دائماً أن يكون حبراً للإعتراض، وليس معبراً إلى “التوقيع” على الهزيمة.
الجمع في تعبير “قرّرنا” يراد منها القول إنّ النقاش بدأ مع “ضارب الصواريخ النووية السياسية” العزيز نديم قطيش، و”الضيف الدائم على المؤامرة” محمد بركات، ولاحقاً مع “الراوي” الشعبي لبيروت بعاداتها وعائلاتها وأحيائها زياد عيتاني. ودائماً مع مولانا د. رضوان السيد الذي وعد أن يجتهد – وقد فعل – ليقرأه “العوامّ” رغم مفرداته الأزهرية.
وهكذا كان “أساس”، الذي أخذ على عاتقه حماية الحريريّة الوطنية من الالتباس لأنّ الناس تخلط بين الحريريّة السياسية وبين الحريرية الوطنية. فالأولى، أي السياسية، هي اليوميات التي عشناها ونعيشها كلّ يوم، في أحاديث الحكومة وفي كلام المعارضة وفي الشارع ونشرات الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي.
بعد كلّ هذه السنوات قرّرنا أن نؤسّس موقعاً إلكترونياً، يستعمل السلاح الذي لم نؤمن بسواه، وهو الكلمة الحرّة، القوية، العنيدة والقادرة على تحريك الراكد من الأفكار، وعلى تنشيط الحوار
أما الحريرية الوطنية فهي القواعد والثوابت التي دفع الرئيس رفيق الحريري حياته دفاعاً عنها وإيماناً بها، وكان 14 شباط 2005 محاولةً للقضاء عليها وشطبها من المعادلة الوطنية، ولن تنجح.
هو لم يُقتل ثأراً، بل خوفاً من قدراته في مواجهة المشروع الإيراني الذي أقبل على المنطقة العربية إنطلاقاً من لبنان ولم يتسبّب بغير الدمار حيثما حلّ.
الحريرية الوطنية هي مجموعة أسس، منها الأساس الأساس، وهو الدستور الذي توافق عليه اللبنانيون في اتفاق الطائف، والشعب الذي اعتمد على هذا الدستور، والأرض التي تجمعنا وفق حدود الوطن والعروبة، والهوية التي لا تنازل عنها مهما كثرت “عمالة” الهويات الأخرى.
حاول الرئيس الشهيد أن يستردّ حداثة لبنان بعد انتهاء الحرب وتوقيع اتفاق الطائف. أعاد لبنان إلى خارطة العالم، على أسس الانفتاح على الغرب، وكانت باريس محطّة الانطلاق الأساسية، ومنها إلى واشنطن وبرلين والبرازيل وغيرها من عواصم العالم وصولاً إلى الصين واليابان وروسيا.
في المقابل ثمّة اليوم من يحاول أن يثبّت لبنان على خارطة الدمار والتخلّف والصدام مظلّلاً كلامه بعناوين الكرامة والأصالة والمقاومة.
هذا هو “أساس”: محاولة لإعادة لبنان إلى سكّة الحداثة والعروبة والانفتاح على العرب، وحماية الدستور وصيانة الشعب والمدافعة عن الأرض، بالدولة، وبالدولة حصراً، بعد تحرير شرعيّتها من الاحتلال السياسي الإيراني، عبر الاستراتيجية الدفاعية التي يمكن أن تشكّل معبراً لحل قضية السلاح غير الشرعي في لبنان.
الحريرية الوطنية هي مجموعة أسس، منها الأساس الأساس، وهو الدستور الذي توافق عليه اللبنانيون في اتفاق الطائف، والشعب الذي اعتمد على هذا الدستور، والأرض التي تجمعنا وفق حدود الوطن والعروبة، والهوية التي لا تنازل عنها مهما كثرت “عمالة” الهويات الأخرى
الانهيارات التي يشهدها لبنان في السنة الأخيرة على مختلف الأصعدة جعلتنا أكثر تمسّكاً بالحريرية الوطنية بما هي دولة ومؤسسات دستورية ونصوص ناظمة وملزمة للتعامل بين هذه المؤسسات. لأنّ جميع القوى السياسية – وأؤكد هنا على الجميع – أرادوا أو ساهموا في محاولة إسقاطها كمشروع بناءٍ للدولة، بعد حروب دامت لعشرات السنوات. والأخطر في تصويرها بأنّها أسست للإنهيار عن سابق تصوّر وتصميم لمحو حقائق نجاحها من ذاكرة اللبنانيين.
منهم من يفعل ذلك ثأراً وانتقاماً من إتفاق الطائف ومفاعيله الدستورية التي ضمنت السلم الدستوري، ومنهم من يعيش كوابيس العودة بالزمن إلى الوراء ولو كلّف ذلك اكتمال انهيار الدولة والمجتمع، ومنهم وهو الأخطر دخل إلى الدولة لاحتلال الشرعية فيها وهو ما نعيشه هذه الأيام. وأخيراً من ساهموا بسوء إدارتهم للصراع السياسي في السنوات العشرة الأخيرة التي سهّلت مهمّة الراغبين والعاملين على هدم الدولة ومؤسساتها.
نحن في كلّ ما كتبنا في موقع “أساس” في السنة الأولى وما سنتابعه بتصميم وإصرار في السنة الثانية، حملنا شعارنا: “جرأة. دقة. حريّة”.
مليون شكراً للقرّاء… نستمرّ ونكبر بثقتكم.
إقرأ أيضاً: 14 مقالاً تحصد مليون قراءة …