لم يتمّ الكشف على كل ما دار في الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف لموسكو قبل أيام، ومحادثاته مع نظيره الروسي سيرغي لافروف. وما لم يرد على لسان الوزيرين، كشف عنه تقرير وصل إلى بيروت مفاده أنّ الحكومة الروسية نبّهت طهران إلى المخاطر التي تخيّم على الشرق الأوسط في هذه المرحلة، وطالبت الجمهورية الإسلامية بالسعي إلى خفض التوتر.
في التقرير الذي اطّلعت عليه “أساس” من أوساط سياسية قريبة من موسكو، هناك تباين بين مقاربة الجانب الإيراني والجانب الروسي فيما يتّصل بالإتفاق النووي الذي خرجت منه الولايات الأميركية في زمن الرئيس السابق وتستعدّ الآن للعودة إليه في زمن الرئيس جو بايدن. ففيما ترى موسكو على لسان الوزير لافروف، أنّ السبيل الوحيد المتاح الآن هو “التزام جميع الأطراف” بما وصفه بـ”الوثيقة المهمّة”، أي الإتّفاق المتّصل بقرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2231، بالمقابل لم يصدر عن ظريف ما يشير إلى أنّ طهران بصدد مراجعة موقفها الذي التزمته بعد إعلان واشنطن في أيار 2018، انسحابًا أحادي الجانب من الإتفاق واستعادة العقوبات الصارمة ضد طهران. وقد ردّت طهران على الانسحاب الأميركي من الإتفاق، بخفض تدريجي لالتزاماتها النووية بموجب الإتفاق. ووفق التقرير، فإنّ الوزير ظريف المحسوب على الجناح الإصلاحي بزعامة الرئيس حسن روحاني، حاذر اتّخاذ موقف في موسكو يشير إلى تمايزه عن الجناح الإيراني المتشدد الذي حدّد 20 شباط الحالي موعداً لعودة الولايات المتحدة إلى الإتّفاق النووي. وقد أعدّ هذا الجناح، الذي يضم الحرس الثوري ومجلس الشورى، خطّة تقضي في حال الوصول إلى ذلك التاريخ، من دون تراجع واشنطن عن موقف الإدارة السابقة، بالخروج نهائياً من الاتّفاق والذهاب إلى خيار إنتاج القنبلة النووية. وأمس حذّر وزير الخارجية الأميركي من أنّ “إيران على بعد أسابيع من امتلاك مواد لسلاح نووي إذا واصلت خرق الاتفاق النووي”، وأنّ “واشنطن مستعدة للعودة إلى الاتفاق إذا التزمت إيران به”.
هناك تباين بين مقاربة الجانب الإيراني والجانب الروسي فيما يتّصل بالإتفاق النووي الذي خرجت منه الولايات الأميركية في زمن الرئيس السابق وتستعدّ الآن للعودة إليه في زمن الرئيس جو بايدن
ولا يبدو أنّ الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون بعيد عن هذه الأجواء. ففي حديث لقناة “العربية” أدلى به آخر الشهر الماضي، حذّر من أنّ “الوقت المتبقي لمنع إيران من حيازة سلاح نووي قصير جداً”. وقال إنّ “التفاوض مع إيران سيكون متشدّداً جداً وسيُطلب منها ضمّ شركائنا في المنطقة إلى الإتفاق النووي، ومن ضمنهم السعودية”.
ويشير التقرير إلى أنّ لافروف، الذي أدرك أنّ ظريف عكس في حذره خلال المحادثات تصعيد المتشدّدين في طهران، حمّل نظيره رسالة كي تصل إلى جناح الحرس الثوري ومجلس الشورى، من أنّ هناك مخاطر ستترتب على تصعيد التوتر في الشرق الأوسط، وتحديداً في سوريا ولبنان، باعتبار أنّهما البلدين اللذين لهما حدود مشتركة مع إسرائيل التي تعيش بدورها مناخاً بالغ التشدّد حيال النفوذ الإيراني في لبنان وسوريا. ولفت التقرير إلى أنّ زيارة ظريف لموسكو لم تحمل إشارة إلى أنّ رئيس الديبلوماسية الإيرانية يملك أو يمثّل القرار النافذ في بلاده، ما يعني أنّها زيارة “تبادل أراء وليست زيارة اتّخاذ قرارات”.
وما خلص إليه التقرير هو أنّ الإيرانيين، لا سيّما الجناح الذي يتزعمه الرئيس روحاني، يثقون بالمبعوث الأميركي الجديد لإيران، روبرت مالي، وهو أحد مهندسي الإتّفاق النووي الإيراني لعام 2015. ولهذا سارعت طهران إلى رفض مقترح الرئيس الفرنسي الأخير بـ”ضمّ شركائنا في المنطقة إلى الإتفاق النووي، ومن ضمنهم السعودية”. وهذا الرفض، كما يقول التقرير، يعطي إشارة لواشنطن بأنّ إيران لا تريد غير الولايات المتحدة “شريكاً” في قرار العودة إلى حظيرة الإتّفاق النووي.
ماذا عن مضمون التحذير الروسي لإيران من مغبة التوتير في سوريا ولبنان؟
الجواب لا يحتاج معلومات. ففي كل يوم، تتوالى التطوّرات التي تشير إلى أنّ المنطقة على صفيح ساخن. وآخر هذه التطورات تبادل إسقاط طائرات مسيّرة بين حزب الله وإسرائيل في جنوب لبنان. وأيضاً ما كشفته وسائل الإعلام الإسرائيلية قبل أيام عن زيارة وزير الدفاع بيني غانتس، وحدة الجيش الإسرائيلي المكلفة بتنفيذ عمليات خارج حدود البلاد، و”راجع خطط العمليات”، بحسب ما أعلن مكتبه، في تهديد واضح لإيران. وتُدعى هذه الوحدة “فيلق الأعماق” التي أنشأها غانتس نفسه عام 2012 عندما كان رئيساً لأركان الجيش الإسرائيلي. ولفتت هذه الوسائل إلى أنّ الفيلق المذكور، هو وحدة غامضة متعدّدة التخصصات مسؤولة عن العمليات العسكرية خارج حدود إسرائيل، وأنشطتها سرّية. وفي حال قام الجيش بشن هجوم ضد إيران، فمن المرجح أن يلعب “فيلق الأعماق” دوراً مركزياً في إعداده وتنفيذه.
هناك مخاطر ستترتب على تصعيد التوتر في الشرق الأوسط، وتحديداً في سوريا ولبنان، باعتبار أنّهما البلدين اللذين لهما حدود مشتركة مع إسرائيل التي تعيش بدورها مناخاً بالغ التشدّد حيال النفوذ الإيراني في لبنان وسوريا
ووفقا لتقرير القناة 12، من المتوقع أن يسافر رئيس الموساد يوسي كوهين إلى الولايات المتحدة قريبًا للقاء الرئيس بايدن وعرض مطالب إسرائيل بشأن أيّ صفقة مستقبلية مع إيران، لن تتعلّق فقط ببرنامج طهران النووي، ولكن أيضًا ببرنامج الصواريخ ودعم المجموعات المسلّحة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
إقرأ أيضاً: واشنطن – بايدن ستبعد طهران عن شواطئ المتوسط
في موازاة ذلك، أبرزت وسائل إعلام إسرائيلية أيضاً “نبأ رصد طائرات مقاتلة من طراز F-35 فوق جنوب لبنان وبيروت، حيث لمنظمة حزب الله وجود كبير، وسط تكثيف الضربات الإسرائيلية في الآونة الأخيرة على القوات الإيرانية والقوات المرتبطة بإيران في سوريا المجاورة”. وقالت هذه الوسائل: “نظرا لأنّ الطائرات، التي يُزعم على نطاق واسع أنّها إسرائيلية، قادرة على الطيران دون أن يتمّ اكتشافها، فإنّ قرار تحليقها على ارتفاع منخفض بما يكفي في السماء لجعلها مرئية بوضوح من الأرض بدا وكأنّه رسالة متعمدة إلى حزب الله لتذكيره بتفوق إسرائيل الجوي”.
في الخلاصة، لا تبدو هناك مؤشرات، ظاهرة على الأقلّ، تدلّ على أنّ طهران ستنزلق إلى مواجهة إسرائيل لاسيما في لبنان وسوريا. لكن، ليس هناك حكم ثابت يمكن إطلاقه في منطقة تأبى الأحكام المطلقة.