يصعب منذ الآن توقّع نتيجة التحقيق المفتوح في سويسرا في شأن قضية التحويلات المالية في المصرف المركزي اللبناني والتي صنّفها مكتب المدعي العام السويسري في خانة “عمليات اختلاس وتبييض أموال”، لكنّ المؤكّد أنّ دخول القضاء السويسري على الخط بعد فشل المحاولة الأولى في حزيران 2020 هزّ “عرش الحاكم”… من دون أن يُسقِطه.
مصادر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تجزم لـ”أساس” أنّه “سريعاً سيتبيّن الأمر، بأنّها مؤامرة لم تبدأ من اليوم بل هي تكملة لمحاولات سابقة. يمكن استفتاء اليوم مرجعيات رئاسية حالية أو حكومية سابقة تملك معطيات وافية عن وجود محاولات حثيثة لجرّ سلامة إلى الاستقالة ومحاسبته بناءً على ملفات فارغة أو تحميله مسؤولية كلّ الموبقات، لكنّها لن تنجح. وهذه المرجعيات تقرّ في مجالسها بأنّ سلامة “رح يطلع منها”.
وتؤكّد المصادر أنّ “سلامة لن يستقيل وسيبقى حتى تاريخ انتهاء ولايته في تموز2023 وذلك بعدما وقع ميشال عون على تعيينه مجدّداً حاكماً لمصرف لبنان لولاية خامسة عام 2017، وأيضاً وليس هناك إمكانية لإقالته التي تشبه إقالة رئيس الجمهورية من موقعه”.
مصادر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تجزم لـ”أساس” أنّه “سريعاً سيتبيّن الأمر، بأنّها مؤامرة لم تبدأ من اليوم بل هي تكملة لمحاولات سابقة
ويبدو أنّ الطلب الذي ورد بداية الى السفارة السويسرية في لبنان يفصّل أكثر محاور الاتهامات والاستفسارات حول حركة تحويلات مالية حصلت من مصرف لبنان إلى مصارف في سويسرا، بقصد تتبّع مصدرها الأساس ووجهة استخدامها.
ووفق مطلعين، قد يفتح هذا الملفّ تلقائياً ملفاً أكثر حساسية مرتبط بالأموال الشخصية لسلامة وعمّا إذا كانت استثماراته في الخارج تنتهك القانون بما يتعدى حدود المادة 20 من قانون النقد والتسليف التي “تحظّر على الحاكم ونوابه خلال مدة ولايتهم أن يحتفظوا أو أن يأخذوا أو يتلقوا أي منفعة في مؤسسة خاصة”.
يَحدث ذلك في ظل واقع الثقة المُطلقة بالنفس التي يُظهرها طرفي الصراع: رياض سلامة وفريق المدافعين عنه باعتبار جميع الاتهامات المساقة ضده لا أساس لها من الصحة وصولاً إلى الحديث عن “ملفٍ مفبرك” لن يتأخر سلامة في فضح هزالته… ومن جهة أخرى الفريق الساعي لكشف “ارتكابات” سلامة. وهو متعدّد الأضلع بأبعاد محلية وخارجية وحقوقية. وهو بات بحكم المتيقّن من أنّ سلامة “وَقَع” وأنّها مسألة وقت قبل أن تتكشّف ما جَنَته “عبقريته” من ثروة غير مشروعة تضاف إلى سجلّه في إيصال لبنان إلى حافة الانهيار المالي.
وتقول أوساط هذا الفريق إنّ “الرجل بات في مرمى الاستهداف المباشر وهذه المرة من القضاء السويسري. وإذا كانت عائلته، وهو شخصياً، يملكون “نصف عقارات برمانا”، وإذا كان قد وُلِد وملعقة الذهب في فمه، فلا يعني هذا الأمر أبداً أنّه لم يسعَ إلى تضخيم حجم ثروته وثروة ابنه ندي سلامة واستثماراته وعقاراته في أوروبا ودول أخرى وبشكل سريّ ومموّه عرّضه لملاحقة قانونية دولية”.
تؤكّد المصادر أنّ “سلامة لن يستقيل وسيبقى حتى تاريخ انتهاء ولايته في تموز2023 وذلك بعدما وقع ميشال عون على تعيينه مجدّداً حاكماً لمصرف لبنان لولاية خامسة عام 2017، وأيضاً وليس هناك إمكانية لإقالته التي تشبه إقالة رئيس الجمهورية من موقعه
وتقول جهات مطلعة إنّ “التحقيق القائم حالياً، إن صحّ تناوله لأموال سلامة الشخصية، يصعب أن يتجاوز واقع أنّ الحاكم يمتلك شركاتٍ في الخارج، وأنّه يدير استثمارات ضخمة في بلدان تندرج على لائحة المَحميات الضرائبية، ما يضفي عليها الكثير من السريّة وغياب الشفافية بالتواطوء مع مصارف في هذه الدول، ويضعها تحت مجهر المساءلة”.
وبدا لافتاً في الساعات الماضية تبرّع بعض المتحدّثين باسم سلامة للقول إنّ عمليات تحويل مالية من الحساب الشخصي للحاكم حصلت فعلاً آخرها عام 2008 فيما البعض الآخر يشير إلى عام 2016 (لأسباب عائلية) لكنّها في مطلق الأحوال، وفق هؤلاء، تحويلات يجيزها القانون، بما في ذلك ما نًسِب عن تحويلات ربما نفّذتها شركة شقيقه رجا، الذي هو عضو في مجلس إدارتها.
وقد أتى ذلك بعد بيان النفي الأوّلي الذي أصدره سلامة الثلاثاء الفائت عبر مكتب الإعلام والعلاقات العامة في مصرف لبنان، مؤكّداً فيه أنّ “الادّعاءات عن تحاويل مالية مزعومة قام بها إلى الخارج، سواء باسمه أو باسم شقيقه أو باسم معاونته، إنّما هي فبركات وأخبار كاذبة لا أساس لها وستكون موضع ملاحقة قضائية”.
وتصرّ مصادر قريبة من سلامة على القول إنّ “الطلب السويسري الموجّه إلى لبنان، والذي جرى تسريب مضمونه بشكل مشوّه، لا يتضمّن أي إشارة إلى سلامة أو إلى أمواله الخاصة أو تلك المتعلّقة بشقيقه رجا ومساعدته ماريان الحويك. بل يشير إلى تحويلات مالية جرت عبر مصرف لبنان يتمّ التحقّق من مطابقتها للقوانين، ولذلك مَثَل الحاكم أمام مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات وسينتقل إلى مدينة برن السويسرية ليدلي بما لديه وليبرز المستندات المطلوبة أمام المدعي العام السويسري”، مشيرة إلى “الخلط المتعمّد بين الطلب السويسري وبين ما جرى ترويجه منذ أشهر عن تقرير يتعلق بتحويلات مالية بقيمة 400 مليون دولار عائدة سلامة وشقيقه ومساعدته”.
إقرأ أيضاً: هل يعرّض الإتّهام السويسري “الذهب اللبناني” للخطر؟
لكن بدا لافتاً في هذا الإطار ما ذكره موقع “درج” نقلاً عن النائب في البرلمان السويسري فابيان مولينا عن “حسابات بقيمة 400 مليون دولار تمّ تجميدها في سويسرا”، مشيراً إلى أنّ “مصارفنا (في سويسرا) فشلت بالقيام بما عليها منعاً لوصول أموال تتعلّق بالفساد وتبييض الأموال وتجب مساءلتها أيضاً”.
في وقت لاحق، نفى أمس النائب السويسري نفسه، أن يكونَ قد أكد تجميد مبلغ الـ400 مليون دولار”، قائلاً في حديث لقناة “الجديد”: “عَلمت من الإعلام بهذا الرقم. وفي حال هذا الأمر صحيح يمكننا التقدير أن هذه الأموال قد جُمِدت لكنني لا أملك تفاصيل. وحتّى اللحظة نتحدّث عن فرضيات”.
ولفت مولينا إلى أنّ “الفروقات بين الأموال التي كانت تأتي من لبنان الى سويسرا منذ 2016 بشكل عام زادت ملياري دولار، وليس هناك تأكيد أنها اتت جميعها من مصادر غير شرعية”.