مفوّض الحكومة لدى مصرف لبنان: شاهِد ما شافش حاجة

2021-01-27

مفوّض الحكومة لدى مصرف لبنان: شاهِد ما شافش حاجة

كان جواب شركة التدقيق المالي “ألفاريز أند مارسال” على مُراسلة وزير المال غازي وزني مُتوقعاً ومُنتظراً. على الطريقة اللبنانية أبلغ وزني الشركة الأميركية، بعد إقرار قانون رفع السرية المصرفية لعامٍ واحد، أن ما كان يمنعها من الولوج إلى حسابات المؤسسات الخاصة والمصارف في مصرف لبنان المحمية بهذه السرية قد أزيل بموجب القانون الصادر في 21 كانون الأول 2020.

لكنّ استفسارات “ألفاريز” أكّدت شكوك جهات لبنانية عدّة بأن تنفيذ عقد التدقيق الجنائي مع هذه الشركة، وأي شركة أخرى، سيبقى مُزنّراً بالألغام طالما أن قانون رفع السرية المصرفية جاء، عن قصد، مُبهماً ولا يتطرّق صراحة إلى هذا النوع من الحسابات.

أما الرأي الأكثر واقعية فيقوم على الآتي: “ليس هناك من سلطة في العالم تدين نفسها. والتدقيق الجنائي لن يتمّ لأن التواطؤ بين الطبقة السياسية وسلطة المال أكبر من أي قرار بفَضحه”.

في المقابل، هناك رأي هيئة التشريع والاستشارات الذي يؤكّد على أن القانون يشمل رفع السرية المصرفية عن كل حسابات مصرف لبنان بما في ذلك “زبونها” الأول، المصارف الخاصة، لن يقدّم أو يؤخّر في إقناع شركة عالمية بهذا الحجم أن عملها لن يُعرقَل مجدداً.

والأرجح أنّ الدائرة القانونية لدى الشركة لديها إحاطة كاملة بواقع أن آراء هيئة التشريع والاستشارات في بلدٍ مثل لبنان، فإنّ المعنيين بها “يبلّونها ويشربون ماءها” كونها غير إلزامية، متجاوزين حتّى المعيار الأخلاقي والقانوني بضرورة الأخذ بها.

استفسارات “ألفاريز” أكّدت شكوك جهات لبنانية عدّة بأن تنفيذ عقد التدقيق الجنائي مع هذه الشركة، وأي شركة أخرى، سيبقى مُزنّراً بالألغام طالما أن قانون رفع السرية المصرفية جاء، عن قصد، مُبهماً ولا يتطرّق صراحة إلى هذا النوع من الحسابات

أصلاً سبق لـ”ألفاريز أند مارسال” أن شهدت في تشرين الثاني 2020 على عدم أخذ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة برأي “الهيئة” الذي حدّد مفهوم السرية المصرفية، ومدى تلاؤم مهمّة الشركة مع أحكام قانون السرية المصرفية وقانون النقد والتسليف، وعلى ضرورة “تنفيذ قرار مجلس الوزراء عبر تمكين الشركة من القيام بمهمّتها وتسليمها المستندات المطلوبة مع حجب أسماء الزبائن عند الحاجة واستبدالها بأرقام حفاظاً على السرية المصرفية”.

لكنّ الملفت في رأي هيئة التشريع والاستشارات إشارتها إلى المادة 44 من قانون النقد والتسليف التي “أعطت بالأصل إلى مفوّض الحكومة ومساعده حقّ الاطلاع على سجلات المصرف المركزي ومستنداته الحسابية”.

يقول الخبير المصرفي والمالي الدكتور علي زبيب إنّ “قانون النقد والتسليف أعِدّ على قياس الحاكمية وجعل كل الإدارات تحت سيطرة حاكم مصرف لبنان. وأمام رياض سلامة ، تحديداً، لا أحد امتلك جرأة المواجهة”.

مع ذلك، يقول زبيب: “مفوّض الحكومة لا يخضع قانوناً لحاكم مصرف لبنان. فهو بمثابة مدير عام وصلاحياته واسعة جداً، لكن من تعاقبوا على هذا الموقع تصرّفوا مع الحاكم بعقلية الموظف”.  

عملياُ، قيل الكثير عن حجم الصلاحيات الكبيرة لمفوّض الحكومة التي تسمح له بأن يكون “المُدقّق والمُراقِب والمُخبِر” للحكومة داخل مصرف لبنان، خصوصاً أن له صلاحية إيقاف أي قرار صادر عن المجلس المركزي وتبليغ وزارة المال.   

ويوضح زبيب: “هناك تواطؤ  بين وزراء المالية المتعاقبين، الذين مثّلوا دوماً مرجعياتهم السياسية، وبين حاكمية مصرف لبنان. وبالتالي فالحاكم كان يُغطي، و”تتمّ التغطية عليه” وعلى مخالفاته. وإذا لم نقل إنّ وزارة المال متواطئة، فهي أقلّه كانت متساهلة وتغضّ النظر، لأن مفوّض الحكومة لم يقم بدوره أبداً على مرّ السنوات”.

ووفق المرسوم 15400 الصادر عام 1964 “يتولّى المفوّض السهر على تطبيق القانون والتأكّد من قانونية اجتماعات المصرف المركزي”. ويجوز للمفوّض “أن يطلب تعليق أيّ قرار يراه مخالفاً للقانون والأنظمة، وأن يتثبّت من أنّ المصرف يحتفظ في موجوداته بكمية من الذهب والعملات الأجنبية لا تقلّ نسبتها عن النسبة التي تفرضها المادة 69 من القانون، وعليه التدقيق في قيود الإصدار وحساباته مرّة في الشهر على الأقل”.

قانون النقد والتسليف أعِدّ على قياس الحاكمية وجعل كل الإدارات تحت سيطرة حاكم مصرف لبنان. وأمام رياض سلامة ، تحديداً، لا أحد امتلك جرأة المواجهة

كما يضع المفوّض “برنامجاً سنوياً للمراقبة التي يخوّله القانون إجراؤها على محاسبة المصرف، ويتثبّت بواسطة هذه المراقبة من أن المصرف يتقيّد في أعماله بأحكام القانون، وعليه فور اكتشافه أي مخالفة أن يلفت نظر الحاكم إليها”.

وللمفوّض ولمساعده، وفق المادة 44 من قانون النقد والتسليف، الاطّلاع على جميع سجلات المصرف المركزي ومستنداته الحسابية باستثناء حسابات وملفات الغير الذين تحميهم سرية المصارف (تحرّرا من هذا الاستثناء بعد صدور قانون تعليق السرية المصرفية). وهما يدقّقان في صناديق المصرف المركزي وموجوداته.

إقرأ أيضاً: الأمن… آخر غطاء لـ “ظهر الدولة” المكشوف!

يُذكر أنّه في سلّة التعيينات المالية التي أقرّت في 10 حزيران 2020 عيّنت كريستال وليد واكيم مفوّض الحكومة لدى مصرف لبنان من حصة رئيس الجمهورية ميشال عون والنائب جبران باسيل. وهي معروفة بقربها من الوزير العوني السابق نقولا صحناوي. فيما كان يشغل هذا الموقع لمدة طويلة بالتكليف جورج المعراوي الذي عيّنه وزير المال مديراً عاماً لوزارة المال بالوكالة في تموز الفائت بعد تقديم آلان بيفاني استقالته.

وتعتبر واكيم أصغر مفوّض حكومة في تاريخ الحاكمية إذ بلغ عمرها عند تعيينها 30 عاماً. وبالمعايير المصرفية فهي ليست صاحبة خبرة كافية لتعيّن في هذا الموقع الحسّاس الذي يحتاج، إن صحّت فرضية استكشاف “مغارة المصرف المركزي”، إلى تمتّع حاكم المصرف بخبرة كبيرة جداً في عالم المصارف وشخصية قوية تسهّل ممارسة الصلاحيات الواسعة التي يمتلكها.  

 

مواضيع ذات صلة

لبنان تُرِك وحيداً.. باريس وطهران تبادران في نيويورك

لبنان تحت النار. لم يعد السؤال هل ندخل الحرب أم لا. نحن في صميمها متروكون لتلقّي عقاب عدم تلبية النصائح الدبلوماسية السابقة بفصل جبهة جنوب…

مناقلات داخل الحزب استعداداً لـ “الثّأر”

عبر ضرباته الأمنيّة والاستخبارية القاسية جداً التي أصابت رأس القيادة العسكرية للحزب يحقّق العدوّ الإسرائيلي ما لا يمكن لاجتياح برّي بالمفهوم الكلاسيكي أن يُحقّقه. تتدحرج…

هل ينجح الحزب بتجاوز الصدمة الكبيرة؟

على الرغم من حجم الضربة القاسية التي تلقّاها الحزب وبيئته يومَي الثلاثاء والأربعاء الماضيين من خلال عملية تفجير أجهزة البيجر واللاسلكي، ومن ثم يوم الجمعة…

الحزب بين فتويَيْن: “تكتيك خامنئيّ” و”سُمّ الخُمينيّ”..

تُصرّ حكومة بنيامين نتنياهو على أنّ هدفها من الضّربات التي تشنّها على الحزبِ دفعه لوقفِ ما يُسمّيه “جبهة المُشاغلة والإسناد” تحت عنوان “إعادة سكّان الشّمال…