بعد نموذج الالتزام الذي قدمته طرابلس في الأيام الأولى من الإقفال الكامل، بدأت الأمور تخرج عن السيطرة، فشهدت المدينة مع بداية هذا الأسبوع تفلّتاً وتحايلاً على الإجراءات. ومع أنّ خروج البعض عن القوانين يمكن تبريره لدواعي الاضطرار والجوع، غير أنّ البعض الآخر لا عذر له. وهو من استكبر على ارتداء الكمامة وتجمّع في المقاهي بداعي الضجر والرغبة في الخروج من المنزل.
في جولة ثانية أجريناها في بعض مناطق وأحياء طرابلس لاستطلاع المشهد، كان أوّل ما توقفنا عنده هو عودة حركة السيارات، والازدحام في بعض النقاط، لاسيما عند تقاطع سوق الخضَر. فضلاً عن المقاهي التي شرّعت أبوابها علناً وتلك التي يتجمهر روادها خلف الأبواب للعب الورق.
المحلات المعنية بالمواد الغذائية واللحوم وحتّى الأفران أسقطت بمعظمها الإجراءات الوقائية التي اعتمدت في الأيام الأولى للإقفال. فالموظفون يعملون دون كمامة، كما أزيل الفاصل الذي كان موضوعاً بينهم وبين الزبائن، ما خلق تجمعاً في داخلها.
في جولة ثانية أجريناها في بعض مناطق وأحياء طرابلس لاستطلاع المشهد، كان أوّل ما توقفنا عنده هو عودة حركة السيارات، والازدحام في بعض النقاط، لاسيما عند تقاطع سوق الخضَر. فضلاً عن المقاهي التي شرّعت أبوابها علناً وتلك التي يتجمهر روادها خلف الأبواب للعب الورق
الشوارع من القبة إلى أبو سمرا وصولاً إلى باب الرمل، محيط مسجد الطينال، ساحة النور، سوق الخضَر… مليئة بالمتجوّلين. قلّة فقط من بينهم يضعون الكمامات على وجوههم.
كذلك كانت لافتة ظاهرة التسوّل، التي خرقت “الإقفال العام” في طرابلس. كما خرقه سائقو سيارات الأجرة.
طرابلس التي كانت هادئة منذ أيام، ها هي اليوم تعاود ضجيجها، في ظلّ مؤشر سلبي لنسبة وفيات كورونا التي تتصاعد يومياً في لبنان.
في سوق الخضَر لا التزام. وأكثر ما يستوقف العابر في تلك المنطقة هو “السوق البلدي لبسطات الخضار والفاكهة”. والنكتة أنّ اللافتة التي تحمل اسم السوق موقعة باسم “بلدية طرابلس”.
فهذا المكان التابع للبلدية لا إجراءات وقائية فيه. الباعة كما الروّاد هنا لا يرتدون الكمامات ولا يتلزمون مسافات التباعد الاجتماعي الكافية. في السوق شاهدنا أيضاً عناصر في قوى الأمن الداخلي، غير أنّ تواجدهم كان بهدف التبّضع، ومن دون أيّ كمامات على وجوههم أيضاً.
على ما يبدو أنّ الإجراءات الوقائية، وفق عنصر الأمن، ترتبط بوجود حاجز أو تهديد بتسطير محضر ضبط أو التهديد بعقوبة مسلكية، فيتساوى والمواطن العادي في الاستهتار بعيداً عن كل ما سبق.
الحواجز في طرابلس “خجولة”، أحدها تمركز بالقرب من مشروع الحريري. أما في المناطق الأخرى فغابت. وهي حواجز يجري التحايل عليها بالتطبيق الذي أصدر للاستثناء. فالنسبة الأكبر ممن يقدّمون طلبات للتجوّل، إن عبر التطبيق أو عبر الرقم الذي نشرته الصفحة الرسمية لقوى الأمن الداخلي، لا تكون غايتهم شراء الدواء أو الخبز أو ما شابه، بل الهدف الحقيقي هو التجمع وخرق القوانين، وهم ينجحون بذلك تماماً.
في السوق شاهدنا أيضاً عناصر في قوى الأمن الداخلي، غير أنّ تواجدهم كان بهدف التبّضع، ومن دون أيّ كمامات على وجوههم أيضاً
إلى ذلك فإنّ واقع المستشفيات في طرابلس كما كل لبنان “منهك تماماً”، وفق ما تؤكد مصادر طبية لـ”أساس”. توضح المصادر نفسها أنّ “مستشفى طرابلس الحكومي اليوم يعمل بكامل قدرته الاستيعابية.. وهو ببساطة “فوّل”.
وتضيف المصادر: “المستشفيات الخاصة في طرابلس والتي باتت جاهزة جميعها لاستقبال مرضى كورونا، تعمل على قاعدة “من يدفع أكثر”، فتوفّر الأسرّة للميسورين مادياً وتمنعها عن الفقراء”.
الجولة في طرابلس دفعتنا إلى السؤال عن شرطة البلدية. خصوصاً أنّنا لم نُصادف أحداً منهم.
“شرطة البلدية عديدها قليل”، هذا ما يؤكده رئيس لجنة ادارة الكوارث في بلدية طرابلس المهندس جميل جبلاوي في اتصال مع “أساس”، موضحاً أنّ “شرطة البلدية تنفذ التعليمات وتؤازر الجيش وقوى الأمن الداخلي. وقد قامت بجولات عدّة وتمّ إغلاق بعض المحلات وتسطير محاضر ضبط”.
إقرأ أيضاً: طرابلس التزمت بالإقفال… خصوصاً في الأحياء الشعبية
وفيما يربط جبلاوي التفلّت بالوضع المعيشي الصعب في طرابلس، يلفت في المقابل إلى أنّ نسب الالتزام تتفاوت بين المناطق: “المناطق المرتاحة نسبياً، الالتزام فيها تخطّى الـ90%. أما المناطق الفقيرة والتي يعملها سكانها باليومية، فهي التي شهدت خروقات”.
في الوقت نفسه يشدّد جبلاوي على أنّ انتشار الفيروس في طرابلس لم يتغيّر: “النسب المئوية بقيت ثابتة في طرابلس خلال الفترة الماضية، وهي لم تشهد ارتفاعاً حتّى بعد عيدي الميلاد ورأس السنة”.
يدعو جبلاوي إلى “زيادة عدد الأسرّة في المستشفيات خصوصاً في أقسام العناية الفائقة. وهذا الأمر مرتبط بوزارة الصحة، هناك العديد من الأسرة في المستشفيات الخاصة والحكومية غير مخصصة للكورونا. ويمكن تخصيصها. لكنّ هذا الأمر يحتاج إلى سيولة”.
ولم ينفِ جبلاوي تفضيل المستشفيات الخاصة في طرابلس المريض الميسور على ذلك الفقير: “هذا الكلام صحيح. فهذه المستشفيات لا سقف مالياً لها. والأموال المخصصة للوزارة لمواجهة كورونا قليلة جداً، كما أنّ توزيعها وفق ما سمعنا يتم باستنسابية”.