اتفاق معراب الذي انتهى مع العهد: جعجع الرابح!؟

مدة القراءة 7 د

بعد خمس سنوات من اتفاق معراب ينتهي الأمر بمطالبة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع رئيس الجمهورية ميشال عون بالاستقالة. للأمانة كُسِرت الجرّة بين الطرفين “من زمان”. لكن يُصبح للخصومة أبعاداً أكبر حين يُحرِج جعجع خصمه قبل أسابيع بالقول “لو كنت مكان ميشال عون لاستقلت”. قبل ذلك، كانت الدعوة أكثر وضوحاً في سياق الحثّ على الاستقالة عقب انفجار مرفأ بيروت.

في جلسة سحور جَمَعت جعجع بالرئيس سعد الحريري في بيت الوسط في تموز 2016، قبل ثلاثة أشهر من انتخاب عون، يتحدّث القواتيون عن “نصيحة” وجّهها  رئيس “القوات” لرئيس تيار المستقبل بالجلوس مع “الجنرال” وإبرام اتفاق رئاسي وليس صفقة رئاسية “باعتبار الصفقات تنتهي بانتهاء مفاعيلها، أما الاتفاقات فتدوم”، ومن ترجماتها الأساسية  تثبيت سعد الحريري رئيسأ “دائماً” لحكومات العهد العوني مع سلسلة اتفاقات موازية على رأسها قانون الانتخاب”.

في تلك الجلسة أفرَغَ جعجع ما في جعبته لإقناع الحريري بضرورة وضع اليدّ مع عون الذي “يمثّل مسيحياً حاجة لـ”حزب الله” تفوق حاجة عون للحزب ويمثّل قاعدة شعبية واستراتيجية لا يمكن تجاوزها، بعكس سليمان فرنجية”.

يومها نقل قريبون من الحريري قوله: “سأفكّر بكلفة هكذا خيار. لقد خسرت نصف شعبيتي بترشيح فرنجية، وسأخسر النصف الاخر في حال تبنّي ترشيح عون”، ثم فاجأ جعجع بسؤاله: “هل تضمن ميشال عون؟”،  فردّ ممازحاً: “بدايةً ملحم الرياشي بيضمنو”!!

لم يكن جعجع الدافع الوحيد على دفع الحريري إلى أحضان عون. بَدَت التسوية الرئاسية الممرّ الإلزامي الثاني لإقلاع العهد. هناك من سعى لها ومن حَاك تفاصيلها ومن روّج لها. وهكذا كان، انطلق العهد بقوّة دفع اتفاقين سياسيّين أشبه بالصفقة التجارية مع خصوم الأمس، لينتهي الأمر بارتفاع متاريس بين أركان السلطة الحاكمة هو أقرب الى حرب إلغاء مصير العهد بحدّ ذاته. وبات العهد رهينة نتائجها.

لم يقصّر طرفا اتفاق معراب بحقّ بعضهما البعض تقريباً منذ بداية العام الثاني من الولاية الرئاسية. وتدرّجت الاتهامات إلى حدّ إعلان الطلاق النهائي.

في تلك الجلسة أفرَغَ جعجع ما في جعبته لإقناع الحريري بضرورة وضع اليدّ مع عون الذي “يمثّل مسيحياً حاجة لـ”حزب الله” تفوق حاجة عون للحزب ويمثّل قاعدة شعبية واستراتيجية لا يمكن تجاوزها، بعكس سليمان فرنجية”

اختار سمير جعجع الخروج من كنف الحكومة والسعي لانتخابات نيابية مُبكرة يراهن من خلالها على انتزاع ما تبقى من شرعية مسيحية لعهد عون راكباً موجة الثورة ومتّهماً باسيل بأنّه “لا يشبع”. وشنّ الأخير حرباً على معراب مُعايراً من وقّع معه التفاهم بأنّه يتعاطى مع اتفاق معراب كـ”لائحة طعام” ومتّهماً إياه بالانقلاب على العهد والخيانة. وما بين حديّ الخصومة اتهامات متبادلة بالفساد والاستزلام للخارج ووضع العين على كرسيّ بعبدا بعد انتهاء ولاية عون.

يقول لـ”أساس” أحد عرّابي اتفاق معراب، الوزير السابق ملحم الرياشي: “هناك بعدان للاتفاق: بعدٌ تكتي وبعدٌ استراتيجي. وفق حسابات موازين القوى أخطأت قيادة “التيار” بالتكتي وتعاطت مع الاتفاق على أساس أنّ موازين القوى لصالحها بعد وصول عون إلى الرئاسة. بينما لو تعاطت معه بمنطق سمير جعجع وبالمنطق الاستراتيجي لكانت حفظت الثنائية المسيحية التي أمّنت التوازن الوطني بعد 30 سنة على اندحاره. وهي الثنائية التي أعادت لموقع الرئاسة رونقه، وكانت لتساهم في نهضة لبنان وبأن يكون عهد عون العهد القويّ والاستثنائي بكل معنى الكلمة”.

يضيف الرياشي: “لطالما كنتُ أكثر القائلين في مرحلة خدمتي كوزير في الحكومة الأولى من هذا العهد حين بدأت صفقات المُحاصصة على حساب استراتيجيات موازين القوى، بأنّني أحسد الثنائية الشيعية، واليوم ندفع جميعاً، وخصوصاً التيار، ثمن سقوط اتفاق معراب”.   

هناك بعدان للاتفاق: بعدٌ تكتي وبعدٌ استراتيجي. وفق حسابات موازين القوى أخطأت قيادة “التيار” بالتكتي وتعاطت مع الاتفاق على أساس أنّ موازين القوى لصالحها بعد وصول عون إلى الرئاسة

مع ذلك، تقرّ مصادر مسيحية بأنّ “الرابح الأكبر استراتيجياً بعد خمس سنوات هي القوات، لأنّ صورتها عند النخب المسيحية خصوصاً وعند اللبنانيين عموماً انقلبت ولم تعد تستطيع الدعاية العونية تشويهها. وفي المقابل فإنّ نتائج المصالحة التي كانت مربحة للقوات، جاءت كارثية على عون وباسيل. صحيح أنّ الاتفاق حقّق الرئاسة لعون مع رئيس ظلّ هو باسيل، لكنّ الاثنين خسرا حالهما مع الرصيد الشعبي والمسيحي والوطني”.

تضيف المصادر المسيحية: “أمام الصورة الحديدية الحزبية للقوات التي تشبه تركيبة حزب الله شهدنا على تفكّك هائل في جسم التيار العوني التنظيمي وحالات تمرّد حتّى ضمن أهل البيت”.

من جهته، يقول الرياشي: “مشروع “أوعا خيّك” حقّق الكثير على الأرض، وإن حصلت اشتباكات فهي على مستوى الجيوش الإلكترونية مع محاذرة الجميع اليوم كبس زرّ العودة إلى الوراء. ومن ينتقد اليوم المصالحة والوضع المسيحي المستجدّ عليه أن ينظر إلى يوميات ثلاثين سنة عجاف ليعلم أنّه كالذي كان مصاباً بالسرطان وشفي منه، ثم أصبح ينقّ من وجع الرأس”!

وتبدو هذه المقاربة نقطة حسّاسة في سياق انهيار اتفاق معراب.  فمشهد التظاهرة القواتية أمام ميرنا الشالوحي والتي دفعت جعجع إلى التدخّل شخصياً وسحب المشاركين فيها استنفرت، وفق مصادر مسيحية، الجيوش الإلكترونية للطرفين لكنّها دفعت الجميع، بما في ذلك القواعد المسيحية والإكليروس، إلى التحذير من العودة الى الماضي.

تقرّ مصادر مسيحية بأنّ الرابح الأكبر استراتيجياً بعد خمس سنوات هي القوات، لأنّ صورتها عند النخب المسيحية خصوصاً وعند اللبنانيين عموماً انقلبت ولم تعد تستطيع الدعاية العونية تشويهها

وفي السياق نفسه، لم يكن تفصيلاً تحميل مستشار رئيس الجمهورية السابق جان عزيز، الذي كان من الدائرة الأقرب لعون، في حديث تلفزيوني قبل أيام: “التيار مسؤولية الإطاحة باتفاق معراب”، مؤكّدا أنّه “سأل باسيل في حال وصل عون لرئاسة الجمهورية وحصل المسيحيون على حقيبتيّن سياديتيّن كيف يتمّ توزيعهما وفق هذا الاتفاق فأجاب: “واحدة لنا وواحدة للقوات”!

وانطلاقاً من هذا الاعتراف يتساءل البعض عن سبب عدم تقديم “الشاهد” الثاني على اتفاق معراب النائب ابراهيم كنعان  “شهادته” في شأن المسؤول الحقيقي عن إسقاط الاتفاق وعرقلة تنفيذه. 

إقرأ أيضاً: من يجلس إلى طاولة التسوية؟ (1): توثبٌ قواتي وأريحيةٌ شيعية

في الحقيقة تحميل المسؤوليات لجبران باسيل في الكثير من الملفات والإخفاقات يتردّد في صالونات قيادات ونواب عونيين. وهذا أمرٌ بات يدركه الجميع ويصعب التعتيم عليه.

في المقابل، تقدّم أوساط باسيل مقاربتها “لاتفاق كان متكاملاً وأساسه سياسي وطني قام على إعلان النيّات والعمل معاً لدعم العهد وتقويته وليس الطعن بالظهر. وشمل الاتقاق توزيع الحصص والحقائب في الحكومات والتعيينات والانتخابات النيابية والتنسيق بيننا بما يخدم المصلحة المسيحية، لكنّ جعجع انقلب على  عون وسعى لضرب مقوّمات عهده وتآمر عليه وصولاً إلى عدم مساندتنا حين وقف رئيس الجمهورية بوجه من فرض على الحريري الاستقالة من الرياض، وطالب جعجع بما هو أكبر من حجمه وتعدّى علينا بفتح ملفات فساد مفبركة لتشويه صورة عون والتيار…”

وتؤكّد الأوساط: “حَرِصنا سابقاً على عدم إخراج الخلاف مع القوات إلى العلن، وحاولنا عبر اجتماعات مشتركة لجم رقعة الخلافات، لكنّ جعجع أعلنها معركة ثم وجدناه ثائراً من الضبية إلى ذوق مكايل إلى وسط بيروت واضعاً التيار ووزراءه في قفص الاتهام بالفساد، فيما يدرك جيداً مشروع عون القائم على مكافحة الفساد وبناء الدولة”. ويجزم الباسيليون: “game is over  مع جعجع”!

مواضيع ذات صلة

هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد…

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب عن موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…