التعيينات أو الاختيارات التي قام بها الرئيس الأميركي المنتخب لشغل أهم المراكز الحساسة في إدراته، لم تكن مجرد اختيار لشخصيات ذات كفاءة إدارية وسياسية تشكل فارقاً مع الخيارات أو الاختيارات التي لجأ إليها سلفه المنتهية ولايته دونالد ترمب.
فالاختيارات التي شملت جايك سوليفان كمستشار للامن القومي، وأنطوني بلينكين لوزارة الخارجية ووند تشرمن مساعدة له، ووليم بيرنز لمنصب جهاز الإستخبارات المركزية CIA، لم تكن اختيارات عابرة أو عبثية. فهي إلى جانب قدرتها على إدارة الملفات الدولية بحرفية عالية بعيداً عن الانفعالية، تكشف حجم الاهتمام والتركيز الذي يوليه بايدن لملف الأزمة الإيرانية وتداعيات قرار ترمب الانسحاب من الإتفاق النووي في أيار 2018.
خيارات استوقفت الكثير من دوائر القرار الدولية حول أهميتها وأبعادها والدلالات التي تحملها. ولعل أبرز نتائجها المباشرة إجبار مايك بومبيو وزير خارجية إدارة ترامب على إلغاء جولته الأوروبية بعد رفض أو امتناع بعض نظرائه الأوروبيين الذين اعتزم زيارة عواصمهم، عن استقباله في الأيام الأخيرة، ما يشير إلى أنّ هذه العواصم التي لجأت إلى مماشاة سياسة إدارة ترامب في الأزمات الدولية، بدأت إعادة النظر في هذه المواقف تمهيداً للتعامل مع الإدارة الجديدة التي تعتمد منهجية مختلفة في التعاطي بعيداً عن الصدامية.
هذا القرار جاء نتيجة التقدم الذي أحرزته دبلوماسية محمد جواد ظريف قبل توليه الوزارة في حوارات جرت خلف الكواليس في سلطنة عمان وأثمرت الذهاب إلى مفاوضات مباشرة انتهت بالتوقيع على الإتفاق النووي في 14 تموز 2015
أما انعكاسات هذه الخيارات على الساحة الإيرانية، قد تبدو واضحة وقريبة أو سهلة التوقع، على الرغم من الإحتمالية العالية لحدوث تغيير في طبيعة رئاسة الجمهورية في الإنتخابات المقررة في 18 حزيران 2021 وإمكانية تولّي شخصية من التيار المحافظ أو المؤسسة العسكرية مسؤولية رئاسة السلطة التنفيذية بعد انتهاء ولاية حسن روحاني. فيتوقّع أن لا يحصل تغيير في فريق وزارة الخارجية التي تولت مهمة التفاوض في الملف النووي منذ وصول روحاني إلى الرئاسة عام 2013 بديلاً عن المجلس الأعلى للأمن القومي. هذا القرار جاء نتيجة التقدم الذي أحرزته دبلوماسية محمد جواد ظريف قبل توليه الوزارة في حوارات جرت خلف الكواليس في سلطنة عمان وأثمرت الذهاب إلى مفاوضات مباشرة انتهت بالتوقيع على الإتفاق النووي في 14 تموز 2015.
وعلى الرغم من أن موقع وزارة الخارجية في الحكومة الإيرانية يعتبر منذ عام 1988 وتولي الشيخ على أكبر هاشمي رفنسجاني رئاسة الجمهورية، يقع في إطار ودائرة صلاحيات المرشد الأعلى للنظام ومن حصته، إلا أنّ الوزير المقبل بعد حزيران 2021 لن يكون من صلاحية المرشد فقط، بل ستكون الإدارة الأميركية هذه المرة أحد الشركاء الفاعلين في ذلك، بتأثير من الخيارات التي قامت بها في تركيب إدارتها السياسية والأمنية والمخابراتية والدور الذي لعبته هذه الشخصيات المقترحة في صياغة وترتيب مقدمات الاتفاق النووي الذي وقع بين إيران وواشنطن وعبرت عنه آلية مجموعة دول 5+1.
انعكاسات هذه الخيارات على الساحة الإيرانية، قد تبدو واضحة وقريبة أو سهلة التوقع، على الرغم من الإحتمالية العالية لحدوث تغيير في طبيعة رئاسة الجمهورية في الإنتخابات المقررة في 18 حزيران 2021 وإمكانية تولّي شخصية من التيار المحافظ أو المؤسسة العسكرية مسؤولية رئاسة السلطة التنفيذية بعد انتهاء ولاية حسن روحاني
وكانت طهران تسعى لإعادة تفعيل الإتفاق النووي مع إدارة بايدن، وهو ما يبدو واضحاً في نوايا النظام التي عبر عنها المرشد الأعلى عندما لم يرفض الاتفاق كأساس للتعامل والتفاهم بين الطرفين مشترطاً إلغاء جميع العقوبات قبل اللجوء إلى أيّ خطوة في هذا السياق. ما يعني أن المرشد سيكون أمام ضرورة الحفاظ على تولي “ظريف” منصب وزارة الخارجية ومهمة رئاسة الفريق المفاوض مع أي رئيس جديد، لأنّه الشخصية الإيرانية الوحيدة ربما، والأقدر، على التعامل مع فريق البيت الأبيض نتيجة الخبرة الطويلة في التعامل مع هذه الشخصيات على مدى أكثر من أربع سنوات من عمر المفاوضات والاتفاق، قبل وخلال إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما.
وإذا ما كانت حظوظ “ظريف” في سباق الإنتخابات الرئاسية غير محسومة، في المقابل فإنّ إمكانية عودته إلى الخارجية تبدو أقرب إلى الحصول بناء على المعطيات السابقة. وقد عزّزتها مجموعة مواقف قديمة لظريف كشف خلالها عن حجم التنسيق الذي كان يقوم به مع المرشد الأعلى ومع قائد قوة القدس في حرس الثورة الجنرال قاسم سليماني. والأخير يمثل حجز الزاوية في المشروع الإيراني الإقليمي والرافعة الأساسية للموقف الإيراني والفريق السياسي في المفاوضات النووية. وقد جاءت مواقف ظريف الأخيرة في لقاء مطوّل أجراه مع موقع إلكتروني خاصّ بالمرشد الأعلى، لتشكّل مؤشراً على الثقة التي يوليها له وأهمية الدور الذي يلعبه في ترجمة استراتيجية النظام في المواقف والسياسات الخارجية خصوصا في الملف النووي. وأقبتت المقابلة أنّ كل الخطوات وكل المواقف التي صدرت عنه جاءت بعد التنسيق المباشر والتفاهم والإتفاق مع المرشد الذي يرسم الإطار العام لعملية التفاوض وحدودها، والتي شكل ظريف الطرف الإيراني المعبر عنها بكل أمانة وإلتزام، سياسيا وعقائديا. خصوصا ما يتعلق بالمطالب المستجدة لواشنطن والتي تشمل فتح باب التفاوض على البرنامج الصاروخي والنفوذ الإقليمي. فقد أعاد ظريف التأكيد عل هذه السياسات، إلى جانب الدور الذي لعبه في مفاوضات الإتفاق النووي في الدفاع عن استراتيجية النظام التي رسمها المرشد حول هذين الملفين بكل صلابة.
هذا يعني أنّ النظام سيكون أمام خيار الاحتفاظ بظريف وفريقه ليقود عملية التفاوض المقبلة من دون تنازلات جوهرية. مع ترك الباب مفتوحاً أمام إمكانية التوصل إلى مساحات مشتركة حولهما مع الفريق الأميركي القديم – الجديد وما يملكه من هامش كبير للذهاب إلى حسم القرارات بسهولة أكبر نتيجة معرفته بخلفيات الموقف الإيراني بما يساعد على تسريع التفاهمات وبأقل قدر من استهلاك للوقت.