يعتقد بعض السياسيين ممن لا يعرفون الجنرال ميشال عون أنّ الرجل سوف يتنحّى عن رئاسة الجمهورية إذا طلب منه “حزب الله”، أو إذا توسعّت الدعوات الشعبية والسياسية إلى استقالته وشملت أجزاء وازنة من كل الطوائف، مارونياً – مسيحياً وسنياً وشيعياً ودرزياً. وإذا ساءت الأوضاع أكثر، وفق المتوقع في الأشهر المقبلة، وتحقق حديثه عن “جهنم” تنتظر اللبنانيين؟
أصحاب هذا الرأي لا يعرفون على الأرجح معدن الرجل الذي يتحدثون عنه وطريقة تفكيره وردود فعله. أو يعرفون ويتجاهلون. يتعاملون مع المسألة على أساس أنّ هناك منطقاً واحداً لسلوك رئيس الدولة في أي دولة من العالم.
لبنان يختلف والجنرال عون يختلف منطقه عن بقية رؤساء دول العالم. وحتى إذا طلب منه “حزب الله” التنحّي، وهذه فرضية غير واردة لأهمية التحالف بينهما بالنسبة إلى الحزب، فلا يكون الجنرال هو الجنرال في حال تجاوب مع هذا الطلب من دون أن يؤمّن استمراره في القصر الرئاسي من خلال امتداده، الوزير السابق جبران باسيل، ولا أحد غيره. سوى ذلك لن يعدم الجنرال وسيلة لحماية قصر الرئاسة في أسوأ الظروف، وإن اقتضى الأمر تحويله مرّة بيتاً لما تبقى من الشعب كما فعل في 1989 – 1990 عندما شكّل جمهور الحركة العونية درعاً بشرياً للجنرال حتّى الساعات الأخيرة التي سبقت هجوم الجيش السوري عليه ذات 13 تشرين.
فلندعُ إلى استقالة “الجنرال” إذاً انسجاماً مع أنفسنا ولأنه يجب أن يستقيل. ولكن من دون أمل حقاً في احتمال أن يستمع ويبدي أدنى اكتراث، حتّى لو سار على رأس المتظاهرين ضده بطريرك الموارنة بذاته
القاعدة أنّ الجنرال عون يحالف ما دام الحلف يخدم أهدافه، بصرف النظر عن هوية الحليف وسياساته وأهدافه، ويتخلّى عن الحلف عندما لا يعود يخدم أهدافه. هكذا فعل مع “حزب الله” وهكذا فعل مع “القوات اللبنانية”. عقيدته المصلحة الصرف وصودف أن مصلحته التقت مع “الحزب” ولم تلتقِ مع “القوات” أو مع الرئيس سعد الحريري والفريق الذي يمثّل. عندما تضاربت مصلحته مع مصلحة حزب “القوات”، تركه عون بعدما قام “الحكيم” بما عليه من خلال المساهمة في إيصال الجنرال إلى الرئاسة وفقاً لـ”اتفاق معراب”. وهذا كلّ ما أراده عون وباسيل من ذاك الاتفاق. بانتفاء وسائل الضغط والإلزام والتأثير عند سمير جعجع ورفاقه ما كان أسهل على الجنرال من تمزيق الشقّ الآخر من الاتفاق المعرابي الذي نصّ على تقاسم “حصّة المسيحيين” في الدولة بين التيار العوني وحزب جعجع.
انهارت إذاً نظرية “الرئاسة للأقوى في طائفته” التي حملت جعجع على الاعتقاد بأنّه يمكن أن يخلف عون في بعبدا بصفته الأقوى الرقم 2 في طائفته. تقدم جبران باسيل. أما “حزب الله” فعلى النقيض من “القوات”، ممسك بالدولة ولا يضطرّ إلى طلب شيء من رئيس الجمهورية وفريقه. يعرفون واجباتهم والمطلوب منهم، لا سيما في مجال تغطية سلاح الحزب التابع لإيران داخلياً وعربياً ودولياً، في مقابل الدعم الذي قدمه لإيصال الجنرال إلى بعبدا وحمايته لاحقاً على طريقة “خدمة صيانة ما بعد البيع”.
زمن رئاسة أمين الجميّل رفع شعار “أعطوني السلام وخذوا ما يُدهش العالم”. الرئيس رفيق الحريري قدّم ما يُدهش العالم بإعمار بيوت ولبنان رغم أّنه لم ينل سوى سلام زائف ومنقوص. عاد الجنرال عون إلى قصر بعبدا تحت شعار “أعطوني الرئاسة وخذوا ما تريدون”. أخذ “حزب الله” لبنان وشعبه إلى الهاوية.
على الرغم من قتامة الصورة لا عون يخطر بباله الفكاك عن الحزب المسلّح ولا الحزب المسلّح يخطر بباله الفكاك عن عون. هذه هي القاعدة الثابتة في لبنان والباقي كله متحوّل. وعلى خطى عون ومثاله أثبت باسيل أنه إذا خُيّر بين العالم بأكمله وبين “حزب الله” فإنه يختار الحزب. يعرف أنّ العالم لن ينفعه في شيء إذا خسر رضا الحزب عنه. الاحتمال الوحيد الذي يمكن أن يحمل حماه على التفكير بالتخلي عن الرئاسة هو تطوّر صحي، كلّ إنسان معرّض له، خصوصاً في زمن الكورونا. عند ذلك سيكون على اللبنانيين التكيّف مع فكرة رئاسة جبران باسيل للجمهورية، حتّى لو شتمه مئات الآلاف في الشوارع والساحات. سيرفع قائد “الحزب الحاكم” أصبعه وهو يقول لرؤساء الكتل والأحزاب والنواب: تريدون رئيساً؟ اذهبوا إلى البرلمان وانتخبوا جبران.
كلّ ما سبق ليس دعوة إلى عدم المطالبة باستقالة عون أو تنحيته. فهذه اللافتة الوحيدة المحتملة لجمع شتات القوى السياسية والشعبية على امتداد الأراضي اللبنانية وفي الخارج. أقلية فقط ستبقى تجرؤ على الدعوة إلى التصدّى لأصل المشكلة: سيطرة “حزب الله” شبه الكاملة بسلاحه وعقيدته وثقافته على الدولة اللبنانية.
إقرأ أيضاً: ميشال عون يستكمل “اتفاق القاهرة”
فلندعُ إلى استقالة “الجنرال” إذاً انسجاماً مع أنفسنا ولأنّه يجب أن يستقيل. ولكن من دون أمل حقاً في احتمال أن يستمع ويبدي أدنى اكتراث، حتّى لو سار على رأس المتظاهرين ضده بطريرك الموارنة بذاته. نتحدث عن ميشال عون يا سادة. “الجنرال”.