باسيل مستاء من “السيد”: تساوي المُعتدِي بالمُعتدَى عليه!

مدة القراءة 6 د

في زمن الجوع والانهيار والاجتياح الوبائي و”استسلام” المستشفيات، بات الحديث عن الحكومة تَرفأ في غير مَحلّه. مع ذلك، حَمَلت الأيام الماضية مؤشّرات على انسداد الأفق الى حدّ تأكيد مرجعية بارزة أن “لا حّل مستداماً على ما يبدو بوجود ميشال عون في رئاسة الجمهورية ولا سعد الحريري، ربما، في رئاسة الحكومة. وسيكون ذلك المقدّمة الطبيعية للبحث الجدّي في فتح ملفات الطائف والذهاب نحو عقد سياسي جديد”ّ.

لم يعد هناك الكثير ليُقال في علاقة حليفي التسوية عون والحريري، وحُكماً بينهما جبران باسيل. لا تسوية، ولا وسيط دولياً، ولا مسعى البطريرك بشارة الراعي، ولا علاء الخواجة أو أيّ صديق مشترك قادر اليوم على جمع الأضداد. “إنّها الحرب” على قاعدة “يا قاتل يا مقتول… بالسياسة”.

في الشريط المصوّر المسرّب سُمِع عون يقول عن الحريري “كاذب”. لكن في كواليس بعبدا تُسمَع أوصاف أقّلها صفة الكذب.

يقول صديق عتيق لميشال عون: “في المجالس الضيّقة كان عون يبّرر وضع يده بيد الحريري بتبريرات قريبة من تلك التي دفعته إلى رفع كؤوس الشمبانيا في معراب وإعلان تحالفه مع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. رئاسة الجمهورية كانت طبعاً الأساس، من دون فصلها عن سعيه لاستعادة مفهوم الدولة وإعادة بناء المؤسسات ومكافحة الفساد. لكنّ رأي عون بالرجلين، قبل وبعد التسويات معهما، كان صادِماً”.

يضيف صديق عون: “صحيح أنّه قال يوماً عن الحريري إنّه بمثابة ابنه. لكن من قال إنّ كلّ الأبناء صالحون. لذلك، لم يغيّر عون رأيه بمن اعتبره وريث “تِركة” الحريرية السياسية التي دافع عنها وانغمس في شبكة مصالحها وأحاطَ نفسه برِجالاتها. ومع الوقت أدرك أكثر صعوبة التفاهم مع من ضيّع إرث والده وصَمَت عن أفظع انتهاك قد يتعرّض له رئيس حكومة. من يصدّق أن تجتمع كل هذه “الصفات” في رجل واحد ينصّب نفسه اليوم قائداً لمشروع الإصلاح على رأس حكومة اختصاصيين ونظفاء الكفّ”.

أما رأي عون بجعجع، يقول صديق “الجنرال”، “فليس أفضل حالاً. إذ حتّى قبل أيام قليلة سبقت توقيع تفاهم معراب، كان عون لا يزال يردّد: “أنا مضطّر لوضع يدي بيد هذا “المًجرِم”.

في المجالس الضيّقة كان عون يبّرر وضع يده بيد الحريري بتبريرات قريبة من تلك التي دفعته إلى رفع كؤوس الشمبانيا في معراب وإعلان تحالفه مع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع

في المحصّلة، سقطت احتمالات إحياء الثنائية العونية – الحريرية، بانتظار فرجٍ لم يأت بعد، فيما حزب الله الحليف الثابت الوحيد للعهد يقف في نصف الطريق بين بعبدا وبيت الوسط.

باسيل، وفي معرض الدفاع عن “الحقوق” والمعايير الموحّدة، أثبت أنّه حاضر في تفاصيل تفاصيل الملفّ الحكومي، والأخذ والردّ بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، إلى درجة بقّ بَحصة وزارتيّ العدل والداخلية بالكشف عمّا لا تعرفه، بالتأكيد، إلا قلّة قليلة في محيط عون.  وهو أن ادّعاء المحقّق العدلي فادي صوان على رئيس حكومة تصريف الاعمال وثلاثة وزراء دفع الحريري إلى تغيير رأيه في ما اتفق عليه سابقاً، كما أكّد باسيل، بأن يسمّي رئيس الجمهورية  وزيري الداخلية والعدل، قائلاً: “قال شو. الرئيس بدّو يحبسو”.

الرسالة المبطّنة في كلام باسيل يوم الأحد الماضي تتجاوز نعي إمكانية أن يكون الحريري رابع رئيس حكومة للعهد مع بدء العدّ العكسي لنهاية الولاية.

فرئيس التيار الوطني الحرّ غمز مرّتين من قناة حليفه حزب الله بالإشارة إلى فتحه الخطوط مع الحريري في وقت كانت الجبهات مفتوحة بين بعبدا وبين بيت الوسط: الأولى بقوله إنّ الحريري أبلغ حزب الله رفضه أن يسمّي رئيس الجمهورية وزيري العدل والداخلية، والثانية بتأكيده أنّ الرئيس المكلّف سمّى الوزراء المسيحيين في الحكومة فيما طلب من حزب الله اقتراح تسمية وزيريّن من حصته.

أما نصرالله، في خطابه الأخير، فأكّد  بنفسه على قنوات التواصل والتنسيق مع بيت الوسط بالقول: “سألنا الحريري حول ما يترّد بأنّه  لا يريد تشكيل حكومة بانتظار ذهاب إدارة ترامب لأنّه مهدّد ‏بالعقوبات، لكنه نفى ذلك”.

وها هو الحزب، وفق مصادر مطلعة، يدخل على خط وساطة بالتنسيق مع الرئيس نبيه بري لسدّ الفجوة الكبيرة بين الطرفين. لكنّ أوساط التيار الوطني الحر ترى أنّ المسعى “غير متكافئ كونه يساوي بين المُعتدي والمُعتدَى عليه”.

الرسالة المبطّنة في كلام باسيل يوم الأحد الماضي تتجاوز نعي إمكانية أن يكون الحريري رابع رئيس حكومة للعهد مع بدء العدّ العكسي لنهاية الولاية

في الطلّات الأخيرة لأمين عام حزب الله كانت الحكومة بنداً إما غائباً عن خطابه أو حاضراً بكلمات مقتضبة… الى أن فتح دفاتر الحكومة يوم الجمعة الفائت.

ومن بين سطور موقفه الحكومي”غير المريح” لحليفه العوني، صوّب السيّد نصرالله للمرّة الأولى سهامه باتجاه باسيل وناشطي التيار على مواقع التواصل ربطاً بملف الفساد، بسبب إصرار باسيل في العلن وفي المجالس المغلقة على القول إنّ “حزب الله لا يقف معنا في موضوع مكافحة الفساد”، قائلاً بالحرف الواحد: “نحن إلى جانب القضاء في فتح كل الملفات. وإذا لم أطلّ من التلفزيون لأهاجم فلاناً وأشتم فلاناً، فنكون حينها غير جدّيين في مكافحة الفساد؟. هذا لا يُسمّى مكافحة فساد، هذا اسمه تخريب بلد واستنفار للعصبيات”.

إقرأ أيضاً: على سعد الحريري أن ينتفض لكرامة تكليفه..

أما حكومياً، فالحزب، المًحاصر أصلاً، يؤيّد نجاح الحريري في تأليف حكومته وعدم وضع المزيد من العراقيل أمامه. وهنا يؤكّد قريبون من دائرة حزب الله: “ليس منطقياً أن يلعب باسيل على وتر “عدم الاختصاص”. فالحريري، من موقعه الشعبي والسياسي، يمثّل ركّناً في سيبة ثلاثية تعكس وجود مرجعيات هي الأكثر تمثيلاً في طوائفها في المواقع الدستورية الثلاثة ولا يمكن أن يتجاهل باسيل هذا المعطى”.

ومواقف نصرالله مؤخراً استكملت مسار انحياز الضاحية إلى التفاهم لا التصادم بين الحريري وباسيل، أوّلاً عبر توجيه نصيحة لكل “من رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف في حال مراهنتهما على المفاوضات الأميركية – الإيرانية “فهذا الأمر ليس وارداً… أنتم تنتظرون أمراً بلا أفق”.

كما شدّد نصرالله على “ضرورة التفاهم الداخلي وعدم جواز تحميل المسؤولية لطرفٍ واحد”، مؤكّداً “وجود ‏أطرافٍ عدّة لديها مطالب ومخاوف وحسابات، وهناك ‏أزمة ثقة”، ومتحدّثاً عن المخاوف المشتركة “من فتح الملفات ومع منّ تكون وزارة الداخلية، وعن ضرورة إعطاء ضمانات لبعضنا البعض”.

مواضيع ذات صلة

هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد…

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب عن موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…