أعادت محاكمة الفنان فضل شاكر الغيابية، قضية موقوفي أحداث عبرا إلى الواجهة من جديد. فقد حكمت المحكمة العسكرية على شاكر بالسجن 15 عاماً بجرم التدخل في أعمال الإرهاب، التي اقترفها إرهابيون، مع علمه بالأمر عن طريق تقديم خدمات لوجستية لهم، وبالسجن 7 سنوات، وتغريمه 5 ملايين ليرة بجرم تمويل مجموعة الشيخ أحمد الأسير المسلحة والإنفاق عليها وتأمين ثمن أسلحة وذخائر لها.
فأين أصبح ملف موقوفي عبرا؟ ماذا عن المحاكمات التي انضوت في إطار هذا الملف؟ ماذا عن عدد الموقوفين؟ والمتوارين؟ وعدد المحاكمات وأنواعها؟ وعن أي تسوية يتحدث أهالي الموقوفين؟ وما هو المخرج القانوني الأنسب؟
رواية المظلومية
تصرّ زوجة الشيخ أحمد الأسير أمل شمس الدين على رواية المظلومية في هذا الملفّ. وتؤكد في حديثها لـ”أساس” أنّ الظلم واقع على الملف منذ ما يقارب 8 سنوات: “وكلّ من يتابع الأحداث بشفافية قبل المعركة وخلالها يعرف أنّ ما حصل كان مؤامرة ولم تكن لدينا نية لمواجهة الجيش بل وضعونا في الواجهة كحرب إلغاء علينا، ونجحت القوى السياسية مع الإعلام المأجور بتشويه صورتنا وتصويرنا كإرهابيين متطرّفين”.
تتحدث شمس الدين عن الأرقام في الملفّ لتثبت نظرية المظلومية: “في ملفّ عبرا 9 إعدامات و15 حكماً بالمؤبّد، ومن بين المحكومين بالإعدام الشيخ الأسير وشقيقه المتواري عن الأنظار، وهناك حكمان غيابيان بالمؤبّد على ولدَيه المتواريَيْن، أحدهما قاصر، من أصل 168 موقوفاً”. وتضيف: “في تاريخ القضاء اللبناني لا أحكام جائرة بهذا الحجم، حتّى في ملف نهر البارد ومجازره لا نجد سوى حكمين بالإعدام”.
عدا عن عشرات الأشخاص الذين خرجوا من السجن مع حكم البراءة، أو أنهوا محكوميتهم، أو حكموا من 6 إلى 15 سنة، وعشرات المتوارين “فلا يوجد بيت في صيدا إلا وتأذّى من أحداث عبرا، ولا بيت إلا وتجد بين أبنائه موقوفاً أو شهيداً أو متوارياً أو جريحاً أو من خاف وهاجر من البلاد. لقد غيّرت أحداث عبرا حياة أهالي صيدا وكأنّها جرح نازف، وحتّى الآن نشعر وكأنّها حصلت البارحة”.
وترى شمس الدين في العفو العام “تسوية” قد يكون فيها حلاً لقضية موقوفي عبرا “لأنّ الملف سياسي” ولذلك “وجدنا أنّ العفو العام هو المخرج لأنّ القضاء يكرّس الظلم علينا ولا ينصفنا، علماً أنّ عدد الموقوفين الإسلاميين بالمجمل لا يتجاوز 500”.
متاجرة سياسية
ومن النقطة نفسها ينطلق خالد البوبو، أحد الناشطين على خطّ المطالبة بالعدالة لموقوفي عبرا، ويؤكد أن “لا مصلحة لأهالي عبرا بالدخول في تسوية العفو العام لأنّ الإسلاميين هم الأقلّ عدداً بين المشمولين بالعفو، مقابل آلاف العملاء، وعشرات آلاف المطلوبين، لكن عدم القدرة على تحقيق العدالة بالملف، جعلتنا نطالب بالعفو، علماً أن موقوفي عبرا يمكن إعادة محاكمتهم بعدالة ومن دون حاجة إلى منّة أحد، لكنّ القضية سياسية، وكان هناك قرار بتوريط الشيخ الأسير وصبغه بالإرهاب”.
لا يوجد بيت في صيدا إلا وتأذّى من أحداث عبرا، ولا بيت إلا وتجد بين أبنائه موقوفاً أو شهيداً أو متوارياً أو جريحاً أو من خاف وهاجر من البلاد
لا ينكر البوبو وجود “متاجرة سياسية” في الملفّ، وإن كان يتردّد في الحديث عنها خوفاً من ردّات الفعل: “فالنائب بهية الحريري تتابع الملف، وكلّ سياسي زرناه، وحتّى رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، قال لنا: الملف بإيد عمتي”.
ويستغرب الأهالي من المماطلة في هذا الملف علماً أنّ للنائب بهية الحريري مروحة واسعة من العلاقات الطيبة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري وحزب الله والجميع: “لكنّها في آخر لقاء معنا قالت لنا إن لا علاقات لها بالمحكمة العسكرية ولا قدرة لديها على إغلاق الملف، رغم اعترافها بالمظلومية الواقعة على الملفّ”.
ويعترف البوبو أنّ أهالي عبرا أخطأوا التقدير في معركة عبرا، التي أدّت إلى وصم بلدة بأكملها بالإرهاب: “بينما بين أهلها المهندس والطبيب وابن المؤسسة العسكريّة أيضاً، وفيها من جميع الطوائف والمذاهب لا يزالون يعيشون مع بعصهم البعض”. أما الخطأ برأيه فقد حصل لأنّ “قوّة حزب الله ليست فقط بسلاحه وهيمنته على الدولة، بل بجُبن الأطراف التي تواجهه أيضاً وعدم جدّيتها في المواجهة”.
لكن ما رأي القانون في هذا الملف؟
المحامي محمد صبلوح، وكيل الشيخ الأسير، يحمل رأياً مغايراً في القضية. ويرى أنّ العفو العام ظلم إضافي في ملف موقوفي عبرا “ولو طُبّقت العدالة بالملف لما كان تجرّأ أحد ليطرحه من بوابة العفو العام، لأننا أمام ملفٍ وقع عليه الظلم من الدولة، السياسيين، الأجهزة الأمنية، والقضاء نفسه”.
وعن المظلومية الواقعة على الملف في مساره القضائي، يوضّح صبلوح: “قدّمنا إخباراً تلو الإخبار، وادّعينا على 84 شخصاً بالأسماء كانوا موجودين في المعركة، وأثبتنا وجود طرفٍ ثانٍ أطلق الرصاصة الأولى وأشعل الفتنة بين أهالي عبرا والجيش، ولم نلقَ أيّ تجاوب. حتى أنّ القضاء رفض استلام الأدلّة وأشرطة الفيديو التي تقدّمنا بها، وطلبنا شهوداً رفضتهم المحكمة، حتى أنّها رفضت أن تعرّف الوكلاء القانونيين على أسماء الشهداء الذين سقطوا في المعركة أو الاطلاع على التقارير الطبية. فكيف يُحاكم ،العشرات ومن بينهم 9 محكومين بالإعدام، على جريمةٍ من دون أن يعرفوا حتّى من المقتول فيها وكيف قُتِل”.
في الأعداد، يبلغ عدد موقوفي عبرا اليوم في السجون اللبنانية 40 إلى 50، بينهم 9 محكومين بالإعدام: “لجأنا الأمم المتحدة لنثبت أنّ محاكمة موقوفي عبرا غير عادلة، وأصدر المفوّض السامي لحقوق الإنسان في جنيف تقريراً أرسله رسميّاً إلى الحكومة اعتبر أنّ محاكمة ملف عبرا لم ترقَ للمحاكمة العادلة، وقدّمنا التقرير كمستندٍ رسميٍ إلى محكمة التمييز العسكرية وضمّوه للملف، لكن من دون أيّ تجاوب، وقدّمناه إلى مجلس القضاء الأعلى ووزيرة العدل”.
وكشف صبلوح عن “مشروعٍ جديد يتم العمل عليه مع منظماتٍ حقوقيّة أجنبية لتصحيح المعالجة الخاطئة من قبل الدولة اللبنانية في ملف الموقوفين الإسلاميين، وقد عملت المملكة العربية السعودية على مشروعٍ شبيه يسمى “المناصحة بمواجهة التطرّف” ونجحت المملكة بعد تطبيقه باطلاق سراح 30 ألف شخص من سجونها في مرحلةٍ انطلاقة الثورة السورية وكان التجييش في أوجّه، و14 % فقط منهم ذهبوا إلى سوريا والبقيّة انخرطوا في المجتمع بشكلٍ طبيعي.
عن المظلومية الواقعة على الملف في مساره القضائي، يوضّح صبلوح: “قدّمنا إخباراً تلو الإخبار، وادّعينا على 84 شخصاً بالأسماء كانوا موجودين في المعركة، وأثبتنا وجود طرفٍ ثانٍ أطلق الرصاصة الأولى وأشعل الفتنة بين أهالي عبرا والجيش”
ويشرح أنّه “برنامج حواري تشاوريّ تأهيلي للمساجين، أثبت نجاحه في ألمانيا، الدانمراك، المغرب، موريتانيا، وبريطانيا إلى حدٍ ما”. ويشير إلى أنّ العمل على المشروع يتم من مقاربة حقيقية واقعيّة تتلاءم مع الواقع اللبناني: “واقعنا مختلف عن أيّ دولة أخرى، إذ لا يوجد أرضية لعقليّة متطرّفة في لبنان، لكن هناك مشكلة حقيقية نواجهها، وتتمثل في أنّ البعض يدخل إلى السجن، ويخرج منه متطرّفاً، بسبب سوء المعاملة والمظلومية التي يتعرّض لها”.
ويكشف أنّه “خلال أشهر قليلة سنطلق رؤية استراتيجية كاملة لهذا المشروع لمعالجة التطرّف في لبنان، وهي استراتيجية سهلة التطبيق لأنّنا نتحدث عن أعدادٍ قليلة”. علماً أنّه برنامج يصلح لتأهيل كلّ المساجين في لبنان.
إقرأ أيضاً: عن “الغريب” فضل شاكر: أيّ عدالة؟
في لبنان اليوم ما يقارب 750 سجيناً متهماً بالإرهاب، 250 منهم من اللبنانيين، وفي أقلّ من سنة انخفض عددهم من 1200 إلى 750، بينهم 120 محكوماً بالمؤبد أو الإعدام، بحسب المحامي صبلوح: “ما يجعل من العفو تسوية ظالمة بحقّ هؤلاء مقابل 36 ألف مطلوب في البقاع، و7000 عميل في إسرائيل، لذلك نعمل على هذا المشروع، ونعمل على تشكيل لجنة تشرف على كلّ ملفٍ بملفّه كي نسرّع المحاكمات”. ويؤكّد على ضرورة تأهيل هؤلاء: “لأنّ من تعرّض للإساءة والمظلومية سيخرج حاقداً، وقد يتسبّب بمشكلة في المجتمع، وقد يكون حالة سهلة ومعرّضة الاستغلال من قبل البعض للقيام بعمليات أمنية في البلد. وهذا ما لمسناه في عدد من الحوادث”.
كلّ هذا يؤكد ضرورة البدء في برنامج إصلاحي تأهيلي في السجون. فهل سيبصر النور هذا البرنامج، أم أنّ قضية الموقوفين الإسلاميين وغيرهم ستبقى طبقاً شهيّاً على مائدة المتاجرة السياسية؟