معالم الانقلاب تكتمل: عون يُفضّل مخزومي أو عدرا أو الكبّي

مدة القراءة 5 د

يعود لبنان إلى أرض واقعه المنزلقة. لم يعد من مجال للرهان على الخارج. المشهد أمام الكونغرس أضعف الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى حدّ بعيد. بعد ما جرى لم يعد بالإمكان أن يقوم ترامب بأيّ عمل عسكري كبير في أيامه العشرة الأخيرة في البيت الأبيض، خصوصاً نتيجة ردّة فعل المؤسسات وعلى رأسها البنتاغون. العالم ينتظر جو بايدن، وسياسته واستراتيجية بلاده لن تتغيّر في لبنان. إيران تبحث عن التقاط النفس. وأول بوادر تنفسها، العمل على وضع معايير جديدة تكرس الانقلاب على عناوين تشكيل الحكومة في لبنان. مغادرة ترامب ووصول بايدن، لن تؤدّي إلى أيّ تغيير في الموقف العربي أو الغربي تجاه لبنان. موقف المملكة العربية السعودية هو نفسه، بعدم تشكيل أي حكومة تضم حزب الله، وعدم تقديم أيّ مساعدات يستفيد منها الحزب أو “نظامه” السياسي.

كل الملفات المزدحمة حتّمت تأجيل زيارة وفد مجلس الشيوخ الفرنسي: الذريعة كورونا، لكن ما إن أعلن عن تأجيل الزيارة، حتّى بدأ الحديث عن معايير جديدة لتشكيل الحكومة تختلف عن حكومة الاختصاصيين. كان وليد جنبلاط قد قرأ تلك المعطيات باكراً، نصح الحريري عبر قنوات تواصل خاصة بالاعتكاف أو الاعتذار، لأنّ الحكومة لن تكون حكومته. حزب الله ومن أمامه رئيس الجمهورية ميشال عون، لا يريدان لأيّ حكومة أن تكون صاحبة قرارها المصادر، ولن يكون للحريري أي مونة على اتخاذ القرار فيها. لم يستجب الحريري مع رسالة جنبلاط، شكّك به، وشنّت حملة عليه من قبل تيار المستقبل، على قاعدة الخوف من أنّ رئيس الإشتراكي ينقلب على معايير حكومة الاختصاصيين.

موقف المملكة العربية السعودية هو نفسه، بعدم تشكيل أي حكومة تضم حزب الله، وعدم تقديم أيّ مساعدات يستفيد منها الحزب أو “نظامه” السياسي

أوضح جنبلاط أنّه لا ينقلب لكنّ الحريري أحرج نفسه، سلّم لحزب الله وحركة أمل بما يريدان، وكذلك لسليمان فرنجية، لكنّه لم يفعل ذلك مع عون الذي قام بردّة فعل عنيفة. يعتبر جنبلاط أنّ معايير التشكيل كلها لا تتلاءم مع طرح حكومة الاختصاصيين. لذلك قال إنّ المعايير الحالية تفرض عليه المطالبة بحصته، لأنّها معايير تشكيل حكومة سياسية بغطاء الاختصاص. توترت الأجواء أكثر مع الحريري. فغرّد جنبلاط تغريدته الشهيرة، وهو يعلم أن لا الحكومة ستتشكل، ولا الموقف الخارجي سيتغيّر، وحتّى لو تشكلت الحكومة لن يكون هناك أيّ فرصة للحصول على مساعدات أو لإقرار الإصلاحات.

على مقلب عون، موقفه واضح: هو لا يريد أن يكون سعد الحريري رئيساً للحكومة، معالم الإنقلاب تكتمل، بالإصرار على شروط لا بدّ للحريري من تقديمها لتتشكل الحكومة، وهذه الشروط تلبّي كل ما يريده عون بهدف إعادة تعويم عهده وصهره.

محاولات الحريري زيارة المملكة العربية السعودية لم تنجح. وهذا مؤشر لا بد من قراءته، إذ يتكامل مع استدعاء السفير السعودي في بيروت وليد البخاري كرسالة اعتراض

الحريري محرج: إما أن يتنازل أو أن تطول فترة تكليفه من دون أن يعتذر. رئيس الجمهورية يفضّل علناً فؤاد مخزومي أو جواد عدرا لكنّه يخبئ اسم جمال جميل الكبّي* في جيبه لرئاسة الحكومة والأخير هو الممثل المقيم للبنك الدولي في مكتب الإمارات العربية المتحدة منذ نيسان 2019. هو لا يطرح فقط تسمية الوزراء المسيحيين، إنّما رفع عدد أعضاء الحكومة إلى عشرين وزيراً، وهذا موقف يتناغم إلى حدّ ما مع ما يريده حزب الله عبر الوزير الدرزي الثاني.

دخول بايدن إلى البيت الأبيض، وخروج ترامب، بالإضافة إلى عوامل المصالحة الخليجية، ستدفع حزب الله ومن خلفه إيران إلى التشدّد في الملفات اللبنانية وإمساكها. ستتغيّر كل عوامل التشكيل وشروطه، وقد ننتقل إلى المطالبة بتشكيل حكومة سياسيين وإسقاط مبدأ حكومة الإختصاص.

إقرأ أيضاً: نصر الله أسقط حكومة الحريري

كل ذلك من دون أيّ أثر عربي يبدي اهتماماً بالواقع اللبناني، خصوصاً بعد فشل المبادرة الفرنسية. محاولات الحريري زيارة المملكة العربية السعودية لم تنجح. وهذا مؤشر لا بد من قراءته، إذ يتكامل مع استدعاء السفير السعودي في بيروت وليد البخاري كرسالة اعتراض على أداء الحريري والمسار الذي سلكه في تشكيل الحكومة.

هذا الجوّ لن يتيح لرئيس تيار المستقبل تشكيل حكومته. الخلاصة واضحة: مزيد من التأزّم، استمرار الانهيار، وانتظار المزيد من التشدّد على قاعدة أنّ ما بعد المصالحة الخليجية ستستمرّ مساعي تطويق إيران، ما سيدفع إلى أسر الملف اللبناني أكثر فأكثر.

 

 

*جمال جميل الكبّي: 

يشغل حالياً منصب الممثل المقيم للبنك الدولي في مكتب الإمارات العربية المتحدة منذ نيسان 2019.  كان مديراً لبرنامج دول مجلس التعاون الخليجي بالبنك الدولي، وهو مسؤول مسؤولية مباشرة عن برنامج  الدعم الفني وعلاقات البنك مع البحرين وسلطنة عمان وقطر والإمارات العربية المتحدة. وهو خبير في مجالات إعداد وتنفيذ السياسات في الشرق الأوسط، والإدارة الاقتصادية، وتمويل المشروعات وإدارتها. يعمل الكبّي في البنك الدولي منذ أكثر من 30 عاماً، وشغل مناصب عدّة في إدارة منطقة أفريقيا، وإدارة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومعهد البنك الدولي، ومجلس المديرين التنفيذيين.

تمّ تعيينه كمدير إقليمي في مكتب الرياض بالمملكة العربية السعودية من 2007 إلى 2009. حيث كان مسؤولاً عن علاقات البنك الدولي مع السلطات السعودية وعن برنامج الدعم الفني في المملكة. وفي الفترة الممتدة بين 2002 و2006، شغل منصب نائب الممثل المقيم للبنك الدولي في القاهرة في مصر، حيث كان مسؤولاً عن تسهيل حافظة مشروعات البنك. والسيد جمال الكبّي مواطن لبناني حاصل على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة جورج تاون (1993) وهو أستاذ زائر للتمويل الإنمائي في جامعة جورج تاون.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…