ليست المرّة الأولى التي يتناول الناشط العونيّ ناجي حايك “حزب الله” على نحو انتقاديّ، بلا قفّازات، بشكل يبدو وكأنّه أحد صقور قوى 14 آذار، أو “القوات”، وليس أحد المنتسبين إلى واحد من طرفيّ تفاهم مار مخايل. ومع ذلك لم يخرج أي بيان نفي أو تأكيد من جانب قيادة “التيار الوطني الحر” يظهّر حقيقة موقفه من كلام ناجي حايك.
سبق للأخير أن سجّل أكثر من موقف “عدائيّ” تجاه “حزب الله”، كأن يقول مثلاً إنّ “حزب الله حليف نفسه، إذا تقاطعت مصلحة أحد مع مصلحة الحزب يُظهر أنّه يساعده إلّا أنّه في الحقيقة عند الوصول إلى موضوع له علاقة بالحزب شخصياً لا يتدخّل”، أو أن يسلّط الضوء على عمليات التهريب في المطار والسيطرة على طريق المطار، سارداً واقعة تعرّض دورية من الجمارك على طريق المطار لكمين من قبل مسلّحين على متن سيارات رباعية الدفع ذات زجاج داكن، أثناء قيام عناصر الدورية بضبط عملية تهريب بضائع.
لا شكّ بأنّ قيادة “التيار” صارت أسيرة رغبات الشارع المسيحي الذي يعاني من وطأة الأزمة الاقتصادية – المالية، وقد نجحت بروباغندا الخصوم في إقناع الرأي العام بأنّ “حزب الله” هو المسؤول المباشر والوحيد عن هذه الويلات بسبب العقوبات الأميركية التي خنقت البلد
حايك ليس الوحيد بين رفاقه ممن راحوا يعبّرون بصراحة، وبلا مواربة، عن رفضهم سلاحهم “الحزب”. سبق للنائب زياد أسود أن أدلى بالتصريح الأكثر وضوحاً، وُصِف بتصريح “سلّم سلاحك” لما تضمّنه من انتقادات واضحة لسلاح “حزب الله”، وتحميله مع سلاحه مسؤولية الواقع الاقتصادي المتردّي.
أسود قال: “مش رح فينا نضل حاملين بارودة وشعبنا جوعان”، مؤكداً أنّ ثمن وجود سلاح “حزب الله” يدفعه اللبنانيون، مضيفاً: “لا يستطيع حزب الله لوحده أن يصمد إذا لم يتوفّر تضامن وطنيّ حوله”، و”ما بيصمد لو قاعد تحت مية طابق بالضاحية”، ملمّحاً إلى “التفكّك الداخلي” من حول حزب الله في حال استمرّ في التغطية على الفساد.
رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل بنفسه وجّه أكثر من مرة رسالة لـ”حزب الله” تحمل تهديداً بنزع الغطاء المسيحيّ المقدّم له أمام المجتمع الدولي، في حال استمرّ التعاطي معه في الملفات الداخلية على هذا النحو من التباعد في الرؤية والأهداف والتي بدأت تترجم في عمل الحكومة اللبنانية الجديدة واللجان النيابية… إلى أن صارت العلاقة مع “حزب الله” موضع تفاوض مع الإدارة الأميركية.
حينها قال باسيل: “لا يمكن أن نطعن حزب الله أو نتركه بضغط خارجي! إذا أردنا أن نترك فلأسباب داخلية تتعلّق بنا وبمصلحة البلد. على كلّ حالٍ، كنّا قد عبّرنا سابقاً أنّ البلد يحتاج الى إصلاح حقيقيّ ولا يمكننا أن نُكمل هكذا. واتفقنا أخيراً على إجراء مراجعة وإعادة نظر في وثيقة التفاهم كي نطوّرها لنقدّم شيئاً لجمهورنا وللناس المتأملين فينا خيراً للبلد”.
حايك ليس الوحيد بين رفاقه ممن راحوا يعبّرون بصراحة، وبلا مواربة، عن رفضهم سلاحهم “الحزب”. سبق للنائب زياد أسود أن أدلى بالتصريح الأكثر وضوحاً، وُصِف بتصريح “سلّم سلاحك” لما تضمّنه من انتقادات واضحة لسلاح “حزب الله”، وتحميله مع سلاحه مسؤولية الواقع الاقتصادي المتردّي
في الواقع، أخذ تفاهم مار مخايل منحىً خلافياً ما استدعى إنذاراً من جانب “التيار الوطني الحر” بأنّ الوثيقة المشتركة باتت بحاجة إلى إعادة مراجعة في ضوء التجارب الصعبة والمرّة التي عبرها التحالف طوال خمسة عشر عاماً، وقد لاقاه “الحزب” إلى هذه القناعة بتأكيد نصر الله ضرورة العمل على مناقشة “التفاهم” في لجان مشتركة. وكان يفترض أن يجلس الطرفان إلى طاولة واحدة فيبحثان عن مكامن الخلل ويعملان على تطوير الوثيقة في ضوء التباينات والاختلافات التي بيّنتها تجربة الخمسة عشر عاماً.
لكن قبل جلوس الطرفين، لا بدّ من السؤال عن مدى توفّر ظروف سياسية مؤاتية لهذه المراجعة والسؤال عن الأسباب التي أدت إلى اعتلال التحالف وبالتالي مدى إمكانية إصلاحه وتصويبه.
وفق المتابعين، تثبت حالة التفلّت الإعلامي الحاصل في التيار الوطني الحر” أنّ الفوضى التنظيمية هي السائدة وهي التي تحول دون ضبط المنابر والتغريدات، ولو أنّ بعض الخبثاء يعتبرون أنّ ما يراه الآخرون حالة تفلّت، تراها قيادة “التيار” حالة صحّية مطلوبة تمنح التيار هامشه في التحرك وفي محاكاة نبض الشارع المسيحي.
لا شكّ بأنّ قيادة “التيار” صارت أسيرة رغبات الشارع المسيحي الذي يعاني من وطأة الأزمة الاقتصادية – المالية، وقد نجحت بروباغندا الخصوم في إقناع الرأي العام بأنّ “حزب الله” هو المسؤول المباشر والوحيد عن هذه الويلات بسبب العقوبات الأميركية التي خنقت البلد. ولهذا وقعت بين سندان تحالف هي بأمسّ الحاجة إليه بالسياسة وبين مطرقة العقوبات الأميركية وضغط الإدارة وتأثيرات الشارع وجنوحه نحو تحميل “حزب الله” مسؤولية الكوارث الاجتماعية الحاصلة.
لهذا لا يمكن عزل أي مراجعة قد يشهدها التفاهم عن هذه العوامل الداخلية والخارجية، التي سيكون لها تأثيرها على مسار القراءة المشتركة، بعد تحديد الأهداف المرجوّة من هذا التفاهم.
عملياً، تمّ توقيع وثيقة مار مخايل في شباط 2006، لكن التحالف لم يعبر معموديته الحقيقية إلّا في حرب تموز 2006 ليكون بلوغ ميشال عون رئاسة الجمهورية أحد أبرز أهداف هذا التفاهم، هذا من جهة التيار. أما من جهة “حزب الله” فكان الهدف الأبرز تأمين غطاء مسيحي للحالة التي يمثلها الحزب محلياً واقلمياً.
وقد سدّد “الحزب” واجبه من التفاهم فيما السؤال راهناً عن مدى التزام “التيار” بـ”واجبه” في الحفاظ على الغطاء المسيحي، وكيف يمكن لحالة التحريض التي يقودها عونيون ضدّ “الحزب” أن تبقي الأخير في حالة طمأنينة من التحالف.
من هنا، لا بدّ من إخضاع التفاهم لكلّ الاعتبارات الداخلية والخارجية، كما يقول المعنيون، التي طرأت عليه مع التحولّات الحاصلة من حوله. وهذا ما يفسر التأني في فلفشة أوراقه. إذ أنّ كل طرف سيقوم بمراجعة ذاتية قبل الجلوس إلى طاولة مشتركة. وبالتالي فالكلام عن اجتماعات لجنة مشتركة لا يزال سابقاً لأوانه، ويفترض بالفريقين أن يدرسا التفاهم من كلّ جوانبه قبل مناقشته سوياً.
وفق المعنيين، لا يجوز الانطلاق في رحلة التقييم المشتركة قبل تحديد كلّ طرف للأهداف المرجوة من المراجعة، ومن التحالف، والمسار الذي ينتظره، ذلك لأنّ بلوغ حائط مسدود في هذه المراجعة من شأنه أن يصيب التحالف بمقتل، وهذا ما لا يريده الحزبان… أقلّه حتى الآن.