في بداية هذا الأسبوع، تبدأ المهلة الأخيرة ليدفع طلاب الجامعة الأميركيّة في بيروت أقساطهم. على أن تليها الجامعة اللبنانيّة الأميركيّة في الأسبوع الأخير من هذا الشهر. والجامعتان تصرّان حتّى اللحظة على تقاضي الأقساط بـ3900 ليرة مقابل الدولار. فيما يبدو أنّ معظم الأهالي سيتريّثون قبل الدفع بانتظار مصير مشروع القانون الوارد على جدول أعمال الهيئة العامة للمجلس النيابي، والذي يقضي بإلزام الجامعات بتقاضي أقساطها وفق سعر الصرف الرسمي القديم وبعدم زيادتها للعام الدراسي الحالي.
وبما أن مهلة الدفع تمتد حتّى أوائل شباط، فمن المرتقب أن يراهن الأهل والطلاب على هذه الفترة الزمنيّة الطويلة لتمرير القانون في المجلس النيابي قبل الدفع. وفي هذه الأثناء، تعمل الجامعات بعيداً عن الأعلام في الضغط المنظّم في أوساط الكتل النيابيّة، باستخدام شبكة علاقاتها ومصالحها المتشعّبة، في محاولة لإجهاض مشروع القانون المطروح بصيغة “المعجّل المكرّر“.
تؤكّد أوساط متابعة للملف لـ”أساس” أنّ الجامعات الخاصّة، خصوصاً تلك التي اتّخذت قرار رفع سعر الصرف، تملك أسلحتها الثقيلة التي بدأت بتوظيفها في المعركة. وهي تاريخيّاً شبكة واسعة من العلاقات وتقاطع المصالح مع معظم أقطاب النظام السياسي الوازنين
مشروع القانون قدّمه نائبا كتلة الوفاء للمقاومة إيهاب حمادة وابراهيم الموسوي، بالتشاور مع كتلتي “اللقاء الديمقراطي” و”التنمية والتحرير” والنائب جهاد الصمد، ما يعطي الطرح بعض الجديّة من جهة وزن الكتل الثلاث داخل المجلس. مع العلم أنّ المكاتب التربوية وقطاعات الطلاب داخل معظم الأحزاب الممثلة في المجلس تضغط حالياً باتجاه موقف إيجابي من مشروع القانون، في محاولة لاستيعاب النقمة الطالبيّة المتصاعدة عليها، خصوصاً بعد نتائج الانتخابات الطالبيّة التي أظهرت تراجع حضور هذه الأحزاب داخل الجامعات الخاصة إلى أدنى المستويات.
يفترض أن يُظهر التصويت داخل المجلس عند انعقاد الهيئة العامة هذا الشهر حقيقة مواقف جميع الأطراف، خصوصاً أنّ التجربة تدل على إمكانية أن يكون مشروع القانون مجرّد فقاعة إعلاميّة لاحتواء الغضب الطالبي على الأرض، دون أن تملك الأحزاب التي تتبنّى مشروع القانون إعلاميّاً نيّة السير به حتّى النهاية.
في المقابل، تؤكّد أوساط متابعة للملف لـ”أساس” أنّ الجامعات الخاصّة، خصوصاً تلك التي اتّخذت قرار رفع سعر الصرف، تملك أسلحتها الثقيلة التي بدأت بتوظيفها في المعركة. وهي تاريخيّاً شبكة واسعة من العلاقات وتقاطع المصالح مع معظم أقطاب النظام السياسي الوازنين. حتّى أن عائلات سياسيّة عريقة تمثّلت في مجالس الأمناء والمجالس الاستراتيجيّة لبعض الجامعات الخاصّة. وبالفعل، بدأت هذه الجامعات منذ فترة بحملة علاقات عامة واسعة النطاق في محاولة لتلافي سيناريو إقرار مشروع القانون داخل المجلس، وفرض التراجع عن قراراتها الأخيرة. لذلك، من غير المستبعد أن يشهد المجلس خلال الأسابيع المقبلة، سلسلة مواقف عابرة للكتل النيابيّة تصب في صالح هذه الجامعات، في سيناريو مشابه لآليات الضغط التي تمكنت المصارف من توظيفها داخل المجلس خلال السنة الماضية، فأدّت إلى تبدّل مواقف الكثير من الكتل النيابيّة من مسائل عدّة.
على الأرض، تستمرّ التحركات الصاخبة التي تقودها مجموعة واسعة من أعضاء المجالس الطالبيّة المنتخبة في مختلف الجامعات الخاصّة، بما فيها تلك التي لم تتّخذ قرارات بخصوص الأقساط حتى اللحظة، بالإضافة إلى مجموعات مستقلة وعلمانيّة أثبتت حضورها الواسع في أنتخابات تلك الجامعات. وهذا النوع من التحركات بات يمثّل عنصر ضغط إضافي على الأحزاب التي قرأت نتائج الإنتخابات الجامعيّة جيّداً، وباتت تدرك أن ريادة هذه المجموعات –المناهضة لها في العادة – في معركة الأقساط، ستمثّل ضربة إضافيّة لشعبيّتها.
من غير المستبعد أن يشهد المجلس خلال الأسابيع المقبلة، سلسلة مواقف عابرة للكتل النيابيّة تصب في صالح هذه الجامعات، في سيناريو مشابه لآليات الضغط التي تمكنت المصارف من توظيفها داخل المجلس خلال السنة الماضية، فأدّت إلى تبدّل مواقف الكثير من الكتل النيابيّة من مسائل عدّة
ولعلّ هذه الاعتبارات هي تحديداً ما يفسّر تحرّكات رمزيّة قامت بها مجموعات حركة “أمل” و”الحزب التقدمي الإشتراكي” أمام وزارة التربية.
بعض منظّمي تحركات المجموعات المستقلة والعلمانيّة كشفوا لـ“أساس” أنّ الاحتجاجات الصاخبة جاءت على خلفيّة طريقة اتخاذ القرارات الأخيرة، إذ رفضت الإدارات التعامل مع المجالس الطالبيّة المنتخبة على أّنّها شريك في اتّخاذ القرار، كما رفضت التعامل بشفافيّة مع الجسم الطالبي من ناحية شرح تفاصيل الوضع المالي ومبرّرات تلك الزيادات. لذلك، حملت التحركات الأخيرة مطلب التراجع عن القرارات الحاليّة، ومن ثم اتّخاذ القرار المناسب لاحقاً بالتشارك مع الطلاب ووفق حاجات الجامعات الخاصّة الفعليّة. وهي مطالب مزجت بين الواقعيّة في قراءة أثر الأزمة على الجامعات من جهة، وبين الإصرار على إشراك الطلاب في القرارات الجديدة وفي فهم خلفية هذه القرارات. مع العلم أنّ الطلاب يعرفون أنّ حجم العجز في ميزانيّة الجامعة الأميركيّة – ووفقاً لأرقام الجامعة نفسها – لم يتجاوز مستوى 4.8% خلال الفترة الماضية، في حين الزيادة الفروضة حالياً على الأقساط تجاوزت مستوى 160%.
من ناحيتها، حاولت إدارات الجامعة الأميركية في بيروت والجامعة اللبنانيّة الأميركيّة استيعاب التحركات الصاخبة الأخيرة، من خلال قرارات جديدة رفعت نسبة المساعدات الممنوحة للطلاب، خصوصاً أولئك الذين تثبت سجلاتهم محدوديّة دخل ذويهم بالليرة اللبنانيّة. لكنّ هذه الخطوات لم تترافق حتّى اللحظة مع أي جهد جدي لفتح قنوات للتفاوض مع الطلاب المحتجّين، أو ممثّليهم في المجالس الطالبيّة المنتخبة، لإيجاد حلول ترضي جميع الأطراف. لا بل يمكن القول وبحسب العديد من المصادر أن إدارات الجامعتين تحاولان استعمال لعبة تمرير الوقت، بانتظار مرور مهلة دفع الأقساط وفرض القرارات كأمر واقع، بالتوازي مع إسقاط مشروع القانون المطروح في المجلس النيابي.
إقرأ أيضاً: مفاجأة: أقساط الجامعات الخاصّة… الدولار = 3900 ليرة
في الخلاصة، يبدو من الواضح أن الأزمة الماليّة التي تمرّ بها البلاد، خصوصاً مسألة انهيار سعر الصرف، باتت تفرض إيجاد حلول لمشاكل ستواجهها ميزانيات الجامعات الخاصّة اللبنانيّة. لكنّ المشكلة الأساسيّة ظهرت خلال الفترة الماضية في مسارعة الجامعتين الأميركيّتين إلى هذا النوع من القرارات بعد طبخها بعيداً عن أعين الطلاب، وبعيداً عن أي شفافيّة أو مصارحة بخصوص الوضع المالي للجامعتين. وعلى ما يبدو، كانت ردّة الفعل القاسية على هذه القرارات في الجامعتين درساً لسائر الجامعات، التي تريّثت في الوقت الراهن ولم تصدر أي قرارات مماثلة، بانتظار التفاهم مع الجسم الطالبي على حلول منطقيّة للمشاكل الماليّة المستجدة.