بقلم كارلوتا غول Carlotta Gall (نيويورك تايمز)
ساهم أوزغور أكباس Ozgur Akbas، في تنظيم مظاهرة في إسطنبول الشهر الماضي للاحتجاج على ما وصفه بـ”القواعد غير العادلة” التي فُرضت على التجار خلال انتشار جائحة كورونا. وقد أعاقت عمله القيود المفروضة على متجره لبيع التبغ. وقال في مقابلة صحافية: “هناك الكثير من الأصدقاء الذين أقفلوا متاجرهم، وبعضهم على وشك الانتحار”.
وكان الأتراك يتصارعون مع انخفاض قيمة العملة الوطنية، والتضخّم المكوّن من رقمين (أي الذي يتجاوز 9%) لمدّة عامين عندما ضرب الوباء في آذار الماضي، ما أدّى إلى تفاقم الركود العميق في البلاد بشكل حاد. وبعد تسعة أشهر، ومع اجتياح تركيا بموجة ثانية من الفيروس، ثمّة دلائل على أنّ قسماً كبيراً من السكان غارقون في الديون، ويجوعون بشكل متزايد.
وبحسب استطلاع حديث لمؤسسة “متروبول ريسيرش-MetroPoll Research” ، وهي مؤسسة تتسم بالاحترام، قال 25% من المشاركين إنّهم لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الأساسية. وقال أكباس إنّه يشهد ذلك يومياً بين زبائنه. وأضاف أنّ “الناس وصلوا إلى لحظة الانفجار”.
وبالنسبة للرئيس رجب طيب أردوغان، الذي لفت الانتباه هذا العام في الداخل والخارج من خلال سياسة خارجية عدوانية وتدخلات عسكرية، فقد وصلت الأمور فجأة إلى ذروتها في تشرين الثاني.
واعترفت الحكومة بأنها كانت تقلّل من مدى تفشّي الفيروس التاجي في تركيا، بعدم تسجيل حالات الإصابة بدون أعراض، إذ كشفت بيانات جديدة عن مستويات قياسية للعدوى في البلاد.
وتعرّضت الليرة التركية لانخفاض قياسي في قيمتها – انخفضت أكثر من 30% مقابل الدولار هذا العام – كما أنّ احتياطيات النقد الأجنبي قد استنفدت بشدة. وإلى جانب التضخم من رقمين، تواجه البلاد الآن أزمة في ميزان المدفوعات، حسبما ذكرت وكالة موديز لخدمة المستثمرين Moody’s Investor Service مؤخراً.
بحسب استطلاع حديث لمؤسسة “متروبول ريسيرش-MetroPoll Research” ، وهي مؤسسة تتسم بالاحترام، قال 25% من المشاركين إنّهم لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الأساسية. وقال أكباس إنّه يشهد ذلك يومياً بين زبائنه. وأضاف أنّ “الناس وصلوا إلى لحظة الانفجار”
وتأتي الأزمة في وقت يوشك أن يفقد أردوغان حليفاً قوياً، وذلك عندما يترك الرئيس ترامب منصبه الشهر المقبل. وتواجه تركيا بالفعل عقوبات من الولايات المتحدة بسبب شرائها نظام دفاع صاروخي من روسيا، وعقوبات من الاتحاد الأوروبي بسبب تنقيبها عن الغاز في المياه التى تطالب بها قبرص. وكان لترامب دور فعّال في تأجيل العقوبات الصادرة من واشنطن حتى هذا الشهر.
لقد كان أردوغان بطيئاً بشكل ملحوظ في تهنئة الرئيس المنتخب جوزيف بايدن على فوزه. ويتوقّع المحلّلون أن تكون إدارة بايدن أكثر صرامة بشأن السجلّ المنحدر لأردوغان في مجال حقوق الإنسان والمعايير الديمقراطية.
وللتعامل مع الأزمة الاقتصادية المتصاعدة في تركيا، تحرّك أردوغان مؤخراً بقسوة عادةً ما تكون مخفية بعناية عن الأنظار. فقد عيّن رئيساً جديداً للبنك المركزي، وعندما استقال وزير مالية أردوغان، الذي هو أيضاً صهره ووريثه، اعتراضاً، فاجأ الرئيس الكثيرين بقبوله الاستقالة واستبداله.
ثم وعد الرئيس بإصلاحات اقتصادية وقضائية، بل طرح إمكانية الإفراج عن السجناء السياسيين – وهو ما يدعو إليه البعض في حزبه لتحسين العلاقات مع أوروبا والولايات المتحدة.
وفي منتصف كانون الأول، أعلن أردوغان عن حزمة مساعدات جديدة للشركات الصغيرة وللتجار لمدة ثلاثة أشهر. وفي نهاية الأسبوع الماضي، دخل إلى مخبز لشراء بعض الحاجيات لإظهار الدعم للتجار. لكن منتقدي أردوغان وصفوا مناوراته المختلفة بأنها قليلة جداً، كما أتت بعد فوات الأوان.
ربما كان وزير المالية السابق، بيرات البيرق Berat Albayrak، كبش فداء مريح – لا يُعرف الكثير عما حدث بالفعل داخل القصر الجمهوري – ولكن سقوطه المثير من مقام النعمة الذي كان فيه واختفاءه الكامل من الحياة العامة يشير إلى تصحيح مسار أكثر جدّية. ويبدو أنّ الأزمة الاقتصادية وعواقبها على مصير أردوغان نفسه أصبحت من اهتماماته ذات الأولوية على ما سواها.
للتعامل مع الأزمة الاقتصادية المتصاعدة في تركيا، تحرّك أردوغان مؤخراً بقسوة عادةً ما تكون مخفية بعناية عن الأنظار. فقد عيّن رئيساً جديداً للبنك المركزي، وعندما استقال وزير مالية أردوغان، الذي هو أيضاً صهره ووريثه، اعتراضاً، فاجأ الرئيس الكثيرين بقبوله الاستقالة واستبداله
وقال محمد علي كلات Mehmet Ali Kulat، الذي يجري استطلاعات الرأي للأحزاب السياسية، بما في ذلك حزب العدالة والتنمية الذي يتزعّمه أردوغان، إنّ الرئيس يراقب استطلاعات الرأي بمثابرة.
وقال السيد كلات: “إنّ ما يوليه الاهتمام بشكل خاص هو كيف تنعكس الأمور على المجتمع”.
وتُظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أنّ مكانة حزب أردوغان قد انخفضت إلى أدنى مستوياتها في السنوات الـ 19 التي كان فيها على رأس السياسة التركية، حيث يتراوح التأييد حول مستوى 30% وفقاً لمؤسسة متروبول. ويشير هذا الرقم إلى أنّ تحالف الحزب مع حزب الحركة القومية سيفشل في تأمين 50% من الأصوات اللازمة لأردوغان كي يفوز في الانتخابات الرئاسية.
وقالت أصلي أيدينتاشباش Asli Aydintasbas وهي عضو كبير في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إنّ “الانتخابات المقبلة لن تكون ضربة قاضية”. وأضافت: “هناك فرصة جيدة لأن يخسر أردوغان ما لم يوسّع ائتلافه أو يتمكّن من مناشدة الأشخاص الذين صوّتوا للمعارضة”. وقالت إنّ “فرصه لإعادة انتخابه تقلّ عن 50%”، وتضيف: “السؤال في نهاية المطاف هو هل هو ذكي بما فيه الكفاية؟”.
ووجد استطلاع متروبول أنّ غالبية مؤيدي أردوغان، و63% من المشاركين في الاستطلاع بشكل عام، يعتقدون أنّ تركيا تسير نحو الأسوأ، وليس نحو الأفضل.
وهذه الأرقام تؤكدها منظمات تقديم العون، وهي تراها على أرض الواقع.
قالت هاجر فوغو Hacer Foggo، مؤسِّسة شبكة الفقر المدقع Deep Poverty Network، وهي مجموعة تساعد تجار الشوارع والعمال غير الرسميين، إنها لم تشهد مثل هذه المحنة خلال ما يقرب من 20 عاماً من عملها على تخفيف حدة الفقر في المناطق الحضرية في تركيا.
تُظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أنّ مكانة حزب أردوغان قد انخفضت إلى أدنى مستوياتها في السنوات الـ 19 التي كان فيها على رأس السياسة التركية، حيث يتراوح التأييد حول مستوى 30% وفقاً لمؤسسة متروبول
فعندما بدأ الإغلاق الأول في آذار، بدأت تتلقى مكالمات من أشخاص يتوسلون طلباً للمساعدة في إطعام أُسرهم. وقد تضرر البائعون المتجوّلون وجامعو الخردة بشدة على نحوٍ خاص. وقالت: “عندما يقولون إنه لا يوجد طعام فى المنزل، فإن هذا يعني أنه لا يوجد طعام عند جارهم أيضاً”.
وقد ساعدت شبكتها 2500 عائلة في إسطنبول، في اتساق مع رغبة المتبرّعين في مساعدة لعائلات على شراء البقالة والحِفاضات للأطفال. وتصدّع صوتها عندما وصفت الأم التي قالت إنّ طفلها قد انخفض حجمه في الحِفاض. وقالت فوغو: “ينبغي أن يزيد وزن الطفل، ولا ينقص”. وأضافت: “إنّ نساء أخريات لم يعد بإمكانهنّ تغية أطفالهنّ بالرضاعة الطبيعية لأنهن يفتقرن إلى الطعام، كما اضطر المزيد من الناس إلى البحث عن الطعام النادر بالفعل في القمامة”.
وقالت: “عمري 52 عاماً، وهذه أكبر أزمة رأيتها في حياتي”. ورأت أنّ المشكلات الاقتصادية بدأت قبل انتشار الوباء، لكنها تلقي باللوم بشكل مباشر على الحكومات المحلية والوطنية لافتقارها إلى استراتيجية لمواجهة الفقر المتزايد، وفشلها في تحسين الخدمات الاجتماعية.
إقرأ أيضاً: لبنان يتفكّك… هل يأتي أردوغان؟
وفي الواقع، وقع الانهيار الاقتصادي بعد أن شدّد أردوغان قبضته على مقاليد الأمور في البلاد، بما في ذلك الاقتصاد، من خلال الحصول على سلطات جديدة كاسحة في نظام رئاسي جديد بدأ عام 2018. ويستشهد المراقبون الدوليون بهذه التغييرات بوصفها السبب الرئيسي للتحذير من الانحدار الاقتصادي في البلاد.
وقالت موديز في تقرير لها هذا الشهر: “إنّ ضعف الحكم في تركيا وتدهوره هو نقطة ضعف ائتمانية رئيسية، وهو ما عزّز قرارنا بخفض تصنيف تركيا من خلال شطور متعددة منذ تطبيق النظام الرئاسي في منتصف عام 2018”.
ووصف أكباس، التاجر الذي يدير متجر التبغ، زبونتين مسنّتين جاءتا إلى متجره الواقع في قسم غنيّ من العاصمة، أنقرة، في يوم من الأيام الأسبوع الماضي، بأنه مثال على مدى تأثير التضخم الهائل في الناس. فقد سألت إحداهما إن كان بإمكانها شراء بيضة واحدة. وسألت المرأة الثانية، على نحوٍ يُظهر دقة حالها، عما إذا كان لديه أيّ خبز مجاني. ذُهل، وقال إنه ملأ حقيبة من أجلها.
“إنّ المتقاعدين فى وضع سيّء للغاية” كما يقول: “ما أسمعه من الناس هو ’كفى. لقد وضعنا ذلك في رقابنا، ولا يمكننا كسب المال’، والناس الذين تتراوح أعمارهم بين 70 و80 عاماً يقولون إنهم سيرمون أنفسهم في الشارع”.
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا