وضعت بعثة الاتحاد الأوروبي في القدس المحتلة “وثيقة سرية” هدفها تعزيز الوجود الفلسطيني وتوسيعه في المناطق عينها، حسب القناة 13 الإسرائيلية، لمواجهة ما تردد حول نية بنيامين نتياهو ضم المناطق (ج C) في الضفة الغربية إلى إسرائيل،
الاتفاق الائتلافي بين نتنياهو ورئيس حزب “الصهيونية الدينية” بتسلئيل سموتريتش، عزّز عزم الأول على الضم، ومنح الثاني صلاحيات واسعة تتعلق بالإدارة المدنية وسياسة الاحتلال في الضفة الغربية.
وكان اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية عام 1993، قد قسّم الأراضي الفلسطينية إلى ثلاث مناطق:
– المناطق (أ A) تخضع للسيطرة الفلسطينية الأمنية والمدنية.
– المناطق (ب B) تخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية وسيطرة مدنية وإدارية فلسطينية.
– المناطق (ج C) وهي الأراضي التي منح الاتفاقُ السيطرةَ الأمنية والمدنية والإدارية عليها إلى سلطات الاحتلال. وتشكل قرابة 60% من مساحة الضفة الغربية المحتلة.
الخلاف مع سياسة نتنياهو كان على الدوام مصحوباً بتجديد الاتحاد الأوروبي تأكيده على أفضل العلاقات بإسرائيل
خطة الاتحاد الأوروبي
جاء في الوثيقة الأوروبية أن الاتحاد الأوروبي سيعمل على رسم خريطة لأراضي المنطقة، بالتعاون مع المنظمات الفاعلة فيها، ليس بالضرورة بشكل مستقل. وهدفه من ذلك:
– “إثبات حق الفلسطينيين بأرضهم”.
– العمل على “دمج المناطق (A) و(B) و(C)” عبر وضع “رؤية أوروبية مشتركة تعزز قدرة أوروبا على ذلك.
فالاتحاد الأوربي يدرك أن إسرائيل تسعى – تحت مسميات: “المناطق العسكرية”، “المحميات الطبيعية”، “أملاك الدولة”، و”حماية الآثار” – إلى السيطرة في المناطق (C) على أراضٍ فلسطينية تمتد إلى الأغوار الفلسطينية. فتحرم بذلك الفلسطينيين من مستلزمات الصمود، أبرزها المياه والكهرباء والطرق والبنية التحتية. هذا إضافة إلى منعهم من البناء في المناطق (C) من دون تصريح رسمي إسرائيلي.
يرى المراقبون أن الخطة الأوروبية الواردة في الوثيقة – على الرغم تناسقها مع القانون الدولي في شأن عدم شرعية الاحتلال وتجريم ممارسته – ليست بجديدة. لكنّ أهميتها أنّها تعزّز “الممارسة العملية الفاعلة وتعميق المشاركة في المناطق (C) أكثر مما كانت عليه في السابق.
نزعة توراتية
في تعليقه على وثيقة الاتحاد الأوروبي، اعتبر سموتريتش أن “العمل ضد الاستيلاء العربي على المناطق المفتوحة في يهودا والسامرة (التسمية التوراتية للضفة) هو أحد التحديات الملحة والمهمة التي يجب على الحكومة المقبلة مواجهتها. وهذا أحد الأسباب الرئيسية لمطالبتي بالحصول على صلاحيات في وزارة الأمن”.
لذا ينظر الاتحاد الأوروبي بقلق بالغ إلى حكومة نتياهو الوشيكة. فهي الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل، ويقدمها عرابها نتياهو على هيئة داعشية بنسخة يهودية، بعدما حسم المجتمع الإسرائيلي أمره في اتجاه نزعة توراتية قديمة: “بعث كهانا من جديد”، على شكل إيتمار بن غفير. وقبض سليل الحاخامات بتسلئيل سموتريتش على الضفة الغربية التي يعتبرها بقعة لأساطير الكتب المقدسة.
لا يغيب عن ذاكرة الاتحاد الأوروبي السياسية النعوت الكثيرة التي كان يستخدمها نتنياهو ضده. إذ وصف الاتحاد الأوروبي عام 2017 بـ”الجنون والهستيريا”، بسبب ربط الأوروبيين تقدّم علاقات اتحادهم بإسرائيل، بمدى تحقيق تقدم في عملية السلام مع السلطة الفلسطينية.
ولا ننسى التحذير الأوروبي المتكرّر لنتنياهو من خطورة إقدامه على ضمّ أجزاء من الضفة الغربية. ويستند التحذير إلى القانون الدولي. لذا يذكّر أعضاء الاتحاد الأوروبي أنهم لن يعترفوا بأي تغييرات على حدود 1967، ما لم يتفق الإسرائيليون والفلسطينيون على ذلك.
يواجه آلاف الفلسطينيين في بلدة “مسافر يطا” خطر الترحيل القسري، بحجة وجود تجمعات فلسطينية في مناطق “تدريبات عسكرية” إسرائيلية
ملامح المواجهة
بدأت تظهر علامات المواجهة السياسية بين الاتحاد الأوروبي وحكومة اليمين الإسرائيلي الفاشي. فقد أبلغ الاتحاد السفير الإسرائيلي فيه، حاييم ريغف، بأنه سيعيد النظر من جديد بنود اتفاق سابق لتبادل المعلومات بين شرطة إسرائيل واليوروبول. وهو اتفاق غير مطبق حتى الآن. وأوقف تطبيقه بسبب الخلاف حول استخدام الاتحاد الأوروبي المعلومات التي تجمعها إسرائيل في “المناطق”. وتقول مصادر إسرائيلية أن تغير النظام في إسرائيل أثر على الاتفاق، لأن الشرطة الإسرائيلية التي سيقودها اليميني الفاشي بن غفير لن تسمح لـ”اليوروبول” في أوروبا باستخدام معلوماتها المهمة.
وقدرت جهات سياسية إسرائيلية أن مشروع الحوار السنوي بين وزير الخارجية الإسرائيلي ونظرائه الأوروبيين، الذي بادر إليه رئيس الحكومة يائير لابيد سيتوقف، على خلفية اختلاف المواقف بين الطرفين. ومن المرجح أن يقوم الاتحاد الأوربي، بفرض الكثير من العقوبات إذا انخرطت حكومة نتياهو في بناء مستوطنات وهدم بنى تحتية فلسطينية تحصل على التمويل من أوروبا. ومن العقوبات تطبيق قرار محكمة الاتحاد الأوروبي بوسم منتجات المستوطنات، وإلزام إسرائيل بدفع تعويض عن هدم أو مصادرة مبان فلسطينية.
هدم مدارس تمولها أوروبا
في هذا الإطار زار وفد دبلوماسي أوروبي، مكون من 16 قنصلًا وسفيراً وممثلًا من دول الاتحاد الأوروبي، مدرسة إصفَي التي هدمها الاحتلال الإسرائيلي، بدعوى “البناء بدون ترخيص”. والمدرسة بُنيت بتمويل أوروبي في بلدة “مسافر يطا” الضفة الغربية جنوب الخليل. وأدان الاتحاد الأوروبي هدمها، معتبراً أنّه غير قانوني بموجب القانون الدولي، داعياً إلى احترام حق الأطفال في التعليم. وأعلنت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية أن أكثر من 36 مدرسة مهددة بالهدم في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
ويواجه آلاف الفلسطينيين في بلدة “مسافر يطا” خطر الترحيل القسري، بحجة وجود تجمعات فلسطينية في مناطق “تدريبات عسكرية” إسرائيلية. هذا إضافة إلى القيود المتزايدة والتّرهيب المفروض على سكّان المنطقة، بما في ذلك القيود المفروضة على تنقلهم وتنقل المعلمين وطواقم المساعدات الإنسانية.
شكوك وعوائق
ليس أكيداً أنّ الاتحاد الأوروبي سيمارس ضغوطاً قوية وحقيقية على إسرائيل ونتنياهو. فالخلاف مع سياسة نتنياهو كان على الدوام مصحوباً بتجديد الاتحاد الأوروبي تأكيده على أفضل العلاقات بإسرائيل. فهو أكبر شريك تجاري لها، ويمنحها مكانة تجارية مفضلة، ويساعد في تمويل البحث العلمي الإسرائيلي وتطويره. ومن المشكوك فيه أن يقوم الاتحاد الأوروبي بأي دور عدائي ضد إسرائيل من أجل فلسطين، حتى لو تزايدت أعداد القتلى الفلسطينيين.
إقرأ أيضاً: حكومة نتنياهو السادسة
ربما يصحّ في هذا السياق حديث الكاتب الفلسطيني حسن خضر عن “إلهاء العرب بالكلام عن فلسطين بوصفها الفائز الأكبر في مونديال قطر. ونرجو من قائلي هذا الكلام تذكير الفلسطينيين بقيمته العملية، وطريقة صرفه في سوق السياسة: عندما يصب الإسرائيليون حممهم على غزة في الحرب المقبلة. أو كلما أضافوا قتيلاً جديداً إلى عدد ضحاياهم. أو سرقوا متراً إضافياً من أرضهم في الضفة الغربية”.
*كاتبة فلسطينية