مبدئياً لم يعد من حدود لـ “التفظيع” السياسي والمالي والقضائي والدستوري.
حين تُلاحِق دول العالم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة و”يقتحم” قضاتها بيروت بهدف استجوابه، وحين يقفز الدولار ليلامس عتبة الخمسين ألفاً فيما اللبنانيون يعيشون حياتهم “عادي عادي”، وحين تسرَح الفئران في قصور العدل وتغمرها النفايات، لا يعود من داعٍ للهلع والدهشة إذا “تلاعبت” السلطة السياسية بالمراسيم الصادرة عن جلسة حكومية هي أصلاً محطّ خلاف بين القوى السياسية.
ما حصل أمس يبشّر بمزيد من التخبيص والفوضى غير الخلّاقة، ويطرح تساؤلات عن آليّة إدارة أيّ جلسة حكومية مقبلة والمراسيم الصادرة عنها إذا رفض الوزراء المعارضون توقيعها.
تحت الرقم 10958 صدر مرسوم إعطاء مساعدة اجتماعية إضافية للأسلاك العسكرية في الخدمة الفعليّة والمتقاعدين بناءً على كتاب موجّه من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى الأمانة العامّة لمجلس الوزراء طلب فيه منها “إجراء ما يلزم من تعديلات على مشروع المرسوم الموقّع من وزير الدفاع لإصداره بحسب الأصول الدستورية، أي بالصيغة المرسلة سابقاً إلى وزير الدفاع بعد استكمال تواقيعه أصولاً”.
أراح العسكرَ هذا التحايلُ الدستوري على أزمة هي سياسية قبل أيّ شيء آخر، واستفزّ “معسكر باسيل” الرافض لأيّ صيغة مراسيم لا تأخذ بمطلب توقيع الـ 24 وزيراً
هي التخريجة الحكومية التي لا مثيل لها سابقاً، وأتاحت صدور المرسوم بعد شدّ حبال بين وزير الدفاع والسراي الحكومي انتهى بـ “استغلال” رئاسة الحكومة لتوقيع الوزير سليم على الصيغة المعدّلة التي أرسلها الأخير إلى الأمانة العامة لمجلس الورزاء طالباً توقيع الـ 24 وزيراً عليها والتي رُفِضت بالمطلق من جانب ميقاتي. انتهت رحلة المرسوم و”العيدية” ستصل إلى العسكر، لكنّ تداعياتها تبشّر بمزيد من التأزّم السياسي.
في الشكل تمّ الأخذ بتوقيع وزير الدفاع، لكن في المضمون السياسي تمّ تجاوزه. فوزير الدفاع رفض الأخذ بصيغة المرسوم الذي أُرسل إليه من الأمانة العامة لمجلس الوزراء للتوقيع عليه. وضعه الأخير في الجارور، واستبدله بمرسوم آخر في 21 الجاري مضيفاً إليه تعديلات، ووقّعه بعد إدراجه في خانة تواقيع أسماء جميع أعضاء الحكومة.
انتظرت رئاسة الحكومة تغيير وزير الدفاع رأيه بعدما أرسلت إليه كتاباً تطلب منه توقيع المرسوم المُرسَل إليه كما هو ومن دون تعديل و”الإعادة بالسرعة القصوى”، لكنّ الوزير سليم أصرّ “مرغماً” على موقفه، الأمر الذي دفع الأمانة العامة لمجلس الوزراء إلى “التصرّف”.
مع ذلك، تفيد المعطيات بأنّ وزير الدفاع لم يكن يُمانع ايجاد مخرجٍ ما لمسألة تشكّل إحراجاً كبيراً له طالما أنّ حقوق العسكر “بالدق”. واستطراداً لوحظ عدم إبداء فريق باسيل أي ردّة فعل على صدور المرسوم بغير الصيغة التي يُطالب بها رئس التيار الوطني الحر.
في هذا السياق يرصد متابعون خفضاً للسقوف من جانب باسيل، معتبرين أنّ “هناك سوء تقدير من جانب باسيل دفعه بداية إلى تكبير الحجر ثم السكوت عن مبدأ انعقاد الحكومة ثم لاحقاً التغاضي عن تمرير مرسوم مساعدات العسكر من دون توقيع الـ 24 وزيراً”.
وفق كتاب ميقاتي خالف وزير الدفاع الأصول الدستورية “التي توجِب توقيع الوزراء المعنيين فقط، أي وزراء الداخلية والدفاع والمالية، وعلى أن يُصار بعدها إلى إصداره أصولاً بعد توقيعه من قبل رئيس مجلس الوزراء مرّتين”.
هكذا قضت التخريجة بالاستناد إلى توقيع وزير الدفاع لمشروع المرسوم “وإن بصيغة معدّلة، ما يفيد موافقته على مضمونه”، وفق ما جاء في كتاب ميقاتي.
باختصار أخذ السراي من “مرسوم سليم”، المخالف برأيه للأصول الدستورية، توقيعه فقط، ونسف كلّ التعديلات فيه وأعاده “كما كان”، أي وفق الصيغة الأولى التي أُرسل بها إلى وزير الدفاع والشبيهة بكلّ مراسيم جلسة 5 كانون الأول.
أراح العسكرَ هذا التحايلُ الدستوري على أزمة هي سياسية قبل أيّ شيء آخر، واستفزّ “معسكر باسيل” الرافض لأيّ صيغة مراسيم لا تأخذ بمطلب توقيع الـ 24 وزيراً.
إقرأ أيضاً: مراسيم الأزمة بين “الدفاع” والداخليّة”!
مرسوم المساعدات الذي صدر أمس حمل تواقيع وزراء الداخلية والدفاع والمالية إضافة إلى ثلاثة تواقيع لرئيس حكومة تصريف الأعمال عنّه شخصياً وعن مجلس الوزراء وعن جهاز أمن الدولة بوصفه سلطة الوصاية عليه. واستُهلّ بعبارة “إنّ مجلس الوزراء بناءً على الدستور، لا سيّما المادة 62 منه”، و”بناءً على اقتراح وزير المال وبعد موافقة مجلس الوزراء بتاريخ 5/12/2022 تُعطى الأسلاك العسكرية مساعدة اجتماعية إضافية”.
يُذكر أنّ المساعدات الاجتماعية المنصوص عنها في المادّة 111 من قانون الموازنة تساوي ضعفَيْ متمّمات الراتب على أن يراعى الحدّ الأدنى والحدّ الأقصى لكامل المساعدة الاجتماعية. وستسدّد من الاعتمادات المرصودة للرواتب والأجور ومعاشات التقاعد على أن يحدّد وزير المال متمّمات الراتب للأسلاك العسكرية بموجب قرار صادر عنه.