نزل “حزب الله” بكلّ قوّته الإعلامية والإلكترونية وزجّ معه المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى كي يتصدّى للممثّلة جوانا كركي (بتول) إحدى الشخصيات الرئيسية في برنامج “فشّة خلق” الذي تقدّمه أسبوعياً داليا أحمد على شاشة قناة “الجديد”. ويبدو أنّ “القشّة التي قصمت ظهر البعير” في الحلقة الأخيرة لهذا البرنامج هي أنّ بتول التي تطلّ بشخصية الفتاة الشيعية المتحمّسة جدّاً لطائفتها عموماً، ولحركة “أمل” ورئيسها نبيه برّي خصوصاً، قد أفردت إطلالتها قبل أيام لمتابعة أحداث العاقبيّة في 14 الشهر الجاري التي قُتل فيها جندي إيرلندي يعمل في قوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل). وشنّت الممثّلة “هجوماً” تهكّميّاً على هذه القوات مطالبةً إيّاها بعدم “تحميل الشيعة المسؤولية” كما يحصل وفق قولها في غير مناسبة في لبنان. وممّا قالته كركي في سياق الحلقة: “أجوا لعنّا في الجنوب، جوّزناهم من بناتنا، وأخدنا من بناتهم… تلات أرباع الجنوب عيونهم خضر وشعراتهم شقر”.
“نضال” حزب الله ضدّ “الجديد”
لم تأتِ الممثّلة على ذكر “حزب الله” البتّة، لكنّ الأخير أشعل مواجهة بدأها كما تقول إحدى مقدّمات النشرات الإخبارية الرئيسية لقناة الجديد: “حزبُ الله انهمكَ بما هو أكثرُ شأناً من انتخابِ الرئيس والعلاقة معَ جبران.. وأَفرزَ وَحداتِه وجيوشَه الإلكترونية وبعضَ نوّابِه وعلمائِه لخوضِ حربٍ على قناة الجديد، واستندَ الحزبُ إلى مقطعٍ هَزْليّ وقرّرَ تحويلَه إلى معركةٍ رابحة تَصرِفُ الأنظارَ عن حادثِ اليونيفيل الأساسي، والواقع تحتَ التحقيقِ حاليّاً. لكنّ “الجديد” تؤكّدُ لحزبِ الله وناشطيه وعلمائِه ونجلِ الأمين العام الذي أَرسلَ تهديداً واضحاً للمحطّة، أنّها لن تتسامحَ هذه المرّة كما قبلَها في استخدام أهل الجنوب ونساءِ الجنوب ونضالاتِهم هدفاً لمعاركَ واستهدافات”.
لم تأتِ الممثّلة على ذكر “حزب الله” البتّة، لكنّ الأخير أشعل مواجهة بدأها كما تقول إحدى مقدّمات النشرات الإخبارية الرئيسية لقناة الجديد
وقالت القناة: “وإذ انبرى النائب إبراهيم الموسوي مؤجِّجاً ومُدافِعاً عن شرفِ الجنوب، مستخدِماً صِفتَه كرئيسِ لجنةِ إعلامٍ واتصالاتٍ نيابية، فإنّ الجديد تُبلِغُهُ أنّه يستعملُ “الحقَّ العامّ” ولا يَحِقُّ له ذلكَ لكونِ اللجنة لجميعِ مكوّناتِها من السياسيين وشرفُه النيابي يُحتّمُ عليه أن يُعلِنَ صراحةً أنّه صاغ بيانَه هذا للدفاعِ عن الناشط (نجل الأمين العام لحزب الله) جواد نصرالله بعدما هدّد المحطّة بمزحةٍ قال إنّها ستكون ثقيلة…”.
بدوره قال النائب الشيخ حسن عزّ الدين زميل الموسوي في كتلة “الوفاء للمقاومة” إنّ “ما حصل على بعض شاشات التلفزة ضمن ما يسمّى ببرامج ترفيهية وعناوين أخرى واهية، عمل قبيح جدّاً”. وطالب بـ”تطبيق القوانين المرعيّة الإجراء بحقّ تلك المحطة التلفزيونية، لتكون عبرة لغيرها من القنوات…”.
بدوره، استنكر المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في بيان ما سمّاه حملة “الافتراء والتضليل وتشويه السمعة التي تستهدف الطائفة الإسلامية الشيعية ومعتقداتها والمقاومة وبيئتها الحاضنة تحت ستار برامج ساخرة أو غير ذلك، خدمة للمشروع الصهيوني المتخبّط بإخفاقاته وخيباته في المنطقة بفعل صمود وثبات المقاومة وشعبها”.
حزب الله يُحاضر بالعفّة الإعلاميّة
في سياق متّصل، نشر موقع “العهد” الإلكتروني التابع للحزب مقالاً تحت عنوان “سوابق الإعلام في لبنان.. كوارث العصر”، جاء فيه: “نتحدّث عن وسيلة إعلامية فتحت مشكلاً شخصياً مع جماعة، فحادت عن كلّ أساليب الحرب النفسية المعتمَدة، لتدخل بالمباشر في حفلات قذف وشتم وتعرُّض لبيئة مجتمعية أساسية في تكوين المجتمع اللبناني…”.
في لبنان من الواضح أنّ “حزب الله” لا يضايقه ظهور المرأة سافرةً بقدر ما يضايقه أن تعبّر المرأة بحرّية عن مواقف سياسية
وهكذا نزل “حزب الله” بكلّ عُدّته ليواجه برنامجاً تلفزيونياً. وهو فعل ذلك سابقاً، وتحديداً في 10 تشرين الثاني 2013، ضدّ برنامج “بسمات وطن” للمخرج شربل خليل الذي كانت تبثّه قناة “المؤسسة اللبنانية للإرسال” LBCI، وظهر فيه ممثّل على شاكلة الأمين العام للحزب يقول إنّ “هذا الموضوع هو خارج إطار النقاش لأنّ وجود حزب الله في سوريا هو ضروري وشرعيّ ومؤقّت”. وإثر بثّ الحلقة اندلعت احتجاجات قام بها عشرات الشباب أمام سراي بعلبك وسن الفيل في ضاحية بيروت الشرقية”.
بالعودة إلى جوانا كركي (بتول)، فقد قالت في مقابلة مع “الجديد” بعد الحملة التي شنّها “حزب الله” ضدّها: “بعمل شيعية، وبعمل سنّية، وبعمل مسيحية” في الأدوار التي أؤدّيها. وأعلنت “أنا من الجنوب وشيعية كمان ولن أعتذر”.
يتبيّن من أرشيف حلقات برنامج “فشّة خلق” أنّه حظي بتأييد واسع على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد توصّلت كركي، عندما كانت تحمل لقب “أمّ خالد” السنيّة، إلى أن تشارك شخصيّاً في مهرجان انتخابي في ملعب النادي الرياضي للرئيس سعد الحريري عشيّة الانتخابات النيابية عام 2018. وقد استأثرت بتجاوب الجمهور الحاشد الذي شغل مدرّجات الملعب. وجسّدت الممثّلة أيضاً شخصية “جيلبير” الموالية لـ”التيار الوطني الحر”.
خلال قيامها في حلقة رأس السنة الماضية بدور العرّافة، قالت بتول: “الدولار راح يصير 50 ألفاً، والرئيس نبيه برّي راح يبقى رئيساً لمجلس النواب، والثنائي الشيعي راح يصير تريو لأنه راح نشيّع ميشال عون والعونيّي، وأن هيفاء وهبي ستكون المرأة الأكثر إثارة في العالم”.
عندما كانت كركي تطلّ بشخصية “أمّ خالد السكري” وجّهت كلاماً إلى رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل قالت فيه: “هلكتنا، عصرتنا، ونحن ما طايقينك”.
المرأة “مزعجة” لحزب الله ولإيران
ربّما من المفيد التطلّع إلى ما يجري في إيران حالياً حيث خرجت النساء سافرات فلقينا القتل ليس لأنّهنّ سافرات، بل لأنهنّ جاهرن بالمطالبة بسقوط المرشد “الديكاتور”.
إقرأ أيضاً: باسيل-جنبلاط: شمس الـLBC.. و”ليالي الأنس” مع الخنسا
أمّا في لبنان فمن الواضح أنّ “حزب الله” لا يضايقه ظهور المرأة سافرةً بقدر ما يضايقه أن تعبّر المرأة بحرّية عن مواقف سياسية.
في تاريخ لبنان محطات مشرقة من الكوميديا السياسية التي جسّدها كبار الفنّانين، وفي مقدَّمهم عمر الزعني وحسن علاء الدين (شوشو). هؤلاء قالوا الكثير تهكّماً في وجه كبار المسؤولين وخرجوا سالمين. ربّما من حسن أقدار هؤلاء أنّهم ظهروا في زمن ليس كهذا الزمن الذي لا يتحمّل فيه “حزب الله” ظُرف “بتول”، فمتى يتعلّم الحزب أن يبتسم؟