تخفي الأضواء البهيّة والأنوار الساطعة والاحتفالات المبهجة في مدينة السلام بيت لحم احتفاء بعيد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلادية، الكثير ممّا يحدث في المدينة التي تقبع في سجن كبير محاط بالمستوطنات الإسرائيلية التي تبتلع الضفة الغربية، ويمتدّ فيها جدار الفصل العنصري الذي يفرض على كلّ حاجّ مسيحي المرور عبره للوصول إلى ميدان المهد، ويوجد مخيّمان للّاجئين داخل حدودها.
تدفّق الحجّاج المسيحيين من أرجاء العالم إلى بيت لحم للاحتفال بعيد الميلاد في كنيسة المهد وموسم الحجّ المسيحي والسياحة الدينية ترفد الاقتصاد المحلّي الفلسطيني والمجتمع المسيحي بمليارات الدولات سنوياً. في المقابل، يمنع الاحتلال الإسرائيلي تعسّفيّاً، كما في كلّ عام، المئات من المسيحيين المقيمين في غزّة من السفر إلى الضفّة والقدس المحتلّتين للاحتفال بأعياد الميلاد المجيدة.
يسود قلق عميق داخل الأوساط المسيحية بالقدس جرّاء سياسة الاحتلال التي تعتمدها إسرائيل في المدينة المقدّسة. ووفقاً للمراجع الدينية، بدأت القدس تفقد سكّانها وتراثها المسيحي تحت تهديد الجماعات اليهودية المتطرّفة
تشهد إسرائيل تصاعداً في مشاعر العنصرية والكراهية لغير اليهود يتجلّى في اعتداءات مختلفة على المسيحيين وصلت حدّ المطالبة العلنية بطردهم، وتتكرّر جرائم الكراهية كلّ يوم بدعم أو تجاهل المؤسسة الحاكمة في إسرائيل. وكان رئيس حركة “لهباه” بنتسي غوفشتاين زعم أن لا مكان لعيد الميلاد في الأرض المقدّسة، داعياً إلى منع الاحتفالات بعيد الميلاد. وأكّد ضرورة عدم السماح بموطئ قدم في إسرائيل للتبشيرية المسيحية، وخلص إلى القول: “لنطرد مصّاصي الدماء من بلادنا قبل أن يمتصّوا دمنا مرّة أخرى”.
إلى ذلك يقوم غلاة المستوطنين والمتطرّفين اليهود بتلطيخ الجدران والأديرة بشعارات معادية للمسيحية، وتحطيم أضرحة داخل المقابر المسيحية، وتخريب الكنائس في القدس، مستمدّين الشجاعة من عدم مقاضاة السلطات الإسرائيلية لهم.
الضغوط على المسيحيين
هكذا يتعرّض المسيحيون في الضفة الغربية وغزة والقدس للضغوط نفسها التي يتعرّض لها بقيّة إخوتهم الفلسطينيين من حيث التمييز والمضايقة، فيُضطرّون إلى الهجرة بأعداد كبيرة إلى الغرب الذي يرحّب بهم أكثر ممّا يرحّب بالفلسطينيين المسلمين.
أمّا بالنسبة إلى الفلسطينيين المسيحيين الذين يعيشون في إسرائيل، فيضيف إيمانهم طبقة أخرى من التعقيد إلى قضايا الهويّة الحسّاسة. وفي هذا الصدد، قال أحد القادة المسيحيين مقتبساً كلام المسيح: “كونوا حكماء كالحيّات وبسطاء كالحمام”. وأضاف قائلاً: “نحن أقليّة ضمن أقليّة، ويجب أن أجهد نفسي طوال الوقت لأثبت أنّني لست إرهابياً”.
يخشى المسيحيون الفلسطينيون على بقاء مجتمعهم في أرض ولادة المسيح نتيجة الاستهداف والترهيب الإسرائيليَّين، اللذين يسعيان إلى إلغاء الوجود المسيحي في الأراضي الفلسطينية. هذا وعمّقت تجمّعات المستوطنين الإسرائيليين والقيود المفروضة على التنقّل في الضفة الغربية عزلة القرى المسيحية وقلّصت إمكاناتها الاقتصادية والاجتماعية.
بموازاة ذلك، يسود قلق عميق داخل الأوساط المسيحية بالقدس جرّاء سياسة الاحتلال التي تعتمدها إسرائيل في المدينة المقدّسة. ووفقاً للمراجع الدينية، بدأت القدس تفقد سكّانها وتراثها المسيحي تحت تهديد الجماعات اليهودية المتطرّفة.
قالت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية إنّ المسيحيين الفلسطينيين في الأراضي المقدّسة في مدينتَيْ القدس وبيت لحم يطالبون بالمساعدة مع استمرار تضاؤل أعدادهم بسبب مضايقات الاحتلال الإسرائيلي
كان رؤساء الكنائس المسيحية في القدس قد أطلقوا حملة تندّد باستراتيجية إسرائيل لطرد المسيحيين من القدس والأراضي المقدّسة. وأعرب ممثّلو الكنائس الأرمنية والأرثوذكسية والكاثوليكية والإنغليكانية في بيان مشترك موجّه إلى سلطات الاحتلال الإسرائيلية، عن قلقهم من زيادة العنف ضدّ المسيحيين في القدس.
وقال البيان: “منذ عام 2012 تعرّض رجال الدين والكنائس لعدد لا يحصى من الاعتداءات الجسدية واللفظية، والأماكن المقدسة للتخريب والتدنيس بشكل منتظم” على يد الجماعات اليهودية المتطرّفة.
وأدان البيان ما وصفه بالشراء “الاستراتيجي” للممتلكات الشخصية والجماعية في الحيّ المسيحي بالبلدة القديمة بهدف الحدّ من الوجود المسيحي في المدينة المقدّسة.
في هذا السياق، وجّهت مجموعة من المشرّعين في الكونغرس الأميركي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، انتقادات نادرة لإسرائيل، على خلفيّة تصاعد الهجمات على الطائفة المسيحية في القدس التي ينفّذها الجناة الإسرائيليون بدون عقاب، واعتبرت أنّ الجماعات المتطرّفة في إسرائيل تتطلّع إلى طرد المسيحيين من المدينة المقدّسة وتهديد تنوّعها الثقافي والديني.
تاريخ اضطهاد اليهود للمسيحيين
نجت المسيحية من اضطهاد أوائل متّبعيها خلال الحكم الروماني، وازدهرت في عهد الإمبراطورية البيزنطية، وصمدت في أوائل الخلافة الإسلامية، واستمتعت بإحياء الإمبراطورية العثمانية قبل أن تنتقل أراضي فلسطين الحديثة إلى السيطرة البريطانية سنة 1917.
من ناحية أخرى، يميّز المسيحيون الفلسطينيون بين ما يسمّونه “الأحجار الميتة” أو المزارات والكنائس التي تُركت منذ حوالي 2,000 عام، و”الأحجار الحيّة”، أي الأشخاص الذين يواصلون ممارسة العقيدة المسيحية في مسقط رأس الدين. لكن ينمو شعور عامّ لدى مسيحيّي فلسطين بأنّهم الجيل الأخير في الأراضي المقدّسة بعدما تقلّص وجودهم إلى مستويات متدنّية جدّاً بسبب الاحتلال الإسرائيلي واستهدافه المباشر لوجودهم. ويُقدَّر عدد المسيحيين في الضفة الغربية اليوم بحوالي 40 ألف مسيحي وفي القدس 11 ألفاً فقط، وذلك وفقاً للأرقام التي نشرتها مطبعة البطريركية اللاتينية، أي أنّهم بالكاد يمثّلون واحداً في المئة من إجمالي سكان الأراضي الفلسطينية المحتلّة في الضفة الغربية وغزّة والقدس الشرقية.
إقرأ أيضاً: الميلاد ليس للمسيحيين… فقط
من ناحيتها، قالت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية إنّ المسيحيين الفلسطينيين في الأراضي المقدّسة في مدينتَيْ القدس وبيت لحم يطالبون بالمساعدة مع استمرار تضاؤل أعدادهم بسبب مضايقات الاحتلال الإسرائيلي.
وأشارت الصحيفة إلى أنّ المسيحيين في القدس، الذين بلغ عددهم 31,000 عام 1948، كانوا يشكّلون 20% من السكان، فيما يبلغ عددهم الآن 10,000 فقط، أي أقلّ من 2% من عدد الفلسطينيين، لافتة إلى أنّ الأرقام آخذة في الانخفاض.