سلامة فَقَدَ “عصاه السحري”: متى ينخفض الدولار مجدّداً؟

مدة القراءة 4 د

فقد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة “عصاه السحري”، الذي كان “يسحر” به سعر صرف الدولار، فيخفضه بساعات 10 آلاف ليرة. فقد إلى أجل غير مسمى، تلك العصا التي وصفتها مصادر مصرف لبنان لـ”أساس” ذات يوم على أنّها “قصة نجاح”، لا يمكن البوح بها حرصاً على عدم إفسادها. لكن يبدو اليوم، أن قصة النجاح تلك كُتب لها الفشل، أو في أكثر التقديرات إيجابية باتت “حكايتها” مكلفة جداً.

تفيد المعلومات المستقاة من مطلعين عن قرب على أجواء سلامة، بأنّ الحاكم ممتعض جداً من الشائعات التي يروجها بعض المضاربين، بين الحين والآخر، عن قرب صدور تعميم أو بيان يقضي بخفض سعر صرف الدولار في “السوق السوداء”، وذلك من خلال فتح عمليات بيع الدولار عبر منصة “صيرفة”.

لهذا، ربما لن يلجأ سلامة إلى إصدار أيّ تعميم أو بيان من هذا النوع في القريب العاجل، وذلك لانتفاء “عنصر المفاجأة” الضروريّ لإحداث “صدمة” في السوق، تؤدي إلى خفض سعر الصرف إلى تلك المستويات.

يقضي الحلّ الأمثل أمام سلامة، بعدم إصدار أي بيان أو تعميم من هذا النوع، وبالتالي الاستمرار في بيع الدولارات عبر “صيرفة” وفق السقوف و”الكوتا” المعتمدة حالياً ومن دون أي زيادة… وكفى الله المؤمنين شرّ القتال

سلامة كان يلجأ إلى تلك “اللعبة” كل مدة بعد ارتفاع سعر الدولار إلى مستويات كبيرة، فيخفّضه ويخلق “تقليعة” جديدة على سعر منخفض، تمكنه من الاستمرار بـ”شفط” الدولارات بأسعار مقبولة، فتخلق ما يشبه التوازن والارتياح في السوق، غالباً لم ينعكس على أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية نتيجة التفلت.

“كسر” عصا سلامة

خلال العام الحالي، لجأ سلامة إلى تلك الآلية 3 مرات: الأولى خلال شهر كانون الثاني، والثانية في منتصفها، بينما المرة الأخيرة أخذت شكل بيان أعلن من خلاله وقف التدخل في السوق شراءً للدولار، إلاّ أنّ بيانه الأخير لم يُحدث الصدمة المطلوبة كما في السابق، وبالتالي لم ينخفض الدولار إلاّ لأيام معدودة ولبضعة آلاف فقط (انخفض الدولار من نحو 39 ألفاً إلى 35 وعاود الارتفاع)، وذلك لأنّ المضاربين كانوا متحضّرين تماماً لهذا البيان، من خلال تخزين الليرات اللبنانية، بل آثروا فور نشر تلك المعلومات عبر التطبيقات ووسائل التواصل الاجتماعي أن يوزعوا صوراُ لرزم الليرات اللبنانية، تحضّراً لليوم الموعود، الأمر الذي خلق طلباً كبيراً على الدولار، وبالتالي أحبط “الصدمة”. بل خلق طلباً كبيراً على الدولار بعملية عكسية عادت لترفع سعر الصرف ضمن موجة أشدّ وأقسى.

طول ألسنة المضاربين وعلاقاتهم المتينة مع “أزلام” سلامة، من بين الصرافين الذين يتعامل معهم، فضحت الأمر، وجعلت تلك اللعبة مكشوفة أمام جميع اللبنانيين (وغير اللبنانيين) الذين باتوا اليوم يتناقلون الأسئلة بين بعضهم: “متى سيعلن سلامة عن فتح السقف ببيان؟”، وهذا أفقد سلامة عنصر المفاجأة.

أمّا اليوم، فيبدو أنّ “المركزي” ما عاد مهتماً بسعر صرف “السوق السوداء”، حتى لو وصل إلى 60 ألفاً للدولار الواحد، لأنّ سلامة يعرف جيداً أنّ هذا السعر مُفتعل نتيجة تدخله في السوق شارياً للدولارات، وكذلك نتيجة الألاعيب التي اعتمدها المضاربون مؤخراً من أجل التخلّص من خسائرهم في لعبة “الكشف” التي تراكمت طوال مدة انتظارهم تدخل سلامة لخفض سعر الصرف، إذ سُجل في الأيام القليلة الماضية عمليات بيع وشراء وهمية للدولار على كثير من التطبيقات، وذلك من أجل رفع سعر الصرف وتغطية تلك الخسائر.

وبناءً على كل ذلك، فإن التوقعات تميل للقول إنّ أيّ تعميم أو بيان للجم سعر الصرف، لن يبصر النور إلاّ إذا ارتفع سعر “صيرفة” إلى ما فوق 35 ألفاً، وذلك من أجل إحباط أيّ محاولة استفادة للمضاربين والمواطنين المتأثرين بآرائهم، خصوصاً أولئك الذين باعوا دولاراتهم قبل مدة واحتفظوا بالليرات منذ أن كان سعر الدولار بحدود 36 و37 ألفا.

إقرأ أيضاً: إعادة نظر: إفلاس المصارف.. هل يحلّ الأزمة؟

بهذه الطريقة يضمن سلامة عدم استفادة هؤلاء من تخفيض سعر الصرف، لأنّ عملية شراء الدولارات ستكون بلا طائل، طالما أنّ سعر المبيع في حينه سيكون هو نفسه تقريباً سعر الشراء اليوم. مع العلم أن رفع سعر “صيرفة” إلى حدود 35 ألفاً هو سلاح ذو حدّين بعد إقرار الموازنة، لأن أغلب الرسوم المقوّمة بالدولار، ستُحتسب على السعر المرتفع، وستتسبّب بكارثة على المواطنين اللبنانيين نتيجة لعبة المضاربة تلك.

وسط هذا، قد يقضي الحلّ الأمثل أمام سلامة، بعدم إصدار أي بيان أو تعميم من هذا النوع، وبالتالي الاستمرار في بيع الدولارات عبر “صيرفة” وفق السقوف و”الكوتا” المعتمدة حالياً ومن دون أي زيادة… وكفى الله المؤمنين شرّ الدولار.

لمتابعة الكاتب على تويتر: emadchidiac@

مواضيع ذات صلة

هذه هي الإصلاحات المطلوبة في القطاع المصرفيّ (2/2)

مع تعمّق الأزمة اللبنانية، يصبح من الضروري تحليل أوجه القصور في أداء المؤسّسات المصرفية والمالية، وطرح إصلاحات جذرية من شأنها استعادة الثقة المفقودة بين المصارف…

لا نهوض للاقتصاد… قبل إصلاح القطاع المصرفيّ (1/2)

لبنان، الذي كان يوماً يُعرف بأنّه “سويسرا الشرق” بفضل قطاعه المصرفي المتين واقتصاده الديناميكي، يعيش اليوم واحدة من أخطر الأزمات النقدية والاقتصادية في تاريخه. هذه…

مجموعة الـ20: قيود تمنع مواءمة المصالح

اختتمت أعمال قمّة مجموعة العشرين التي عقدت في ريو دي جانيرو يومي 18 و19 تشرين الثاني 2024، فيما يشهد العالم استقطاباً سياسياً متزايداً وعدم استقرار…

آثار النّزوح بالأرقام: كارثة بشريّة واقتصاديّة

لم تتسبّب الهجمات الإسرائيلية المستمرّة على لبنان في إلحاق أضرار مادّية واقتصادية مدمّرة فحسب، بل تسبّبت أيضاً في واحدة من أشدّ أزمات النزوح في تاريخ…