في خطوة استباقية تحسّباً لأيّ طارئ في ما يتعلّق بمدينة القدس والمسجد الأقصى، بعد تشكيل اليمين الإسرائيلي حكومته رسمياً، وقّع الرئيس الفلسطيني محمود عباس والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني وثيقة تعلن تأسيس وقفيّة جديدة في المسجد الأقصى باسم وقفية المصطفى لختم القرآن الكريم، تسهم الدولة الأردنية في تمويل برنامجها وعمليّاتها. وتضمن المبادرة الجديدة أو مؤسّسة “وقفية المصطفى” القيام بدورات خاصّة لتحفيظ القرآن الكريم وختمه في حرم المسجد الأقصى ستشمل أكثر من ألف قارئ وقارئة وستوفّر لهم مكافآت ماليّة شهرية. ستدعم هذه المبادرة صمود ألف عائلة مقدسية على أن يكون القارئون/ات الجدد من أبناء مدينة القدس، فضلاً عن أنّ المسجد الأقصى يحتاج إلى أن يكون المقدسيون حاضرين فيه بصورةٍ مستمرّة لمواجهة محاولات سلطات الاحتلال إفراغه من الناس.
قلق أردنيّ كبير
لم يسبق للأردن أن أعلن في العقدين الماضيين مبادرة جديدة لتأسيس وقفيّات في المسجد الأقصى. لكنّ إعلان وقفيّة المصطفى بحضور الرئيس محمود عباس والملك عبد الله يكتسب بعداً سياسياً فلسطينياً يتعلّق بمكانة المسجد الأقصى والقدس اللذين هما أمانة لدى الشعب الفلسطيني. وجاء إعلان تأسيس الوقفية تحت وصاية الملك الهاشمي فيما ينهار مستوى الاتصالات بين الجانبين الفلسطيني والأردني من جهة، وبين الجانب الإسرائيلي بعد فوز اليمين العنصري في إسرائيل.
مع إعلان نتانياهو تشكيل حكومته الجديدة، تزداد التقديرات القائلة إنّ المسجد الأقصى سيكون إحدى بؤر التوتّر المقبلة في العلاقة مع الفلسطينيين والأردنيين
تدرك تل أبيب بوضوح الأهمية الاستراتيجية للعلاقة مع الأردن والأهمية الهائلة للسلام معه. لكنّ بنيامين نتانياهو واليمين الإسرائيلي ينظران إلى الأردن على أنّه مكان محدود للمناورة. ولذلك يتركّز قلق الدولة الأردنية الكبير من سيناريوهات محتملة تكون على حساب القضية الفلسطينية، وتكون لها ارتدادات على الوضع الداخلي الأردني بناءً على المقولة الإسرائيلية القديمة الرائجة: الأردن هو الوطن البديل للفلسطينيين.
مع إعلان نتانياهو تشكيل حكومته الجديدة، تزداد التقديرات القائلة إنّ المسجد الأقصى سيكون إحدى بؤر التوتّر المقبلة في العلاقة مع الفلسطينيين والأردنيين. فتولّي إيتمار بن غفير وزارة الأمن القومي يبعث إلى الحياة المخطّطات اليمينية التي تستعدّ لاستهداف المسجد الأقصى بمزيد من الاقتحامات وجلب الحشود الاستيطانية إليه وتغيير الوضع الراهن فيه ومحاولة السيطرة عليه. ولا تُخفي أحزاب اليمين المتطرّف نيّتها تحويل الوقف الأردني الذي يدير المسجد إلى وقف إسرائيلي، وفرض صلاة اليهود في الأقصى. وهذا هو الهدف الأوّل للحكومة التي يقودها اليمين المتطرّف الإسرائيلي.
الأقصى وعيد المستوطنين
نصب المستوطنون شمعداناً ذهبياً ضخماً في ساحة الجدار الغربي للمسجد الأقصى (يسمّيها الإسرائيليون “حائط البراق”)، لمناسبة ما يُسمّى “عيد المستوطنين”. ويسعى حزب المستوطنين، باسم “القوّة الصهيونية”، إلى نقل مقرّر “وزارة التراث” إلى شرق القدس، تمهيداً لزيادة الاستيطان في الجزء الشرقي من المدينة، وذلك بعد تسلّم عضو الكنيست الحاخام عميحاي إلياهو الوزارة. ويريدون جعل مبنى “متحف روكفلر” التاريخي، الذي يقع في شارع السلطان سليمان بالقدس، مقرّاً للوزارة.
وردّاً على محاولات إسرائيل تهويد القدس، بحث رئيس الوزراء محمد اشتيه مع سفراء دولة فلسطين في الدول العربية والإسلامية سبل تنفيذ قرار قمّة الجزائر العربية الخاصّ بتبرّع المواطن العربي بأصغر عملة نقدية عربية لفواتير الهاتف الثابت والمحمول، بغية مساعدة وتعزيز صمود القدس والمقدسيّين، في ظلّ ما تتعرّض له المدينة من هجمة احتلالية استيطانية تهويدية.
تدرك تل أبيب بوضوح الأهمية الاستراتيجية للعلاقة مع الأردن والأهمية الهائلة للسلام معه. لكنّ نتانياهو واليمين الإسرائيلي ينظران إلى الأردن على أنّه مكان محدود للمناورة
عمليّات الطرد
استناداً إلى هذه التفسيرات القانونية، سحبت إسرائيل منذ عام 1995 فصاعداً إقامات نحو 13 ألف من المقدسيين، بذريعة أنّ مركز حياتهم لم يعد في القدس، فمنعتهم من الإقامة في مدينتهم وأجبرتهم على الرحيل إلى الضفة الغربية المحتلّة أو قطاع غزّة المحاصر، أو طردتهم ودفعتهم إلى الهجرة القسرية خارج الوطن. وبرّرت بأنّ مركز حياتهم لم يعد في القدس، بل في الخارج أو الضفّة الغربية.
وشكّل طرد إسرائيل المحامي صلاح الحموري إلى فرنسا، وهو من مواليد القدس وابن عائلة مقدسية ويحمل إقامة دائمة فيها، جرس إنذار لِما ستكون عليه أوضاع المقدسيين في عهد حكومة نتانياهو.
سبق طردَ الحموري سحبُ الإقامة الدائمة منه، طبقاً للقانون الذي يسمح بسحب الإقامة بسبب “خرق الأمانة لدولة إسرائيل”. وعلّلت إسرائيل بأنّ اشتبهت بصلات للحموري بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وطبقاً لقانون دخول إسرائيل يوجد إطار يسمح بطرد المقيمين في الخارج، لأنّ إقامتهم تُعتبر مؤقّتة في القدس وتنتهي إثر إقامتهم بضع سنوات في الخارج بذريعة أنّهم اختاروا مغادرة إسرائيل.
كان قاضي المحكمة العليا أهارون براك هو الذي سهّل على إسرائيل اعتبار الفلسطينيين في القدس مهاجرين ومقيمين مشروطين ومؤقّتين فعليّاً، وأنّ وجودهم في بيوتهم ليس حقّاً لهم بل عبارة عن أعطية.
في مواجهة هذه الإجراءات قدّمت مؤسّسات تُعنى بحقوق الإنسان التماسات للمحكمة العليا الإسرائيلية ضدّ وزارة داخلية الاحتلال باسم كثرة من المقدسيين ممّن حُرموا من الإقامة أو سُلبت منهم إقاماتهم. وأشارت المحكمة العليا في مجمل قراراتها إلى أنّ الفلسطينيين بالقدس هم سكّان أصليون لهم حقوق ولا ينبغي التعامل معهم كمهاجرين. وعلى الرغم من ذلك واصلت وزارة داخلية الاحتلال سياسة تجريدهم من الإقامة وطردهم.
إقرأ أيضاً: حماس لـ”رفيق صفقاتها” نتانياهو: تبادل أسرى الآن..
من جهتها، ندّدت الأمم المتحدة بطرد الحموري بعد اعتقاله إدارياً منذ آذار من دون توجيه اتّهام رسمي إليه، واصفةً الإجراء بأنّه “جريمة حرب”. وعلّق المتحدّث باسم المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة جيريمي لورنس قائلاً إنّ “القانون الإنساني الدولي يمنع طرد الأشخاص المحميّين من أرض محتلّة ويحظر صراحة إكراه هؤلاء الأشخاص على إعلان الولاء لقوّة الاحتلال”.
*كاتبة فلسطينية