لا هوادة في ارتفاع سعر صرف الدولار، فإقلاعه متواصل حتى بلوغه فضاء الـ45 ألفاً، ويُرجّح أن يرتفع أكثر مع نهاية العام الحالي، وفق ما تكشف حركة “السوق السوداء”، إلاّ إذا قرّر خلاف ذلك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي يحتفظ في جيبه بـ”مفاتيح” الهبوط.
هذا ملخّص ما ينتظر اللبنانيين في الأسابيع المقبلة حتى انقضاء عطلتَيْ الميلاد ورأس السنة، وستبقى كلّ الملفات في البلاد مؤجّلة حتى ذاك الوقت.
يشهد سعر الصرف منذ ما يقارب أسبوعين موجة ارتفاع كانت انطلاقتها من نحو 40 ألفاً، وتواصلت مذّاك حتى بلغت أمس حدود 42,900 ليرة للشراء و42,500 ليرة للمبيع، فيما الأجواء لدى شبابيك الصرّافين تنبىء بمزيد من الارتفاعات في الأيام المقبلة، وذلك للأسباب التالية:
1- رواتب القطاع العامّ: هي العامل المحرّك الأقوى لارتفاع الدولار، نتيجة إصرار المصرف المركزي على دفع تلك الزيادات (3 أضعاف) بالدولار الفريش بواسطة “صيرفة”. تبعد هذه الآليّة عن شفتَيْ المصرف المركزي كأس الضخّ المفرط للّيرات اللبنانية، وتسمح له في المقابل باختيار الـmomentum (التوقيت) المناسب للتدخّل شراءً للدولارات من السوق، وبات “المركزي” ممسكاً عبرها بخيوط اللعبة، و”مُطوّعاً” للصرّافين الذين باتوا يولون طلباته أهميّةً على حساب زبائنهم.
تؤكّد أوساط الصرّافين أنّ “المركزي” هو الشاري الأوّل لدولارات السوق حتى يومنا هذا، وعلى ما يبدو فإنّه مستمرّ في هذه السياسة ما دام الشغور الرئاسي متواصلاً والحكومة مشلولةً
2- موسم الأعياد: كانون الأول هو شهر استهلاكي بامتياز، ومحفّز للناس على شراء المأكولات والمشروبات والأطعمة، ومحرّك للأسواق التجارية كلّها. وهذا كلّه محفّز صريح على رفع الطلب على الدولار في “السوق السوداء” لزوم سدّ فواتير الاستيراد تبعاً لارتفاع الاستهلاك.
3- السياحة الشتويّة: يظنّ البعض أنّ الارتفاع في نسبة الحجوزات في فترة عيدَيْ الميلاد ورأس السنة إلى نحو 17 ألف راكب يوميّاً (95 طائرة في اليوم بحسب نقابة أصحاب مكاتب السفر) سيكون حافزاً لخفض سعر صرف الدولار، باعتبار أنّ الفائض في الدولارات سيدفع إلى انخفاضه.
هذا الكلام صحيح نظريّاً. لكن في المقابل سيكون ذلك فرصةً مناسبةً لمصرف لبنان من أجل “شفط” هذه الدولارات، وهذا الأمر لن يساهم في انخفاضه. يُضاف إلى أنّ المغتربين المقبلين من الخارج لتمضية فترة الأعياد في لبنان سيكونون أشدّ ميلاً إلى صرف دولارات أكثر على سعر صرف مرتفع، وليس العكس.
4- تسعيرة طيران الشرق الأوسط: قبل أيام عمّمت شركة طيران الشرق الأوسط على فروعها بياناً صادراً عن المدير العامّ محمد الحوت يفيد برفع سعر الصرف في الشركة من 40 ألفاً إلى 42 ألف ليرة عند احتساب أسعار التذاكر. وكما هو معروف، فإنّ هذه الشركة هي ملك مصرف لبنان وتعمل بمباركة حاكمه، ولذا اعتماد هذا السقف ليس إلّا مؤشّراً جدّياً إلى ما سيكون عليه سعر الصرف في المرحلة المقبلة.
5- طباعة ورقة المليون: قبل أيام كشف عدد من المواقع عن طرح مصرف لبنان لورقة المليون ليرة في بداية شهر شباط المقبل. صحيح أنّ الموعد بعيد نسبياً، لكنّ بداية التداول بهذه الفئة من العملة اللبنانية في السوق ليست إلّا مؤشّراً ضمنيّاً إلى أنّ سعر الصرف لا يبشّر بقرب الهبوط على الإطلاق.
6- سياسة مصرف لبنان: على الرغم من البيان الأخير الذي أصدره مصرف لبنان قبل أكثر من شهر وأعلن فيه عدم تدخّله في السوق، يواصل الدولار مذّاك ارتفاعه، إذ لم يُخفّض زخم هذا البيان سعر الصرف أكثر من 5 آلاف، ثمّ عاد إلى الارتفاع وصولاً إلى اليوم.
إقرأ أيضاً: حكومة ميقاتي تسطو على الرواتب
تؤكّد أوساط الصرّافين أنّ “المركزي” هو الشاري الأوّل لدولارات السوق حتى يومنا هذا، وعلى ما يبدو فإنّه مستمرّ في هذه السياسة ما دام الشغور الرئاسي متواصلاً والحكومة مشلولةً وغير قادرة على الوفاء بالتزاماتها، إلّا إذا قرّر سلامة التدخّل بائعاً للدولارات عبر منصّة “صيرفة” من أجل إحداث “تقليعة” جديدة على غرار المرّات السابقة، فذلك بحث آخر. فعندئذٍ قد ينخفض سعر الصرف إلى أرقام دون سقف الـ40 ألفاً ثمّ يعاود الارتفاع من جديد. لا معلومات حتى اللحظة تفيد بقرب إعلان مماثل، خصوصاً أنّه إثر الشائعات المماثلة التي روّجها “صرّافو” سلامة قبل مدةّ، بات هذا الأخير حريصاً على عدم تسريب مواعيد كهذه لأنّ عامل الصدمة مهمّ لنجاح تلك اللعبة.
إلى ذلك الوقت، تؤكّد كلّ المؤشّرات أنّ مصرف لبنان ليس مستعدّاً لحرق دولارات يجمعها “بأشفار العيون”، ولهذا سيتواصل الارتفاع.
لمتابعة الكاتب على تويتر: emadchidiac@