التيّار والقوّات يرفضان حوار برّي.. السيناريو الأمنيّ يتقدّم

مدة القراءة 9 د

أقفل البرلمان أبوابه وذهب نوابه ليمضوا فترة الأعياد من دون رئيس. انتهت الجلسة العاشرة على وقع الفراغ الذي بات حالة الاستقرار الوحيدة في البلاد. ولا نضوج لأيّ حلّ رئاسي في الأفق قبل اكتمال مشهد المنطقة. في الأثناء بدأت مؤشرات أمنية بالتصاعد، وبما يشي أن البلد صار على مفترق طرق بين وضعين: الأول بارد ويمضي ببطء. أما الثاني فساخن يشي بتوتر لا تُحمد عقباه.

في هذا السياق، يقول مرجع سياسي لـ”أساس” إنّ “رئاسة لبنان لها ثلاثة أبعاد لا يمكن إغفال أيٍّ منها: بعد داخلي، وآخر إقليمي، وثالث دولي. ولمّا لم يتحقّق أيّ من الأبعاد الثلاثة حتى الساعة، حاول رئيس المجلس النيابي نبيه بري ملء الفراغ بالمبادرة إلى الدعوة إلى الحوار. لكنّ المبادرة سقطت مع رفض القوى المسيحية لها، وكلٌّ منها له حساباته، وكلّها ترفض لكنّها تحاول عدم كسر الجرّة مع رئيس المجلس”.

ماذا في المشهد بعد هذه المبادرة الحواريّة وسط كلام عن عدّة سيناريوهات باتت تدرس جدّياً سقوط مرشّحَيْ المواجهة سليمان فرنجية وميشال معوّض لصالح مرشّح التسوية المقبلة.

 

سقوط مبادرة برّي مسيحيّاً

تماماً كما هو اصطفاف القوى على خلفيّة انعقاد جلسة لمجلس الوزراء، اصطفّت القوى المسيحية رفضاً لدعوة الحوار. كلّ منها أعلن رفضه على طبق مختلف مرفق بمقبّلات لا تفسد للودّ قضيّة مع الرئيس برّي. لكن للقوات اللبنانية والتيار الوطني الحر تحديداً حسابات رئاسية تُقارب بدقّة شديدة هذا الاستحقاق، لِما للعهد المقبل من أهميّة بالنسبة إلى البلاد، واستناداً إلى انعطافات واستحقاقات كبرى في السياسة والاقتصاد على حدّ سواء.

تشير مصادر متابعة لموقف حزب القوات إلى أنّ القوات لن تُبقي على مرشّحها ميشال معوّض خارج المجلس وتدخل في حوار

أصدرت القوات اللبنانية بياناً تؤكّد فيه الحاجة الملحّة إلى الحوار، لكنّها اشترطت أن يكون محصوراً في الرئاسة وأن يكون مرفقاً باستمرار انعقاد الهيئة الناخبة لانتخاب رئيس، مُشدّدةً على أن لا يقفل برّي الدورة الأولى ويحوّل الهيئة الناخبة إلى جلسة حوارية، فالدخول في حوار بين الكتل يعني التخلّي عن مرشّحيها والذهاب إلى منتصف الطريق.

 

القوّات تتمسّك بمعوّض

تشير مصادر متابعة لموقف حزب القوات إلى أنّ القوات لن تُبقي على مرشّحها ميشال معوّض خارج المجلس وتدخل في حوار، لا بل على العكس، فإنّ أهمّ ما تقوم به القوات اللبنانية حتى الساعة هو المحافظة على البلوك الانتخابي لصالح ميشال معوّض، ولا سيّما أنّها تراهن على الحصول لاحقاً في الوقت المناسب على أصوات الاعتدال السنّيّ. وبالتالي فإنّ أيّ مبادرة إلى الحوار في الاستحقاق الرئاسي تعتبرها القوات “تصدّعاً” للكتلة الناخبة التي حقّقت توازناً سياسياً كبيراً في البلاد مقابل “حزب الله”.

يأتي موقف القوات هذا بانتظار نضوج تسوية رئاسية تسمح لرئيسها سمير جعجع بالدخول فيها من باب “قوّة تكتّل نيابي صامد” بوجه الورقة البيضاء. وهي تسوية لم يحِن وقتها بعد، ولذلك الأولويّة هي لتماسك الكتلة التي تصوّت لمعوّض، مع رفض أيّة محاولة لتفكيكها.

 

اعتبارات “التيّار الوطنيّ” لرفض الحوار

من جهته، يعتبر “التيار الوطني الحر”، بحسب مصدر قيادي رفيع، أنّ “الحوار هو من مهمّة رئيس الجمهورية لا رئيس مجلس النواب، وما يمكن أن يقوم به الرئيس برّي هو التشاور الثنائي مع الكتل لا إدارة حوار وطني. فالتيار الذي يعمل على إسقاط مرشّحَي المواجهة فرنجية ومعوّض ومرشّح التسوية المطروح قائد الجيش، مشغول بمساعٍ يقوم بها رئيس التيار جبران باسيل في بيروت والدوحة لطرح اسم آخر غير فرنجية وعون. ولذا لن تكون أيّة جدوى لأيّ حوار في الرئاسة اليوم في مجلس النواب وسط استمرار الاصطفاف السياسي بين فرنجية ومعوّض”.

ويقول المصدر لـ “أساس” إنّ تقدير النائب جبران باسيل للمرحلة المقبلة يقوم على الجمع بين السياسي والاقتصادي، وهذا غير متوفّر راهناً، ويستند إلى وعدٍ انتزعه من الأمين العام لحزب الله بعدم تخطّيه رئاسياً، وإنّ استسلام حزب الله لهذا الواقع بات وشيكاً، وعندئذٍ سيتخلّى الحزب عن مرشّحه سليمان فرنجية، والدلالة على ذلك ما ورد في تصريحات نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم حيث بدا أنّ الحزب يتراجع عن تمسّكه بسليمان فرنجية.

يقول مرجع سياسي لـ”أساس” إنّ “رئاسة لبنان لها ثلاثة أبعاد لا يمكن إغفال أيٍّ منها: بعد داخلي، وآخر إقليمي، وثالث دولي. ولمّا لم يتحقّق أيّ من الأبعاد الثلاثة حتى الساعة

3 سيناريوهات للخروج من الجمود

يقول لـ “أساس” مرجع متابع لحركة الاتصالات واللقاءات الدولية، ولا سيما اللقاءات التي ترعاها قطر، إنّ “التسوية المتّصلة برئاسة قائد الجيش جوزف عون أصبحت قريبة جداً”. وبحسب المرجع، تتقاطع الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والمملكة العربية السعودية عند رئاسته، وما الحركة القطرية إلا ترجمة لذلك.

غير أنّ الإجماع الدولي والإقليمي ينقصه اختراق الساحة الداخلية. اليوم وقد ذهب المعنيّون لتمضية الأعياد بانتظار العام الجديد، يبدو أنّ المشهد في الأشهر الأولى من مطلع عام 2023 مقبلٌ على أكثر من سيناريو لطرح اسم عون للرئاسة.

على الرغم من وجود هذه السيناريوهات على الطاولة، فليس أيٌّ منها ناضجاً بعد، بالإضافة إلى انتظار موقف حزب الله من ترشيح عون والضمانات المطلوبة لقاء ذلك، وقد يكون التعديل الدستوري الذي يجب أن يرافق ترشيح قائد الجيش عائقاً حتى الساعة مع معلومات نُقلت عن الرئيس برّي أنّ “التعديل غير وارد حالياً”.

في لبنان لا شيء مستحيل، فما هو مرفوض يتحوّل فجأة إلى ممكن في ربع الساعة الأخير. ومتى تحين لحظة التسوية يتقدّم الجميع نحوها. يُسقطون مواقفهم السابقة ويتقدّمون باتجاه ترجمة مصالحهم عند أيّ تقاطع مقبل لا محالة. لهذا كلّه لم يحِن أوان إسقاط الأسلحة بعد والجميع على متاريسه.

 

الحوار يترنّح… السيناريو الأمنيّ يتقدّم  

مع ترنّح سيناريو الحوار بين اللبنانيين، راح يتقدّم السيناريو الأمنيّ الذي أطلّ برأسه هذا الأسبوع من منطقتين جغرافيّتين ترتبطان بحزب الله، بالتزامن مع “رسالة” أوروبية ترتبط بهذا السلاح:

ـ الأوّل هو حادث العاقبية الذي أدّى إلى إطلاق “الأهالي” النار على دورية لقوات اليونيفيل تابعة للكتيبة الإيرلندية، فقُتل جندي وأُصيب آخر إصابة بالغة. وتردّدت أخبار أنّ المقتول أصيب برأسه إصابة مباشرة تشبه الإعدام.

– الثاني يتعلّق بالمطار بعد تصاعد الاتّهامات الإسرائيلية لحزب الله باستخدام مطار رفيق الحريري الدولي لتهريب أسلحة إيرانية إلى الداخل اللبناني وإلى اليمن عبر طائرات إيرانية.

-الثالث هو ما أعلنته وزيرة الدفاع الفرنسية السابقة (2002 – 2007) التي كانت في سدّة المسؤولية في مرحلة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وتذكيرها بأنّ “حزب الله والنظام السوري مسؤولان” عن هذا الاغتيال، في مقابلة على قناة “العربية” قبل 3 أيار.

تتقدّم هذه الأحداث بأهميّتها المشهد الأمني في البلاد لجهة التركيز على سلاح الحزب واشتراط أمينه العامّ رئيساً للجمهورية “يحمي ظهر المقاومة”.

هناك من يعتبر أنّ “سيناريو التسخين الأمنيّ” لإعداد الأجواء لمرشّح عسكري لرئاسة الجمهورية بدأ يتقدّم

العاقبيّة: إعدام؟

بهذا المعنى، فإن حادث العاقبية بالغ الدلالة لأكثر من سبب. فعلى الرغم من حالة الاستنكار الرسمية للحادث وعواجل التعزية من المسؤولين اللبنانيين لقائد قوات اليونيفيل، وعلى الرغم من مسارعة مسؤول “وحدة التنسيق والارتباط في حزب الله” وفيق صفا إلى إعلان عدم علاقة حزبه بالحادث، داعياً إلى عدم “إقحام الحزب” بالإشكال بين “الأهالي” وقوات الكتيبة الإيرلندية، يطرح هذا الإشكال أكثر من سؤال ربطاً بما سبقه من محطات بارزة متعلّقة بقواعد الاشتباك في الجنوب.

في آب الماضي جدّدت الأمم المتحدة في قرار لها مهمّة قوات اليونيفيل في لبنان، لكن مع تعديل في القرار السابق يرتبط بتوسيع مهامّ القوات الدولية وعدم ربط حركتها بمواكبة الجيش اللبناني كما سبق أن كانت قبل موعد التجديد.

في تشرين الأول الماضي وقّع لبنان مرسوم الترسيم البحري مع إسرائيل الذي ستكون له تداعيات على قواعد الاشتباك والأمن على الحدود. وقد جرى توقيع مرسوم الترسيم هذا بموافقة حزب الله المدرك لأسبابه ونتائجه.

تقول مصادر مقرّبة من “حزب الله” إنّ الحادث غير مقصود، وإنّه لا قرار من الحزب بالهجوم على القوات الدولية، وإنّ ما حصل لا يتجاوز أن يكون إشكالاً مع “الأهالي”. وهو ما استنكره ونفاه وزير الداخلية. وتساءلت المصادر نفسها: لماذا غيّرت الآليّة مسارها باتجاه العاقبية، وهو ما سبّب استنفار الأهالي؟

في المقابل، استبعدت مصادر مواكبة للحادث أن يكون عفويّاً لأنّ الشكل الذي جرى فيه إطلاق النار بدا متقناً. وذهبت هذه المصادر بعيداً في قولها إنّه يجب قراءته في مسارين، مسار داخلي وآخر خارجي:

– في المسار الداخلي: لا تفسير لهذا التوقيت في الحسابات الداخلية باستثناء افتعال توتّرات أمنية تقود إلى وضع لبنان تحت عنوان السيناريو الساخن، وهو ما لم يحِن وقته بعد.

– في المسار الخارجي: إذا أردنا قراءة الحادث في توقيته ربطاً بقرارات الأمم المتحدة يمكن أن نطرحه باتّجاهين: هل يرتبط الحادث بقرار التجديد لقوات اليونيفيل بشكل مخالف لرغبة حزب الله أم يأتي ردّاً على كلام وزير الخارجية الإيرلندي سايمون كوفيني أنّ “من المرجّح أن يوسّع الاتحاد الأوروبي عقوباته على إيران”؟

 

لبنان صندوق بريد مجدّداً؟

هل بدأ مسار الداخل اللبناني يعود صندوقةً أمنيّةً لنقل الرسائل ردّاً على المواقف الدولية ضدّ سلوك النظام الإيراني اتجاه الاحتجاجات الشعبية التي لم تتوقّف منذ منتصف أيلول الفائت؟

إقرأ أيضاً: ميقاتي يناور: جلسة حكوميّة ثانية على الأبواب!

كلّها أسئلة مطروحة ربطاً بالحادث “الخطير” الحاصل في الجنوب. وعليه لا يمكن إلا أن نطرحه ربطاً بتطبيق القرار 1701. فهل يمهّد لورشة عمل حول القرارات الدولية المتعلّقة بالسلاح؟ وهل هو مقدّمة لحشد مزيد من القوات الدولية في الجنوب؟

أسئلة كثيرة تفتح السيناريو الأمني على مصراعيه إلا إذا قرّر جميع المعنيين احتواء الحادث كما سبق أن حصل سابقاً، واعتباره رسالة من تلك الرسائل المتبادلة في صندوق البريد بين الحزب والقوى الدولية.

وهناك من يعتبر أنّ “سيناريو التسخين الأمنيّ” لإعداد الأجواء لمرشّح عسكري لرئاسة الجمهورية بدأ يتقدّم، لوضع “متطلّبات أمنيّة” إلى جانب تلك “الاقتصادية” في الحوار حول “بروفايل الرئيس المقبل وروزنامة عمله”.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: josephinedeeb@

 

مواضيع ذات صلة

هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد…

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب عن موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…