ماذا يريد جبران باسيل؟

مدة القراءة 5 د

لا بدّ أنّ السيّد حسن نصرالله، وهو يستمع إلى كلام جبران باسيل، والأرجح حين يقرأ كلامه لاحقاً، قد يتذكّر تلك الواقعة التي مرّت عليها اليوم 16 سنة، ونقلها إليه أكثر من معاون ومتعاون.

كان ذلك بعد عدوان تموز 2006 وبعد الانتصار وخطاب نصرالله. يومذاك وقف السيّد يعطي كلَّ ذي حقّ حقّه، وحين وصل إلى دور ميشال عون في حماية ظهر المقاومة واحتضان بيئتها، وبالتالي مساهمته في صناعة صمود الانتصار، أعلن نصرالله بصوت قاطع جازم أنّه سيحفظ للجنرال ما قام به إلى يوم الدين.

لا بدّ أنّ السيّد حسن نصرالله، وهو يستمع إلى كلام جبران باسيل، والأرجح حين يقرأ كلامه لاحقاً، قد يتذكّر تلك الواقعة التي مرّت عليها اليوم 16 سنة، ونقلها إليه أكثر من معاون ومتعاون

الآن الآن وليس غداً

بعد أيّام كان لقاء بين باسيل وبعض مسؤولي حزب الله. وككلّ لقاء، يبدأ بالعموميّات وينتهي بعد المضمون والجدّ إلى المزاح وما ليس مضموناً أبداً. ولمّا وصل الكلام إلى هذا الختام، سأل باسيل محاوريه: ماذا يعني السيّد بقوله إنّه سيحفظ ما قام به الجنرال إلى يوم الدين؟ فكان أن اجتهد أحدهم بالجواب: في إيماننا يعني يوم الدين أنّ المؤمن يمكنه أن يتشفّع أمام خالقه لشخص آخر. وبعد عمر طويل مديد مجيد، قناعة السيّد أنّه سيتشفّع للجنرال عون. فحبكت الطرفة فوراً مع باسيل وأجاب محدّثه مازحاً: وهل تريدون منّا الانتظار حتى تلك الساعة ومجيئها؟ نحن نريد تقريش ما قمنا به الآن الآن وليس غداً.

ولأنّ السخرية غالباً ما تُخفي الحقيقة، أو هي تستحي من إعلان الحقيقة، وصلت يومئذٍ الرسالة إلى المعنيّ بها. وبدأ التقريش بلا مزاح.

على مدى عشرة أعوام كاملة، من 2006 وانتصار تموز على العدوّ حتى 2016 وانتخاب عون رئيساً في “انتصار تشرين” حتى على أقرب الحلفاء، من نبيه برّي إلى سليمان فرنجية، أدّى السيّد واجبه ووفاءه وفرضه. وحَسِب بعدها أنّه سيرتاح. ولكن… مضت الأيام وحملت في ثناياها تطوّرات كثيرة وكبيرة.

عطايا نصرالله لباسيل

أُعطي نصرالله وزنات انتصار تمّوز، بعد تحرير الألفين، فثمّرها وراكم عليها وفوقها وإلى كلّ جانب من جوانب مكسبها، حتى صار لاعباً إقليمياً. وجاءت حرب سوريا فأعطته بعداً ودوراً أكبرين. ثمّ جاء داعش وصعوده وسقوطه، فصار خطاب نصرالله أوسع ومشروعه أشمل. ثمّ سقط قاسم سليماني في غفلة أميركية ترامبيّة عن قاعدة أميركية ثابتة في الاستثمار الدائم في حياة الأعداء وموت الحلفاء، لا العكس… فقيل إنّ ملفّات قائد الفيلق الشهيد ومسؤوليّاته في كلّ الإقليم، وربّما أبعد منه، باتت في عهدة السيّد.

صارت معادلة “التفاهم” غير متكافئة بين نصرالله وباسيل. لا بل ظالمة وقاهرة وكابتة لهما معاً

في المقابل أُعطي باسيل وزنة رئاسة جمهورية كاملة، حتى فيض القوّة والافتتان بها:

– إجماع مسيحيّ متصالح مع ذاكرة حمراء حيّة لم يلبث أن أُنفق على حرب داحسيّة من أجل عضو بالزائد أو بالناقص في كازينو لبنان.

– احتضان شيعيّ مُكلف للحاضنين صُرِف على هوس مشروع ميني نبيه برّي مسيحي، أو حتى بترونيّ.

– تسوية سنّيّة بدأت بحلم معادلة بشارة الخوري ورياض الصلح الميثاقية، وانتهت إلى أستذة جبران على “وزيره الأوّل”، ابن رفيق الحريري لا غير، وبعد محطّات ترفيه وتقرير في أكثر من جزيرة متوسّطية.

– قبول درزيّ بلغ حدّ جلوس ابن كمال جنبلاط منصتاً إلى درس التوبة والصفح من جبران في دير القمر، قبل أن يُفتح قبر- شمون ومعه التهديد المباشر بالسجن والمحاكمة لحفيد عمود السماء.

– رئاسة مطلقة بأكثريّة حزب حاكم أوحد، وأجهزة وسلطات وحقائب و”حقائب”، قبل أن تنتهي تلك الأسطورة كلّها إلى نزاع مع حكمت ديب وماريو عون… على حياة ميشال عون.

صغائر باسيل وأمجاد نصرالله

هكذا تبدّلت المواقع وتغيّرت. صارت أولويات نصرالله، أو صلب واجباته النضاليّة اليوميّة على الأقلّ: كيف يستوعب مقتدى الصدر في بغداد؟ وكيف يرتّب خلافة مصطفى الكاظمي بسلاسة بين طهران وواشنطن؟ ومن يخلف حسن إيرلو في صنعاء؟ وكيف يدوزن حضور إيران وروسيا في سوريا بعد تداعيات أوكرانيا؟

أمّا باسيل فمعجوق بافتعال نغمة الزعيق الممسرَح و”الممنتَج” والموسميّ ضدّ نبيه برّي لرسم دور “السوبر بطل”، تحسّباً لحسابات ألان وسيمون وإبراهيم في انتخابات التيار في أيلول المقبل لا غير… قبل أن يعود بعد كلّ نوبة إلى عين التينة، حاملاً بسمة مصارعي تمثيليّات “السماكداون”، بعد انتهاء مسخراتهم واحتراب جمهورهم واقتسامهم غلّة الحلبة.

هكذا صارت معادلة “التفاهم” غير متكافئة بين نصرالله وباسيل. لا بل ظالمة وقاهرة وكابتة لهما معاً. نصرالله يتكلّم ليفعل في قوس جغراسياسي يربط ما بعد الخليج بما قبل المتوسّط. فيما باسيل يحكي ليضبط مَن معه حول طاولته. وهم الصامتون دوماً عن كلّ معاركه، حيث الصمت يناقض رضاهم ويتخطّى ريبتهم.

إقرأ أيضاً: كيف أهدت إيران أميركا فوزاً لا تستحقّه

نصرالله يرتّب ضوابط ساحته اللبنانية على ثلاث مراتب متدرّجة بشكل صارم:

– أوّلاً، وحدة الشارع الشيعي بأيّ ثمن.

– ثانياً، تجنّب الفتنة الشيعية السنّية ولو بثمن عبور عهد وعهود.

– ثالثاً، الحفاظ على تركة الجنرال، بما يقدر الوارث على تركه وحفظه.

أمّا باسيل فمقتنع أحشائيّاً وغدديّاً بأنّه الوريث الشرعي والوحيد والمستحقّ والساحق القادر لتاريخ فُتِح هلاله الأوّل مع شباب الحلف الثلاثي الستّينيّ، وأُقفل هلاله الثاني مع رحيل بشير الجميّل الثمانينيّ، تمهيداً لسطوع البدر الباسيليّ لا غير، ليربط ألفيّة ثانية بثالثة على الأقلّ.

هكذا ظلمت الظروفُ والأقدارُ والتقديراتُ التفاهمَ والمتفاهمين، وظلّ السؤال: والآن ماذا يريد جبران باسيل؟

سؤال يقتضي المتابعة.

لمتابعة الكاتب على تويتر: JeanAziz1@

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…