في حين كانت الأنظار شاخصة نحو تفشّي “الكوليرا”، دخلت الإنفلونزا بقوّة على الخطّ، متخطّية فيروس كورونا بأشواط، وكذلك الكوليرا. إذ يكاد لا يخلو أيّ منزل من الإصابة بها. ولا يقتصر الأمر على لبنان فقط، بل يشهد العالم أعنف موجة إنفلوانزا منذ 10 سنوات. ففي الوقت الحالي تشهد الولايات المتحدة أعلى مستويات من الاستشفاء بسبب الإنفلونزا خلال هذا العقد، وفقاً لما قاله رئيس المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC)، مضيفاً أنّ 14 طفلاً ماتوا بسببها أخيراً.
إلى ذلك، سبق أن حذّر مكتب منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط من أنّ موسم الشتاء الحالي قد يشهد عودة قوية للإنفلونزا، بالتزامن مع إعلان وزارة الصحة في الولايات المتحدة الأميركية انتشار 3 فيروسات تنفّسية هي الإنفلونزا وكورونا والفيروس المخلوي التنفّسي، وإعلان الحكومة البريطانية فرض عزل للطيور الأليفة والدواجن في كلّ أنحاء إنكلترا للتصدّي لتفشّي إنفلونزا الطيور. وقد دفعت هذه الوقائع منظمة الصحة العالمية إلى التخوّف من أن تكون الإنفلونزا الموسمية هي الوباء المقبل على البشرية.
في حين كانت الأنظار شاخصة نحو تفشّي “الكوليرا”، دخلت الإنفلونزا بقوّة على الخطّ، متخطّية فيروس كورونا بأشواط، وكذلك الكوليرا. إذ يكاد لا يخلو أيّ منزل من الإصابة بها
هذا وتُجمع آراء الأطبّاء على أنّ الجلوس في المنزل وعدم الخروج طوال عامين وأكثر منذ انتشار فيروس كورونا وتطبيق نظام الإقفال العامّ، والتباعد الاجتماعي، وارتداء الكمّامات، ضعّفت المناعة لدى سكّان الكوكب كلّهم. وما إن عاد الناس إلى الاختلاط ورُفعت الإجراءات على المستوى الوطني، وعلى المستوى الشخصي، وعاد الناس إلى العادات السابقة على انتشار جائحة كورونا، حتّى انتشرت الإنفلونزا كالنار في الهشيم.
دبيبو: 3 فيروسات رئيسيّة منتشرة اليوم
يكشف رئيس مركز أبحاث الأمراض الجرثوميّة في الجامعة الأميركية والاختصاصيّ في طبّ الأطفال البروفسور غسان دبيبو لـ”أساس” عن انتشار “3 فيروسات رئيسيّة هذه الأيام، وهي فيروس كورونا الذي ما يزال موجوداً، وفيروس الإنفلونزا من السلالتين A وB، والفيروس التنفّسي المخلويّ (RSV) الذي يظهر عادة في هذا الوقت من السنة ويُسبّب عوارض مشابهة للإنفلونزا، وينتشر أكثر من الإنفلونزا، وبلغت نسبة انتشاره في الأسبوعين الأخيرين من شهر تشرين الثاني 21%”.
يردّ دبيبو عوامل الانتشار إلى “غياب الفيروسات التنفّسية الأخرى في ظلّ ظهور فيروس كورونا وانتشاره الكبير. وقد سُجّل اختفاء بعض هذه الفيروسات، ومنها الإنفلونزا والفيروس التنفّسيّ المخلويّ، خلال عامين من الجائحة، فأدّى ذلك إلى انخفاض المناعة المجتمعيّة ضدّ هذه الفيروسات، وحدثت فجوة مناعيّة، إضافة إلى مساهمة تدنّي نسبة التلقيح ضدّ الإنفلونزا وغياب لقاح فعّال ضدّ الفيروس التنفّسيّ المخلويّ في الانتشار الكبير لهذه الفيروسات”.
ويضيف أنّ “الفحوص المخبريّة التي تُجرى في بعض المختبرات لسلالات الإنفلونزا، تكون عادةً للتمييز بين سلالتَيْ الإنفلونزا A وB. وتكون أيضاً لتحديد نوع السلالة A H1N1 أو A H3N2 مثلاً، فعندئذٍ سنحتاج إلى فحوص دقيقة تستخدم تقنية الـPCR غير متاحة إلا في المختبرات الجامعية الكبيرة”.
ويُضيف: “يعتبِر كلُّ من تُحدَّد إصابته بالإنفلونزا A أنّه مصاب بالإنفلونزا H1N1 حتى انتشر هذا التعميم والتقدير بين الناس ولدى بعض المختبرات، في حين أنّ السلالة السائدة اليوم حسب مركز الأمراض المعدية في المركز الطبّي للجامعة الأميركية في بيروت هي H3N2 بنسبة 75%، مع تسجيل بعض حالات H1N1 بنسبة 25%. وتُعتبر هاتان السلالتان H3N2 وH1N1 الأكثر انتشاراً في المجتمع اللبناني في الوقت الحاضر”.
دبيبو: لا داعي للخوف أو الذهاب إلى المستشفى ما دامت مخفّضات الحرارة قادرة على خفض حرارة المريض، وما دام قادراً على تناول الطعام والشراب، وجسده نشيطاً وتنفسّه جيّداً
متى تستدعي الحالة الاستشفاء؟
يوضح دبيبو أن “لا داعي للخوف أو الذهاب إلى المستشفى ما دامت مخفّضات الحرارة قادرة على خفض حرارة المريض، وما دام قادراً على تناول الطعام والشراب، وجسده نشيطاً وتنفسّه جيّداً. ولكن في حال ارتفعت الحرارة وبدا الطفل متعباً ويعاني صعوبة في التنفّس يجب التوجّه به سريعاً إلى المستشفى. فهذه الفيروسات تُسبّب بعض المضاعفات الصحيّة، ومنها الجفاف والالتهاب الرئويّ الحادّ الذي تسبّبه بكتيريا اغتنمت الفرصة وأدّت إلى زيادة الالتهابات في الرئة نتيجة الفيروس”.
البزري: للحصول على اللقاح سنويّاً
يؤكّد النائب والمتخصّص في الأمراض المعدية الدكتور عبد الرحمن البزري أنّ “الإنفلونزا الموسمية التي تنتشر في لبنان سببها الفيروس B، والسلالة السائدة اليوم في لبنان هي H3N2 التي تعتبر جديدةً على الجهاز المناعي بعد سنتين على غياب الفيروسات التنفّسية نتيجة انتشار كورونا”.
ويضيف لـ”أساس”: “الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالإنفلونزا هم كبار السنّ وأصحاب الأمراض الرئوية أو المزمنة، والذين يعانون ضعفاً في المناعة”، داعياً إيّاهم إلى “أخذ لقاح الإنفلونزا لأنّه يخفّف من الأعراض المزعجة والمؤلمة. وعلى الرغم من أنّ أعراض نزلات البرد والإنفلونزا الموسمية متشابهة لأنّ كلتيهما تصيب الجهاز التنفّسي، إلا أنّ فيروساً مختلفاً يسبّب كلّاً منهما، ويظهر هذا الاختلاف في الأعراض التي تكون أكثر قوّة في الإنفلونزا الموسمية التي قد تؤدّي مضاعفاتها إلى دخول المستشفى، وهذا لا يحدث مطلقاً مع نزلات البرد. لا يوجد بيانات أو إحصاءات حتّى الآن لهذه الموجة، لكن ما نعرفه أنّ الإصابات كثيرة والعيادات مليئة بالمرضى والاتصالات التي نتلقّاها يوميّاً لا تتوقّف”.
ويشدّد على ضرورة اتّخاذ الإجراءات الوقائية للحدّ من انتشار الإنفلونزا الموسميّة، وبخاصة بين الأطفال، من خلال ارتداء الكمّامة، والالتزام بالتباعد الاجتماعي والحفاظ على النظافة الشخصية. ويدعو جميع الفئات من عمر 6 أشهر وما فوق إلى الحصول على اللقاح سنوياً، وخصوصاً الفئات الأكثر عرضة للإصابة، وهم:
– النساء الحوامل، وبعد الولادة بأسبوعين.
– الأطفال من عمر 6 أشهر حتى 5 سنوات.
– الأشخاص من عمر 65 عاماً وما فوق.
– أصحاب الأمراض المزمنة مثل الربو، والسمنة، واضطرابات الغدد الصمّاء، وأمراض الرئة، وأمراض القلب، وأمراض الكبد، وأمراض الكلى، وبالطبع مقدّمو الرعاية الصحية من أطباء وممرّضين.
أمّا الأعراض الحالية فهي:
– حرارة مرتفعة.
– آلام في الجسم والعضلات.
– صداع.
– ألم في الحنجرة.
– سيلان أو احتقان في الأنف.
– إسهال وتقيّؤ ( في بعض الأحيان).
إقرأ أيضاً: الكوليرا في لبنان: أقفلوا الحدود مع سوريا
خطّ ساخن في وزارة التربية
لا بدّ من الإشارة إلى أنّ مديرة الإرشاد والتوجيه في وزارة التربية هيلدا خوري أعلنت أنّ 5 مدارس فقط أبلغت وزارة التربية بإصابة أعداد كبيرة من التلاميذ بالرشح عبر الخطّ الساخن للوزارة 01/772000. وهذا الخط تديره غرفة عمليات مشتركة بين وزارة التربية والتعليم العالي والصليب الأحمر اللبناني. وعند تلقّي اتّصال يتعلّق بموضوع صحّيّ دقيق، يتمّ الاتصال بوزارة الصحة العامة لاتّخاذ القرار اللازم. هذا وتؤكّد مصلحة الترصّد الوبائيّ في وزارة الصحة العامّة أن لا داعي لإقفال الصفوف أو المدرسة بسبب الرشح الموسميّ، بل يمكن الاكتفاء بالإجراءات الوقائية وعدم استقبال التلاميذ الذين لديهم عوارض رشح.