كما في 1936، و1979، كذلك في 2022، نساء إيران في قيادة الاعتراض والاحتجاجات الاجتماعية والسياسية في إيران.
في 1936 اعترضت النساء على حظر ارتداء الحجاب بالتزامن مع إعطاء النساء الحقّ بالتصويت. وكانت ثورة 1979 في جزء منها ارتداداً دينياً بوجه مدنية الشاه ونظامهن وأدّت إلى إلزامية الحجاب.
في 2022 تعترض النساء هذه المرّة ضدّ إجبارهنّ على ارتداء الحجاب وخنق الحرّيات العامّة والشخصية.
المفارقة في الربيع الإيرانيّ المتجدّد، أنّ نساء السلطة نفسها لهنّ أدوار أساسية في قيادة الثورة اليوم، وفي الدفاع عنها. نذكر منهنّ فريدة مرادخاني، ابنة شقيقة المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي، وفائزة رفسنجاني، ابنة الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني.
في 1936 اعترضت النساء على حظر ارتداء الحجاب بالتزامن مع إعطاء النساء الحقّ بالتصويت. وكانت ثورة 1979 في جزء منها ارتداداً دينياً بوجه مدنية الشاه ونظامهن وأدّت إلى إلزامية الحجاب
فمن هما هاتان السيّدتان؟ وما دورهما وتاريخهما السياسي؟ ما الذي دفع بهما إلى أن تكونا رمزاً للمعارضة السياسية من قلب البيت السلطوي؟ هما المعتقلتان في السجون الإيرانية:
– فريدة مرادخاني منذ 23 تشرين الثاني الماضي.
– وفائزة رفسنجاني منذ 28 أيلول الماضي.
لا أحد يعلم عنهما شيئاً، إلا ما انتشر في الإعلام القريب من إيران، عن تسويات تحاول السلطات الإيرانية إبرامها مع السيّدتين، لثنيهما عن آرائهما المعارضة الحادّة التي سرت كالنار في وسائط التواصل الاجتماعي وتركت أثرها في ألوف المعارضين. وذلك في محاولة لترتيب الوضع السياسي الداخلي. وبعدها صدر قرار إلغاء شرطة الأخلاق، في استمرار لمحاولات السلطة امتصاص غضب النساء والرجال.
فريدة مرادخاني
فريدة مرادخاني هي ابنة أخت خامنئي. تنحدر من عائلة تملك سجلّاً حافلاً في معارضة القيادة الدينية الإيرانية. وهي مهندسة مدنية. ذاع صيتها ناشطةً مناهضةً لعقوبة الإعدام في بلدها. وكانت تعرّضت للاعتقال أكثر من مرّة، كانت آخِرتها في تشرين الثاني الماضي، بعدما سجّلت شريط فيديو وصفت فيه النظام الإيراني بأنّه “مجرم” وقاتل الأطفال”، وقالت في الفيديو: “أيّتها الشعوب الحرّة، ساندونا وبلّغوا حكوماتكم بأن تتوقّف عن دعم هذا النظام الدموي قاتل الأطفال.. هذا النظام ليس وفيّاً لأيّ من مبادئه الدينية ولا يعرف أيّ قواعد سوى القوّة والتشبّث بالسلطة”.
فريده مرادخاني، خواهرزاده علي خامنهاي در ويديويي که به تازگي از او منتشر شده است در مورد خيزش سراسري ايرانيان اظهار نظر کرده و خواستار واکنش جديتر سازمانهاي بين المللي شد. pic.twitter.com/lrkMmZG4VQ
— اتاق خبر منوتو (@ManotoNews) November 26, 2022
سبق للسلطات الإيرانية أن اعتقلت فريدة في كانون الثاني الماضي، بعدما نشرت شِعراً يتغنّى بالملكة فرح ديبا بهلوي، زوجة محمد رضا بهلوي، الشاه الأخير. وتمّ الإفراج عنها بكفالة في نيسان الماضي، حسب وكالة أنباء ناشطي حقوق الإنسان (HRANA) التي أوضحت أنّ اعتقالها الأخير كان في إطار قضاء عقوبة بالسجن 15 عاماً، من دون أن تتّضح التهم الموجّهة إليها حتى الساعة.
أمّا والد فريدة علي مرادخاني، المعروف بـ”طهراني” نسبة إلى العاصمة طهران، فهو قيادي سابق في النظام الإيراني، وكاتب وخطيب معروف ساند الثورة الخمينية عام 1979، ومثّل محافظة خراسان في مجلس خبراء الدستور قبل أن يغيّر موقفه ويبدأ بانتقاد رجالات الثورة الإسلامية منذ منتصف الثمانينيات.
هرب علي مرادخاني وعائلته، ومن ضمنهم زوجته بدرية شقيقة خامنئي، إلى العراق في ذروة الحرب بين البلدين، بعدما أمضى عدّة أشهر في السجن في مدينة مشهد. لكنّه عاد إلى إيران عام 1995 وحُكم عليه بالسجن 20 عاماً، قبل أن يُطلَق سراحه عام 2005.
على الرغم من الاضطهادات والاعتقالات المتكرّرة، استمرّ والد فريدة بانتقاد النظام الديني في إيران حتّى وفاته قبل شهرين. وكانت الصحافة الإيرانية نشرت في وقت سابق أنّ طهراني حاول الانتحار في سجن إيوين في طهران.
في تصريح لشقيق فريدة، محمود مرادخاني، المعارض الذي يعيش في فرنسا، أكّد أنّ عائلته لا تعلم مكان اعتقال شقيقته حتّى الآن على الرغم من المحاولات الكثيرة للتواصل معها.
فائزة هاشمي رفسنجاني
فائزة رفسنجاني، ابنة الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، نائبة سابقة وناشطة في مجال حقوق المرأة. في سجلّها مواجهات عديدة مع السلطات في الجمهورية الإسلامية. وهي ناقدة صريحة للنظام. تمّ اعتقالها آخر مرّة في 28 أيلول الماضي، بتهمة تحريض مثيري الشغب في شرق البلاد، وما تزال رهن الاعتقال. وفي تموز الماضي وُجّهت إليها تهمة القيام بأنشطة دعائية ضدّ البلاد وبـ”التجديف” في تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، حسب ما صدر عن القضاء الإيراني في ذلك الوقت.
يُعدّ والد فائزة هاشمي رفسنجاني، الرئيس الراحل، أحد أبرز الشخصيّات المؤثّرة في سياسة الجمهورية الإسلامية. ومن مواقفه البارزة دعوته إلى تحسين العلاقات مع الغرب والولايات المتحدة.
من تصريحات فائزة الأكثر شهرة، اعتبارها أنّ مطالبة إيران بإزالة الحرس الثوري من قائمة الإرهاب الأميركية “تضرّ بالمصالح الوطنية للبلاد”. وفي عام 2012، حُكم عليها بالسجن لستّة أشهر بتهمة “الدعاية ضدّ الجمهورية الإسلامية”، وذلك بعد تصريحها أنّ “تدخّل إيران في سوريا خلّف 500 ألف قتيل”. وأشارت إلى أنّ والدها عارض مشاركة إيران في الحرب في سوريا وأبلغ ذلك لقائد فيلق القدس السابق بالحرس الثوري، قاسم سليماني، منذ بداية الأزمة في سوريا. وسألت فائزة في التصريح نفسه خلال مقابلة مع موقع “إنصاف نيوز” الإصلاحي: “ماذا أنتجت تصرّفات سليماني وسياستنا المقاوِمة؟ ماذا حقّقت لنا في مجالات الاقتصاد والحرّيات والسياسة الخارجية؟”. وأضافت: “سياسة المقاومة لم تترك لنا شيئاً لنفخر به”. وأكّدت أنّ سياسة إيران في المنطقة “أدّت إلى أن نفقد أصدقاءنا، وأصبحت سياستنا الخارجية تشبه السياسة الداخلية، إذ تحوّل المؤيّدون إلى منتقدين، ثمّ تبدّل المنتقدون إلى معارضين”، مشيرة إلى أنّ “مساعي الإيرانيين للإصلاح أدّت إلى المزيد من القمع”.
إقرأ أيضاً: نتائج الاحتجاجات الإيرانية: المعادلة لرئاسة جديدة
غضب أنثويّ
حوالي 14 ألف شخص تمّ اعتقالهم في إيران إثر الاحتجاجات التي انطلقت بعد وفاة مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق في 16 أيلول الفائت، وفق مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. وحسب منظّمة حقوق الإنسان في إيران لقي ما لا يقلّ عن 416 شخصاً حتفهم، بينهم 51 طفلاً، في حملة القمع المستمرّة.
يثبت التاريخ أنّ القمع لم يكن يوماً حلّاً لإسكات الغضب الشعبي، بل كان وسيلة تعبق منها رائحة الدماء لإطالة عمر الأنظمة الآيلة إلى السقوط… فكيف إذا كانت شرارة هذا الغضب أنثويّة؟!
الجديد أنّ أركاناً كانوا يوماً محسوبين على النظام، قرّروا أن يخوضوا المعركة حتّى النهاية.
وها هو المدّعي العام الإيراني يعلن أنّ البرلمان والسلطة القضائية يراجعان قانون إلزامية الحجاب، بعدما أوقفا عمل “شرطة الأخلاق”… وهذا انتصار لنساء إيران يُضاف إلى سلسلة انتصاراتهم.
لمتابعة الكاتب على تويتر: Nahla_Nasredine@