صعدت الانتخابات البلدية والاختيارية إلى الواجهة من باب ما يحصل من استعدادات في وزارة الداخلية ومن “استعداد نظريّ” عند الأحزاب والقوى السياسية لبرهنة أحجامها وأوزانها في القرى والبلدات.
يحصل هذا في لحظة انسداد سياسي عامّ معطوفة على اختلال دستوري جرّاء شغور الرئاسة الأولى وعدم انتخاب البديل، فكان أن أفضى هذا الأمر إلى جدل عريض في إمكان إجراء هذه الانتخابات فيما حكومة الرئيس نجيب ميقاتي المستقيلة مُقيّدة دستورياً بـ”تصريف الأعمال”.
يأتي تصاعد النقاش في هذا الأمر مدفوعاً بما أفرزته الانتخابات النيابية الأخيرة من تغييرات حملت “القوى التغييرية” إلى المجلس، وبما ستعكسه الانتخابات البلدية والاختيارية، في حال حصولها، من هذه التبدّلات التي حصلت منذ 17 تشرين الأوّل من عام 2009.
إنّ الانتخابات البلدية واحدة من المحطّات السياسية الأساسية التي تتطلّع إليها القوى على اختلافها. فالبلديّات سلطة تنفيذية يتمدّد من خلالها نفوذ الأحزاب. فكيف إذا جرت في هذا الزمن بالذات، وفي الوقت الذي يستعدّ فيه البعض لطرح مشروع “قانون اللامركزية الإدارية” مع ما فيه من دور محوري للبلديّات. غير أنّ السؤال الأهمّ اليوم: هل تُجرى في موعدها أم يحتّم الشغور الرئاسي التأجيل مرّة ثانية والتمديد للمجالس البلدية المنهَكة أصلاً بفعل أزماتها؟
صعدت الانتخابات البلدية والاختيارية إلى الواجهة من باب ما يحصل من استعدادات في وزارة الداخلية ومن “استعداد نظريّ” عند الأحزاب والقوى السياسية لبرهنة أحجامها وأوزانها في القرى والبلدات
تشكُّك في حصول الانتخابات البلديّة
على الرغم من بدء الاجتماعات بين المعنيّين بملفّ الانتخابات في وزارة الداخلية، يقول رئيس كتلة نيابية لـ”أساس” إنّه “لا انتخابات بلديّة في ظلّ الفراغ الرئاسي، وقبل انتخاب رئيس”. ويشير إلى ما “يسمّيه شبه استحالة” لأسباب دستورية وقانونية قبل كلّ شيء. ويضيف أنّ “السجال اليوم لا يزال على مدى دستورية عقد جلسة لمجلس الوزراء في ظلّ الفراغ الرئاسي حتى لو كان ذلك تحت عنوان الملفّات الملحّة”، ويتساءل: كيف يمكن لهذه الحكومة “ومن ضمن صفتها الدستورية الراهنة” أن تجري انتخابات بلديّة واختيارية؟ ولذلك يستبعد حصولها ويرجّح تأجيلها والتمديد للبلديات حتى إنجاز الاستحقاق الدستوري المتعلّق بملء الشغور في الرئاسة الأولى وتشكيل حكومة جديدة.
يقول المصدر النيابي إنّه “إذا جرى انتخاب رئيس للجمهورية في آذار، فسيحتاج اتفاق رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف على تشكيل حكومة جديدة إلى وقت، بالإضافة إلى العمل على البيان الوزاري والحصول على الثقة من مجلس النواب. وإذا افترضنا حسن نيّة المشترعين في انتخاب رئيس وسرعة تشكيل حكومة وإعطاء الثقة لها، فلا يمكن الانتهاء من ذلك قبل أيار، ولذا التأجيل التقني أمر محتوم. أمّا إذا استمرّ الوضع على ما هو عليه حالياً فلا يمكن لهذه الحكومة التي تفتقر إلى شرعيّة ثقة مجلس النواب الجديد أن تجري أيّ انتخابات”. وبذلك يكون تأجيل موعد الانتخابات في الحالتين أمراً لا بدّ منه بانتظار انتخاب رئيس للجمهورية.
موانع عمليّة أمام الانتخابات البلديّة
يقول مرجع حقوقي لـ”أساس” إنّه “لا مانع نظريّاً قانونيّاً لإجراء الانتخابات في موعدها ولو كان ذلك في ظلّ فراغ رئاسي. غير أنّ التطبيق يختلف لأنّه سيحمل معه حتماً إشكاليّات تتعلّق بموقف القوى المعترضة على إجرائها تحت عنوان عدم جواز أن تصرف هذه الحكومة الاعتمادات اللازمة، على سبيل المثال”.
يضيف المرجع: “السجال التطبيقيّ هذا يرافقه سجال في قانون الانتخابات البلدية الذي يضعه البعض على طاولة البحث من بوّابة التخوّف من اختلال التوازن الطائفي في عدد من البلديّات، ولا سيّما بلدية بيروت”.
وإذا كان مبدأ المناصفة في المجلس البلدي في بيروت عرفاً ثبّته الرئيس رفيق الحريري، فما الذي يضمن اليوم الاستمرار بالمحافظة عليه في ظلّ ما يشهده لبنان من انقسامات؟
يشير المرجع الحقوقي إلى أنّه “من هذا المنطلق وضعت القوى المسيحية هواجسها على الطاولة وطرحت تقسيم بعض البلديات الكبرى، ولا سيما بلدية بيروت. وإن كان هذا الخيار مستبعداً فإنّ النقاش في القانون وهواجسه سيحضر قبل الانتخابات. وهكذا يستدعي إجراؤها نوعاً من الاستقرار السياسي غير الموجود حتى الساعة”.
على الرغم من بدء الاجتماعات بين المعنيّين بملفّ الانتخابات في وزارة الداخلية، يقول رئيس كتلة نيابية لـ”أساس” إنّه “لا انتخابات بلديّة في ظلّ الفراغ الرئاسي، وقبل انتخاب رئيس”
بلديّات منحلّة ومفلسة
ينعكس الواقع السياسي المأزوم مباشرة على البلديّات. وعند الاطّلاع على حجم الأزمة التي تعانيها المناطق يتبيّن كم هي الانتخابات البلدية ملحّة جدّاً. فحوالي 1,055 بلديّة بحاجة إلى انتخابات لمجالس بلديّاتها. أكثر من 95 بلديّة مجالسها منحلّة بفعل الخلافات الداخلية والاستقالات. وفي هذه الحال يتولّى إدارتها القائمقام أو المحافظ. لذا يحتِّم واقع البلديّات هذا ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها لملء الشغور أو التجديد أو تعزيزها ماليّاً. ولا تزال البلديات اليوم تعمل اعتماداً على عائدات الصندوق البلدي المستقلّ كمصدر أساسي للرواتب والأجور ومصاريفها. وهو ما لم يعد يكفي حاجاتها بفعل الأزمة الماليّة المعروفة وسعر صرف الدولار المتغيّر. وإن حافظت البلديّات على مجالسها، لكنّها تصرف الموظّفين والعمّال، وتعاني صعوبةً في تسيير الأعمال.
إشكاليّة التشريع.. المولوي يعاند
لا تجري الانتخابات بمرسوم موقّع من رئيسَيْ الجمهورية والحكومة، بل بدعوة من وزير الداخلية بسام المولوي الذي يؤكّد أنّه سيوجّه الدعوة إلى إجرائها ولو كان لبنان يعيش فراغاً رئاسياً. فبالإضافة إلى الإشكالية السياسية الكبرى التي ستمنع إجراء الانتخابات، تصطدم القوى السياسية بإشكالية التشريع في ظلّ الفراغ الرئاسي. فإجراء الانتخابات البلدية بحاجة إلى اعتمادٍ يُقرّه مجلس النواب من خلال قانون، فيما المجلس اليوم منقسم بين مَن يؤيّد “تشريع الضرورة” وعقد جلسات تشريعية لإقرار قوانين ملحّة، وبين مَن يعارض انعقاد المجلس للتشريع بعدما أصبح حصراً هيئة ناخبة لرئيس الجمهورية.
لكنّ إشكالية أخرى ستظهر في حال اتّفقت القوى السياسية على التمديد مرّة ثانية للمجالس البلدية، إذ سيكون التمديد بحاجة إلى قانون صادر عن مجلس النواب. ولذلك سيكون على المجلس في الحالتين أن يلتئم ويُصدر قانوناً، وتظلّ إشكالية التئامه حاضرة في الحالتين، فأيّ منهما سيختار مجلس النواب؟ هذا هو السؤال المطروح حاليّاً وسط كلام عن أنّ توقيع قانون التمديد مرّة ثانية قد يكون أسهل من توقيع اعتماد إجراء الانتخابات لأنّه يتطلّب خطوات تنفيذية أخرى قد لا تستطيع السلطة التنفيذية الالتزام بها بفعل تسيير مرافق الدولة في ظلّ الشغور الرئاسي .
المولوي: سأدعو إلى إجرائها
يقول وزير الداخلية بسام المولوي في حديث إلى موقع “أساس” إنّه لن يطلب تأجيل الانتخابات، بل بدأ الإعداد لها في وزارته. فهي بحسب القانون الصادر العام الماضي يجب أن تحصل في نيسان/أيار المقبل. ويضيف أنّ وزارة الداخلية يمكنها إجراؤها في موعدها. وهو عقد منذ أسبوع أوّل اجتماع خاصّ بالبحث في الاستعدادات مع المدير العامّ للأحوال الشخصية الياس الخوري والمديرة العامّة للشؤون السياسية فاتن يونس.
أمّا عن الاعتماد المفترَض تخصيصه لإجرائها فيقول المولوي: “سنضع الاعتماد في موازنة 2023 التي يتمّ الإعداد لها حسب قانون الشراء العامّ. وإذا كان الاعتماد غير كافٍ، أو في حال عدم إقرار الموازنة، يمكن أن نأخذ اعتماداً من احتياطي الموازنة على القاعدة الاثني عشرية. وفي حال عدم كفاية الاعتماد لا بدّ من العودة إلى مجلس النواب لإقرار الاعتماد بقانون”.
إقرأ أيضاً: اعتكاف القضاة off: حلّ ترقيعيّ أم مستدام!
هكذا يعتقد المولوي أنّه يمكن تجنّب إشكالية التشريع لإقرار الاعتماد في مجلس النواب. وهو يشير إلى أنّ “الشغور الرئاسي لا يؤثّر بحدّ ذاته على إجراء الانتخابات البلدية، ووزارة الداخلية حريصة على تطبيق القانون والقيام بواجباتها وإجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في موعدها. غير أنّ تأجيل الانتخابات لا يعود إلى وزارة الداخلية، وإنّما حصراً إلى مجلس النواب، وهو سيّد قراره في حال أراد ذلك”.
لمتابعة الكاتب على تويتر: josephinedeeb@