تصيب المراقبَ بالدهشة حكومةُ اليمين الفاشي قيد التشكيل. يمكن اختصار النقاشات بأنّها تدور حول مجموعة خارجين عن القانون يتهيأون لتسلّم الوزارات، بدءاً من رئيس الوزراء المكلّف بنيامين نتانياهو الملاحَق بملفّات رشى وخيانة الأمانة، وبتسلئيل سموتريتش الذي يطالب بحقيبة الجيش وهو الذي كان تهرّب من الخدمة العسكرية، وإيتمار بن غفير الذي يطالب بحقيبة وزارة الداخلية، وكانت رُفِعت ضدّه 50 قضية جنائية. أمّا الذي يطالب بوزارة المالية زعيم حركة شاس أرييه درع فقد سُجِن ثلاثة أعوام بتهمة اختلاس المال. ومثل ذلك إن حصل فسيكون “تشكيلة مبشّرة” لكلّ خصوم إسرائيل، حسب توصيف الكاتب الفلسطيني أكرم عطا الله.
هذه العراقيل قد تمنع نتانياهو من التوصّل إلى اتفاقات مع شركائه في اليمين المتطرّف، وقد ترشّح الحكومة، في حال تأليفها، إلى فشلٍ يُضاف إلى ما سبقه من فشل اضطرّت إسرائيل بسببه إلى إجراء 5 انتخابات برلمانية.
ذكرت مصادر في حزب “الليكود” أنّ رئيس حزب “الصهيونية الدينية”، بتسلئيل سموتريتش، لن يحصل على وزارة الجيش بأيّ شكل من الأشكال
سموتريتش الأكثر “إشكاليةً”
نبدأ من الضغوط الداخلية والأميركية والدولية عليه لعدم تعيين سموتريتش وزيراً للدفاع. يضغط كبار الضبّاط والجنرالات الذين أعربوا عن قلقهم من احتمال هذا التعيين، لأنّ سموتريتش “لا يمتلك الخبرة والمعرفة” في شؤون الجيش الإسرائيلي.
ونقلت سافير ليبكين مراسلة القناة 12 عن الجنرال تال روسو، قائد القيادة الجنوبية ورئيس شعبة العمليّات في الجيش، أنّ “من السيّئ أن يُعيَّن سموتريتش وزيراً للدفاع، لأنّه لم يفعل شيئاً في حياته في المجال العسكري، بل على العكس، فقد تهرّب من الخدمة في الجيش، وبالتالي ما هو المثال الذي سيقدّمه أمام الإسرائيليين يهوديٌّ لم يخدم في الجيش الإسرائيلي؟”.
من جهته، حذّر الجنرال عاموس غلعاد الرئيس السابق للدائرة السياسية والأمنيّة في وزارة الحرب من تعيين سموتريتش لأنّه قد تحدث كارثة خطيرة، “فالتعاون مع السلطة الفلسطينية ضروريّ للأمن، وإلّا فسنواجه جمهوراً فلسطينياً كاملاً، وإذا جاء سموتريش وحرّض على السلطة الفلسطينية، فإنّ المستوطنين سيقومون بأعمال شغب، مع العلم أنّه سبق أن اعتُقل أثناء إضرام النار في طرق الضفة الغربية وتنفيذ اعتداءات أخرى”.
نتانياهو نفسه يعارض بشدّة إسناد وزارة الدفاع إلى سموتريتش بسبب الضغط الذي تمارسه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على تل أبيب في هذا الشأن. ذلك أنّ تولّي سموتريتش لهذه الحقيبة سيتيح له تطبيق سياسة يمينية كاملة وإقامة مستوطنات جديدة في الضفّة الغربية والمصادقة على بناء آلاف الوحدات السكنية فيها، ومنع الفلسطينيين من البناء في المناطق “ج” (حسب تصنيفات اتفاق أوسلو)، ومنع إخلاء البؤر الاستيطانية. وقد أبلغ السفير الأميركي لدى إسرائيل توم نايدز نتانياهو خلال لقاء جمعهما أنّ تعيين وزير الدفاع يجب أن يتمّ بحذر وحكمة وبطريقة تراعي العلاقة الممتازة بين إسرائيل والولايات المتحدة.
وذكرت مصادر في حزب “الليكود” أنّ رئيس حزب “الصهيونية الدينية”، بتسلئيل سموتريتش، لن يحصل على وزارة الجيش بأيّ شكل من الأشكال حتى لو كلّف الأمر اللجوء إلى انتخابات مرّة أخرى.
وقد دعا حزب “الصهيونية الدينية” واشنطن إلى عدم التدخّل في تشكيل الحكومة المرتقبة، وإلى أن “تحترم الديمقراطية الإسرائيلية”. ونقل موقع “واللا” الإلكتروني عن مصدر في “الصهيونية الدينية” قوله إنّه “إذا أبقى نتانياهو “الصهيونية الدينية” خارج الحكومة، فإنّه مدعوّ لمحاولة تشكيل حكومة مع القائمة الموحّدة”، أي الحركة الإسلامية الجنوبية
تكمن خطورة البؤر الاستيطانية في أنّها قابلة للاتّساع على حساب الأراضي الفلسطينية بفضل الدعم الذي تلقاه من المؤسسة الرسمية الإسرائيلية والجمعيّات اليهودية
بن غفير ونصف مليون مستوطن
ثم توافق “الليكود” مع “عوتسما يهوديت” بزعامة بن غفير، خلال جلسة المفاوضات الائتلافية بين الجانبين، على تسوية الأوضاع القانونية لـ65 بؤرة استيطانية عشوائية في الضفّة الغربية المحتلّة، خلال 60 يوماً من تنصيب حكومة نتانياهو المُنتظَرَة، وربطها بشبكتَيْ المياه والكهرباء والبنية التحتية الخلوية وتعزيزها بـ”تدابير أمنيّة، والإسراع في تخطيط وإنشاء طرق التفافيّة للربط بين المستوطنات في الضفّة المحتلّة”.
وفقاً للمعطيات، هناك 451 ألف مستوطن في 132 مستوطنة و147 بؤرة استيطانية عشوائية في الضفّة الغربية المحتلّة تهدف إلى إحكام الطوق على التجمّعات الفلسطينية ومصادرة أكبر مساحة ممكنة من الأراضي. ولا تشمل هذه المعطيات 230 ألف مستوطن في القدس.
تكمن خطورة البؤر الاستيطانية في أنّها قابلة للاتّساع على حساب الأراضي الفلسطينية بفضل الدعم الذي تلقاه من المؤسسة الرسمية الإسرائيلية والجمعيّات اليهودية، والحماية الأمنيّة التي تحظى بها من جيش الاحتلال.
صعوبات ومساعٍ “للتغلّب” على المحكمة العليا
لا تتوقّف صعوبة المفاوضات الائتلافية على بن غفير وسموتريتش، فقد أشارت هيئة البثّ الإسرائيلية إلى أنّ المفاوضات الائتلافية بين الليكود وحزب شاس الديني تشهد خلافات حادّة، وخاصّة في ما يتعلّق بفقرة “التغلّب”. وأوضحت أنّ فقرة “التغلّب” تنصّ على أنّه تستطيع الحكومة الإسرائيلية المضيّ في تطبيق قانون ما حتى لو اعتبرته المحكمة العليا قانوناً مخالفاً للمبادئ الدستورية. بمعنى أنّ الحكومة يمكنها التغلّب على قرارات المحكمة، وهو ما يعتبره البعض خطوة منافية لمبدأ سلطة القانون. أمّا الليكود فيرفض هذا المطلب ويقترح أن يتمّ التشريع في إطار إصلاحات واسعة في الجهاز القضائي، وهو ما يستدعي بضعة أشهر لصياغة القانون.
ضغوط متتالية وفساد متلاحق
من المقرّر أن تُستأنف المفاوضات الائتلافية بين أحزاب اليمين ونتانياهو خلال الأيام المُقبلة. وأشارت مصادر في “الليكود” إلى أنّ الحلّ يكمن في استغناء رئيس حزب “شاس”، أرييه درعي، عن وزارة المالية لسموتريتش مقابل حصوله على تعويضات. وحسب ما ورد في موقع “واينت” الإسرائيلي، عرض نتانياهو على سموتريتش في الجلسة الأخيرة بينهما الحصول على وزارة الخارجية، إلا أنّ الأخير رفض.
إقرأ أيضاً: اغتيال “عقل المسيَّرات” الإيراني في سوريا: بصمات نتانياهو
يدرك نتانياهو بخبرته السياسية أنّ حكومة يتولّى فيها سموتريتش وبن غفير وزارات سيادية، ستُستقبل بشكل سيّء في واشنطن والقاهرة وعمّان وأبو ظبي والاتحاد الأوروبي، وأنّه بسبب طلبات سموتريتش وبن غفير وشاس ستكون هذه الحكومة قصيرة العمر، فكما سقطت حكومة لابيد بعد عام بسبب نزوات المشاركين فيها، فإنّ هذه الحكومة ستقود نفسها إلى نهايتها بسرعة أكبر.
*كاتبة فلسطينية